راهنية العمل النقابي الديمقراطي من أجل التغيير

راهنية العمل النقابي الديمقراطي من أجل التغيير

راهنية العمل النقابي الديمقراطي من أجل التغيير


توافرت عدة شروط موضوعية وذاتية، لاسترجاع موضوع العمل النقابي إلى مقدمة جدول أعمال حاملي المشروع الديمقراطي في شموليته. إن الأزمة العميقة التي تشهدها الأوضاع العامة وفي مقدمتها انحدار مؤشرات الوضع الاجتماعي إلى القعر، وتعمق تلك الأزمة مع الوصفات الصادرة عن صندوق النقد الدولي وتوجيهها لمسارات ما يسمى بالحوار الاجتماعي وفق سياسة تقشفية تروم تكثيف الاستغلال وخفض تكاليف الإنتاج في شروط غير لائقة…

أمام هكذا وضع، يبقى العمل النقابي كأداة وسلاح للطبقة العاملة في صراعها ضد الاستغلال وضد الاستبداد. إنها تنظيم لعملية المقاومة الجماعية لجشع الرأسمال وافتراس الباطرونا.

وبالنظر للوضع المتردي الذي آل إليه العمل النقابي في المغرب، في ظل تواجد الغالبية العظمى من العاملين والمنتجين الفعليين خارج دائرة التأطير النقابي، تتهدد هذا العمل المنظم للمقاومة في المرحلة، عدة مخاطر:

– الهجوم المخزني على الحريات والحريات النقابية بالأساس، فضلا عن تحييد المركزيات النقابية من معادلة الصراع.

– هيمنة البيروقراطية النقابية واستعدادها الدائم للتعاون الطبقي ضد الشغيلة والمأجورين.

– هشاشة التأطير والتكوين وسط النقابة كمدرسة لممارسة الصراع الاجتماعي.

– سقوط المناضلين الجدريين بقطاعاتهم في العفوية النقابية.

– ضعف الإنخراط في العمل النقابي (أقل من 3 في المائة) بل فقدان الثقة في النقابيين.

– ضعف النضال الوحدوي وحتى التضامني بين القطاعات وبين المركزيات النقابية؛

– بروز أشكال جديدة للاستغلال، وصعوبة نفاد العمل النقابي في أوساطها.

إن الممارسة النقابية الخالصة للمناضلين، مهما بلغت ديناميكيتها في غياب أهداف سياسية وبرامج تأطيرية واضحة للعاملات والعمال، لا تنتج سوى العفوية. وعفوية حركة الطبقة العاملة هي النقابوية وهو ما يلفظها كلِّيا إلى حضن إيديولوجية البورجوازية. ولنا في تاريخ وتجارب الشعوب والحركة العمالية ما يفيد كثيرا، وكما لاحظ ذلك لينين من حيث أن الارتباط الكبير للنضال النقابي الاقتصادي بالنضال السياسي يتحقق أوقات المدّ الثوري (الغريزة الثورية للعمال)، بينما تبعد المسافة بين الوعي النقابي والوعي الثوري.

وقد لاحظنا التدخلات المتكررة للقيادات البيروقراطية في نسف كبريات المعارك الحاسمة التي أبانت عن وحدة عمالية في مواجهة تشريعات رجعية أو في مواجهتها للباطرونا وخدام الدولة المخزنية. وقد توفقت البيروقراطية أيضا في زرع التفرقة وتشتيت الفعل النقابي على أوسع عدد من النقابات في صيغة التعددية المفترى عليها. إنها تستطيع ذلك لأنها تشكيلة اجتماعية متدبدبة، ورجعية، لأنها في نفس الوقت تتحكم في مستوى النضالات وآفاقها، تأخذ المسافة اللازمة من الإدارة والدولة في معادلة الحفاظ على ذات شروط الاستغلال.

لا يزال العمل النقابي ذو راهنية كبيرة، ولا تزال النقابة تشكل الأداة الضرورية والمناسبة للدفاع عن العاملات والعمال. وبعيدا عن إشاعة ثقافة تبرير الاستسلام والخضوع لأمر واقع تفرضه الباطرونا وحكومتها اللصوصية، تبقى شروط النهوض بالعمل النقابي وتصحيح مساره قائمة. ولعل أهم مداخل استرجاع الثقة للعمل النقابي، تستوجب على المناضلين المقتنعين بالدور التاريخي للطبقة العاملة العمل على:

– الصراع، ليس بشكل فوقي ومن دون هوادة من أجل الديمقراطية الداخلية والحزم في القضايا التنظيمية والمالية والإدارية للنقابة.

– فرض تبني مطالب بعض الفئات واحتضانها والنضال من أجل تحقيق مطالبها ودون ذلك هو مساهمة في تشتيت الحركة وفي تلاشي جذوتها.

– تشكيل أقطاب وتشبيك الفعل النضالي لقطاعات من مركزيات مختلفة على أرضية المطالب المشتركة.

– تنسيق المعارك وتوحيد النضالات في أفق وحدة نقابية.

إذا كان من المعروف أن الهدف من العمل النقابي هو تحسين شروط الاستغلال، فمن المؤكد أن العمل من أجل الارتقاء بوعي الطبقة العاملة، وتمكينها من أدواتها الحقيقية في صراعها ضد الاستغلال، أي من نقابتها الموحدة والمستقلة لممارسة الصراع في واجهته النقابية الاقتصادية، ومن الحزب المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين معبرا طبقيا حاسما من أجل بناء مجتمع الحرية والكرامة والمساواة. فكل عمل نقابي أو عمل مباشر مع العمال، محكوم بالفشل ما لم يفتح أمام هذه الطبقة الأكثر ثورية على الإطلاق آفاق خلاصها والظفر بالسلطة السياسية التي هي أهل لها وباستحقاق.