احترام المبادئ والتشبع بالقيم النضالية، أساس النهوض بالعمل النقابي التقدمي

احترام المبادئ والتشبع بالقيم النضالية، أساس النهوض بالعمل النقابي التقدمي
عبدالحميد أمين

عبد الحميد أمين: احترام المبادئ والتشبع بالقيم النضالية، أساس النهوض بالعمل النقابي التقدمي


1- استلهمت فكرة كتابة هذه الورقة من تجربتي في العمل النضالي، وخاصة في العمل النقابي داخل الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي وداخل الاتحاد المغربي للشغل؛ وانطلقت من التردي الخطير لاحترام القيم الإنسانية والنضالية على مستوى المجتمع وعلى مستوى التنظيمات النقابية للشغيلة المفترض فيها أن تكون مدارس للديمقراطية ومدارس لتربية الأجيرات والأجراء وعموم الكادحين/ات على احترام مبادئ العمل النقابي الأصيل وعلى التشبع بالقيم الإنسانية والنضالية السامية كبديل للقيم المشينة التي غزت المجتمع وأصبحت سائدة اليوم، وأبرز عناوينها: الفردانية والأنانية والغش، والفساد بمختلف أصنافه، والكراهية والنفاق والنميمة، والجبن والتملص من الإلتزامات.

نحن نعرف أن هذه القيم المشينة لم تنزل من السماء وأن انتشارها في السنوات الثلاثين الأخيرة مرتبط بتراجع القيم الاشتراكية وبتوسع وتعمق التوحش الرأسمالي وتغول الإمبريالية والصهيونية والرجعية العالمية الحاملين لقيم الاستغلال والاضطهاد وسحق قيم الكرامة الإنسانية والحرية والمساواة والتضامن والعدالة الاجتماعية. ونحن نعرف أيضا أن المخزن ببلادنا عمل بكل قواه منذ ما يقرب من ستين سنة، ومن أجل تأبيد استبداده ومصالحه، على تشجيع انتشار القيم المشينة في مجتمعنا بالموازاة مع تعميق سياسة “فرق تسد” المكبلة لطاقات شعبنا وقواه الديمقراطية والحية. ويجب الاعتراف بأنه نجح إلى حد كبير في ذلك دون أن يمس ذلك بعزيمة المناضلين/ات الحقيقيين على مواصلة المعركة التاريخية للتخلص من العلاقات المخزنية، وجوهرها الاستبداد والفساد، ولبناء مجتمع الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان للجميع.

2- بالعودة إلى التجربة النقابية لجامعتنا، فعندما شرعنا في العمل على انبعاثها عبر تأسيس الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي سنة 1991، كان هاجسنا كأطر نقابية ديمقراطية هو التأسيس لتجربة نقابية تقدمية من نوع جديد، وانصب تفكيرنا آنذاك على وضع المبادئ الأساسية للعمل النقابي. وقد انطلقنا في ذلك من المبادئ الثلاثة التي كانت تتبناها مركزيتنا (الوحدة، الديمقراطية والاستقلالية) ومن المبادئ الأربعة التي كان يتبناها كل من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وبعده الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ثم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي الجماهيرية والديمقراطية والاستقلالية والتقدمية. وقد استقر رأينا في الجامعة على التسلح بالمبادئ الستة التي توجد في ديباجة قانونها الأساسي وهي الوحدة والتضامن والجماهيرية والديمقراطية والاستقلالية والتقدمية. وقد أضفنا بعد ذلك لهذه المبادئ شعارا أساسيا هو “خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها” .

وجاء المؤتمر الوطني العاشر للاتحاد المغربي للشغل المنعقد يومي 11و12 دجنبر 2010 ليتبنى بدوره، وعلى مستوى ديباجة القانون الأساسي، نفس المبادئ ونفس الشعار “خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها” الذين سبق تبنيهم من طرف الجامعة.
وبالنسبة لجامعتنا، يمكن أن نعتز اليوم بكوننا تمكننا، ولو بشكل نسبي، من تسييد احترام مبادئ الجامعة التي أصبحت مرجعا لدى مجمل مناضلاتنا ومناضلينا في البناء الجماعي لتنظيماتنا النقابية. وما زال علينا أن نؤصل للاستيعاب الجماعي لمبادئ الجامعة ولشعارها حول “خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها”، وللعمل على هداها وبشكل تلقائي في جميع مجالات العمل التكويني والتنظيمي والنضالي للجامعة.

3- إن احترام مبادئ العمل النقابي الأصيل مسألة مهمة وأساسية بالنسبة لتطور العمل النقابي التقدمي. لكن احترام هذه المبادئ يستوجب بدوره احترام القيم الإنسانية والنضالية الملازمة للعمل النقابي التقدمي خاصة من طرف المناضلين/ات النقابيين الذين يشكلون أو يفترض أن يشكلوا القدوة بالنسبة لعموم المنخرطين/ات، ومن طرف القياديين/ات النقابيين . فهل يمكن بناء عمل نقابي على أسس المبادئ السالف ذكرها في ظل قيادات تفتقر للقيم النضالية؟ قيادات قد تكون أحيانا أنانية،فاسدة ماليا، منحرفة أخلاقيا، غير صادقة، منافقة، لا تحترم التزاماتها، جبانة،…؟!!

إن القيم الإنسانية والنضالية متعددة ويصعب حصرها. ففي مجال العمل الحقوقي، تم تناول موضوع القيم وتم حصرها في القيم الأساسية التالية: قدسية الحياة، الكرامة، الحرية، المساواة والتضامن. وقد أضاف البعض قيم العدل والتسامح والمواطنة.
ونحن طبعا كمناضلين/ات نقابيين لا يمكن إلا أن نتبنى هذه القيم نظرا لتأثرعملنا النقابي بالعمل الحقوقي التقدمي.
لكن هناك قيم أخرى أكثر بساطة سنحاول سرد بعضها هنا مع الحث على التشبع بها في الممارسة العملية اليومية:

+ التعامل وفقا لقيم ومعايير حقوق الإنسان الكونية مع جميع الناس، خاصة مع النساء والأطفال والشيوخ والمعاقين والمهمشين والمنبوذين.
+ الصدق وما يستوجبه من قول للحقيقة وابتعاد عن الكذب والنفاق والمراوغة والمناورة واللف والدوران.
+ الوفاء بالإلتزامات:

حضور الاجتماعات المقررة جماعيا مع حضورها في الوقت المحدد والالتزام بحسن سيرها والعمل على إنجاحها.
الإلتزام بالمواعيد مع احترام توقيتها عند البداية والنهاية.

الصراحة في قول الحقيقة وإبداء الرأي مع الجرأة على النقد الرفاقي الموضوعي، البناء وغير الجارح، والابتعاد عن النميمة، وتقبل النقد والاستعداد للقيام بالنقد الذاتي الصريح كلما دعت الضرورة.

الجرأة على التفكير والتعبير عن الرأي وعلى النضال والإبداع النضالي.

المشاركة بشجاعة وفعالية في المعارك النضالية المقررة جماعيا.

+الاحترام بمختلف أوجهه:

احترام الإلتزامات الجماعية والفردية.

احترام الرفاق والرفيقات بشكل عام وخاصة عند احتدام النقاش أو الصراع، والابتعاد عن الشتم وعن الكلمات البذيئة.
الاحترام المتبادل بين النقابيات والنقابيين والتشجيع على بناء علاقات طيبة ومتساوية بين النساء والرجال في العمل النقابي.
احترام مسير/ة الاجتماع وصلاحياته واحترام المتدخل/ة وعدم مقاطعته واحترام أدبيات السير الديمقراطي للاجتماعات.

احترام تقاليد الشعب المغربي وقيمه، رغم عدم الاتفاق أحيانا مع بعضها. وكمثال على ذلك وجب التأكيد على عدم تناول المخذرات والابتعاد عن تناول الخمر خاصة في الأماكن العمومية.

احترام المقرات النقابية من خلال السهر على نظافتها وعدم التدخين فيها ومن خلال الحفاظ على التجهيزات والمعدات واحترام ممتلكات الجامعة وصيانتها واحترام مالية الجامعة باعتبارها ملك عمومي.

احترام البيئة والاجتهاد الفردي والجماعي لفرض الحياة في بيئة سليمة.

+ الوفاء الاجتماعي

يجب على النقابيين/ات أن يكونوا قدوة في احترام العلاقات الإنسانية وضمنها بالخصوص العلاقات الزوجية .
الإخلاص في الصداقة والتعامل بطيبوبة بين الرفاق والرفيقات.
تطوير التضامن الإنساني المعنوي والمادي بين النقابيين/ات.

+ استبطان معنى “خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها” بما يعنيه من نكران للذات والاستعداد للتضحية من أجل مصالح الشغيلة والابتعاد عن توظيف العمل النقابي للمصلحة الشخصية، خاصة إذا كان على حساب النقابة والمصالح الجماعية.
+ تغليب قيم العمل المشترك والوحدوي في مواجهة نزعة التفرقة المكبلة لتحقيق الأهداف الجماعية.
+ الدفاع عن العقلانية والسلم والمحبة بين البشر في مواجهة الاستغلال والقهر والاضطهاد والعنصرية والكراهية والاستيلاب و…..
+ الإلتزام بقيم الأمانة والاستقامة ونكران الذات وحب الخير للجميع، خاصة للمقهورين، ومعاملة الآخر كما نحب أن نعامل به.
+ الإلتزام بالتواضع والقدرة على الإنصات للآخر والإلتزام بقواعد التدبير الديمقراطي للإختلاف ومن ضمنها احترام الضوابط القانونية للجامعة وممارسة النقد البناء والنقد الذاتي الصريح.
+ الإلتزام بالنزاهة والجدية في العمل المهني وفي العمل النضالي كذلك.

إن التشبع بالقيم الإنسانية والنضالية كما طرحنا عددا منها أعلاه والممارسة اليومية على أساسها ليس بالمهمة السهلة. فهذا يتطلب أن نربي أنفسنا على ذلك وهو ما يستوجب، أولا أن نعطي أهمية قصوى في إطار التكوين النقابي للتربية على القيم، وثانيا أن نقوم بمجهود خاص ضد ذواتنا وضد ما هو قبيح فينا. يجب أن نجتهد لتحصين أنفسنا ضد القيم المشينة السائدة في المجتمع وللتخلص من كل الترسبات التي وصلتنا من المخزن وثقافته الرجعية ومن قيمه المهترئة.

لقد ركزنا في مخططنا الاستراتيجي الأول، المنطلق مع انبعاث الجامعة سنة 1991، على وضع مبادئ العمل النقابي الأصيل والتقدمي والتربية والسهر على احترامها. ورأينا أن احترام هذه المبادئ وشعار خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها رهين هو الآخر بالتشبع بالقيم الإنسانية والنضالية النبيلة. وهو ما قد يتطلب التفكير في وضع الجامعة لميثاق حول احترام القيم الإنسانية والنضالية.