الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان يراسل رئيس النيابة العامة

الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان يراسل رئيس النيابة العامة
صورة من الأرشيف: الكتابة التنفيذية للائتلاف المغربي لهيآت حقوق الإنسان

الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان
رسالة للسيد رئيس النيابة العامة
حي الرياض، الرباط

الموضوع : تكفينا جائحة الكوفيد، فلسنا في حاجة لجائحة الصرامة والتوقيفات بعشرات الآلاف وملئا لسجون والرفع من الأخطار والإصابات

السيد الرئيس، تحية لكم وبعد،

نتابع في الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان وباندهاش شديد حملات إلقاء القبض بعشرات الآلاف التي تقوم بها مختلف الأجهزة الأمنية (حيث بلغ عدد الموقوفين ما يفوق 81489 والمودعين منهم بالحراسة النظرية 49274، والموضوعين في حالة اعتقال 2379 وهي أرقام رسمية أدلت بها النيابة العامة وتتغير باستمرار طبعا…)، والتي يعقبها إحالة عدد كبير منهم في حالة اعتقال أمام المحاكم بتهم منها اهانة موظف.

إن إطلاق هذه الحملة التي لم يعرف المغرب مثيلًا لها منذ الاستقلال، أتت عقب توجيهاتكم وأوامركم التي تتبعـناها عبر ممثليكم بوسائل الإعلام، حيث أعلن أن رئاسة النيابة العامة ستتعامل بصرامة مع المخالفين لقانون الحجر الصحي .

وإذا كنا في الائتلاف قد أكدنا وبكل مسؤولية على ضرورة انخراط المواطنين والمواطنات بكل يقظة وبما لهم من نضج وإحساس أنساني بمخاطر الجائحة، والالتزام بالحجر الصحي وتفادي الاختلاط بل وبحثهم على المشاركة المواطنة في حملات التوعية وحملات التضامن، والتعاون مع السلطات العمومية التي تقوم في إطار واجبها بمجهودات مهمة شريطة انضباطها للقانون ولأدبيات الوظيفة والمسؤولية التي تتحملها.

فان محاربة الجريمة مهما كانت خطورتها تفرض التقيد بمنطق الموضوعية والحذر، وباحترام كامل للمقاربة الإنسانية والحقوقية، بعيدا عن النظرة الأمنية المتشددة والتي تبث بالتجربة أنها تسقط في براثين الانتهاكات المتعددة الأوصاف لحقوق الإنسان ولحقوق المعتقلين من خلال الوضع تحت الحراسة النظرية والتي ما هي سوى تدبير استثنائي كما تعرفون يمكن تعويضها بتدابير الرقابة القضائية التي يتم غض الطرف عنها بكل الأسف، ومن خلال تحرير المحاضر وتكييف الأفعال مسبقا أحيانا من قبل الضابطة القضائية دون حق.

إن الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان ،يعبر عن قلقه الشديد وهو يلاحظ أن تعليماتكم الرسمية “بالتعامل بالصرامة” مع المخالفين، تُستَعمَل من اجل تبرير اتهام العديد منهم من قبل نياباتكم بالمحاكم بجنحة “إهانةة موظف” إضافة للجنح المشار إليها بقانون 02-20- 392، ويخشى أن تكون كلمة “الصرامة” بابا للاعتقالات العفوية وخارج المشروعية للآلاف من المواطنين والمواطنات عبر تراب المغرب.

لقد نبهت المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة يشيل بشلي كافة الدول لاحترام دولة القانون، وأعلنت قلقها لان التدابير والقوانين المطبقة من بعضها فيها خروقات غير محدودة مصحوبة أحيانا بعقوبات صارمة تغذي المخاوف من استخدامها لإسكات الإعلام وتوقيف المعارضين، وأدانت توقيف آلاف الأشخاص في بعض الدول لخرقها حظر التجول ودعت الدول إلى الإفراج عن المعتقلين الذين يمكن إطلاق سراحهم.

ويعتبر الائتلاف المغربي أن البعض من هذه التخوفات تنطبق على ما يقع بالمغرب بكل الأسف إذ لا يمكن القبول بملئ السجون بالمعتقلين احتياطيا، ورفع الاكتظاظ القاتل حتى في الظروف العادية، فبالأحرى في ظل هجوم عدوى لا تذر ولا تبقي ولا ترحم، بل إن الأوامر بالاعتقال الصادرة عن نياباتكم اليوم وإحالة ملفات بعشرات المئات على المحاكم لإضفاء “شبه المشروعية” على “لامشروعية العديد من الممارسات” وفي ظل تفشي الوباء داخل العديد من السجون وسقوط ضحايا بالعشرات والمئات، لا يعني سوى سوء خلفيات السياسة الجنائية وسوء تدبيرها، ولا يعني سوى إفراغ عمق ومعنى العفو الصادر على ما يفوق من خمسة آلاف من السجناء، ولا يعني سوى تقديم “مواطنين ومواطنات هدية للكورونا فيروس” ووضعهم رهن إشارة الوباء بتكديسهم بالسجون، في أوضاع سيئة وفي عنابر ضيقة بشكل لا يمت للاعتبار الإنساني بأية صلة ولا للضمير القضائي ولوجدانه بأية رابطة، وبتجاهل كبير لمعضلة الاكتظاظ المرتبطة بآفات الاعتقال الاحتياطي التي تميز السياسة العقابية بالمغرب والتي لا تشرف المغرب، وبالحيرة التي توجد فيها المندوبية العامة للسجون وبالقلق الشديد الذي يصيب اسر المعتقلين.

ومن هنا فان الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان يبلغكم ومن خلالكم لكل المسؤولين مايلي :

أولا : احتجاجه القوي على منطق المقاربات الأمنية والسجنية و”الصرامة ” التي سمحت بالقبض واعتقال عشرات الآلاف من المواطنين والمواطنات ومتابعة عدد كبير منهم بتهم ثقيلة، بما فيها تهمة إهانةة موظف، والتي تسمح بالتأويل الاعتباطي لكلمة أو إشارة أو كتابة واستخراج النوايا وإبعادها عن مقاصد أصحابها.

ثانيا: رفضه القاطع لتعامل بعض النيابات العامة مع الحرية بالكثير من اللامسؤولية في ظل أزمة انتشار الوباء وخطره الداهم للمؤسسات السجنية بصفة خاصة، وبتعاملها بأسلوب يتجاهل ما يترتب عن الزج بالسجن بأعداد مدهشة من المتابعين ووضعهم بالاعتقال ألاحتياطي دون تقدير منها لحالة السجون ولتهديد موظفيها/تها ونزلائها/تها بالإصابات بالوباء، ودون أن تخشى على صحة الاحتياطيين الجدد من نقل الوباء للسجن أو الإصابة به داخله، ودون مراعاة لموقف المندوبية العامة للسجون التي أعلنت رفضها نقل المعتقلين للمحاكم بشكل غير قانوني وغير مشروع طبعا، مما يعني أن المعتقلين الاحتياطيين سيجبرون على البقاء بالسجن دون محاكمة، مما يعنى أن الاعتقال سيصبح تعسفيا، وهذه قمة الجائحة الإنسانية المرتبطة بالسياسة الجنائية التي ربما تكبر بمخاطرها جائحة الكوفيد 19.

ثالثا : نطالبكم أمام مآسي الاعتقال الاحتياطي القديم/ الجديد، وأمام هذا الوضع الخطير حالًا واستقبالًا إصدار الأوامر، والقيام بكل الإجراءات لإطلاق سراح كل الموقوفين الجدد حتى لا يحالوا على السجون ويصبحوا “رهائن للصرامة”، وقرابين لوباء الكورونا فيروس، وأجساما لترويج المرض بالسجون اليوم، وغدا وسط الأسر والمجتمع ؛وان تتم متابعتهم ومحاكمتهم أن اقتضى الحال في حالة سراح بعد نهاية حالة الحجر الصحي، وبعد استعادة المحاكم لعافيتها والجلسات لسيرها العادي.

رابعا : يحمل الائتلاف المغربي كامل المسؤولية المدنية للنيابة العامة وللدولة المغربية، عن تبعات كل الانتهاكات لحقوق المعتقلين في ظل مساطر الطوارئ وتبعات قرارات الاعتقال الجماعية، وننبه لضرورة تتبع حالاتهم الصحية حتى لا تنقل إليهم العدوى بالسحون، ويؤكد ومن جديد على ضرورة استعمال مسطرة العفو بمقاييس أكثر جدية للتخفيف من اكتظاظ السجون؛ ورحمة بالموظفين/ات بها، ولكي لا يرتفع عدد المصابين بالسجون وهم ما يقارب الآن الثمانين ألف، كما يدعو لمراجعة المادة 4 من قانون الطوارئ وحذف العقوبة الحبسية منها والاكتفاء بالغرامة، وفي انتظار ذلك يطالبكم الائتلاف بإعطاء تعليماتكم للسادة الوكلاء بعدم اعتقال المقبوض عليهم بمخالفة حالة الطوارئ، وبعدم مطالبتهم أمام المحاكم في ملتمساتهم بالعقوبة الحبسية.

وفي انتظار التوصل بما يفيد تجاوبكم مع مطالبنا.

تقبلوا السيد رئيس النيابة العامة عبارات مشاعرنا الصادقة.

الرباط بتاريخ فاتح ماي 2020
المنسق عبد الإله بنعبد السلام

ملحوظة : وجه الائتلاف نسخة من هذه الرسالة لكل من السادة والسيدة :
وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان
وزير العدل
وزير الداخلية
المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان
رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان