بعد جائحة كورونا: أي مواجهة لتردي الأوضاع الاجتماعية؟

بعد جائحة كورونا: أي مواجهة لتردي الأوضاع الاجتماعية؟

amine-abdelhamid-41 بعد جائحة كورونا: أي مواجهة لتردي الأوضاع الاجتماعية؟


  • عبد الحميد أمين

*قد يوجد المغرب في مرحلة الخروج التدريجي والبطيء من جائحة كورونا وآثارها المباشرة على المجتمع والدولة وهو ما تميز بخروج جل المناطق من وضعية الحجر الصحي رغم استمرار حالة الطوارئ الصحية، وما يصاحبها من إجراءات احترازية يجب مراعاتها، ومن مظاهر للسلطوية المخزنية هدفها طبعاً مواصلة الحجر السياسي على المجتمع والتصدي لكل المحاولات الشعبية للاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية المتردية ولاسترجاع المكاسب الضائعة.

إن جائحة كورونا في المغرب، كما في معظم بلدان العالم، شكلت وبالاً على الطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية؛ وأكيد أن تداعيات هذه الجائحة ستستمر لمدة طويلة ستتميز بمختلف ألوان القهر الاجتماعي والسياسي، لكن كذلك بشتى أنواع المقاومة الشعبية لهذا القهر.

* إن الأزمة التي تعرفها بلادنا ليست وليدة جائحة كورونا وإنما سابقة لها؛

كل ما في الأمر أن كورونا فاقمتها وكشفت في نفس الوقت عن عيوب النظام الرأسمالي التبعي الممخزن السائد ببلادنا والذي يعتبر المنبع للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية المتردية ببلادنا. فمظاهر الأزمة – المتمثلة بالخصوص في النمو الاقتصادي البطيء والعطالة والأمية والفقر وتنامي الفوارق الطبقية وتردي الأوضاع بقطاعات الصحة والتعليم والسكن والمديونية الخانقة والأوضاع البئيسة التي تعيشها النساء والأطفال والشيوخ والمعاقين/ات والمهاجرين/ات غير النظاميين ببلادنا والمهاجرين/ات المغاربة بالخارج – كانت حاضرة بقوة طيلة السنوات الأخيرة. وهذا ما دفع رئيس الدولة نفسه إلى الإعلان عن فشل النموذج التنموي المغربي والإعلان عن البحث عن إقرار نموذج تنموي بديل تمّ تكليف لجنة خاصة بوضعه، مع العلم أن الدولة المخزنية هي التي انفردت منذ 60 سنة، بدعم من المؤسسات المالية الإمبريالية، بوضع أسس النموذج التنموي السائد ببلادنا إلى حدّ الآن.

* وجاءت الجائحة التي وصلت للمغرب في شهر مارس. فمنذ 20 مارس دخلت البلاد في حالة الطوارئ الصحية كإجراء اتخذته الدولة لمواجهة الجائحة.

ومن المقرر رسمياً أن تستمر هذه الوضعية إلى حدود 10 يوليوز القادم رغم الرفع التدريجي للحجر الصحي الذي لم يعد يهم سوى بعض الآقاليم.

وخلال هذه الفترة توقف النقل السككي والجوي داخلياً ومع مختلف بلدان العالم؛ كما عرف النشاط الاقتصادي الداخلي تراجعاً غير مسبوق بدءاً بالنشاط السياحي والأشغال العمومية والبناء وأغلقت العديد من المؤسسات الاقتصادية أبوابها؛ وأصبحت الجماهير الشعبية تعاني من الجائحة باضطرارها لملازمة المنازل مع تبعات فقدان الشغل وغياب المداخيل في ظل ضعف دعم الدولة. وغادر التلاميذ والطلبة والأساتذة المؤسسات التعليمية ولازموا البيوت.

وعلى العموم فالبرجوازية المغربية ظلت حسب مصالحها تتأرجح بين إغلاق مؤسساتها الاقتصادية كلياً أو جزئياً وبين تشغيل الأجراء في ظروف المغامرة بصحتهم وحياتهم، هاجسها الوحيد هو الحفاظ على أرباحها ولو تمّ ذلك على حساب صحة وأرواح الشغيلة.

ولم يكن تدخل الدولة للتخفيف من الأعباء والضغوطات على الشغيلة في المستوى المطلوب، حيث اكتفت بوضع صندوق للتضامن مع ضحايا الجائحة كان سخياً بالنسبة للرأسماليين وشحيحاً بالنسبة للعمال: 0200 درهم للأجراء المصرح بهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و800 إلى 1200 درهم للمسجلين في نظام “الراميد” الصحي ولبعض الفئات الأخرى. هكذا فإن معظم ساكنة الأحياء الشعبية لم يتلقوا مساعدات من الدولة رغم أوضاعهم الهشة وافتقادهم لمواردهم التقليدية كفراشة أو تجار أو حرفيين صغار أو عمال في مقاولات صغرى أغلقت هي الأخرى.

أما شغيلة البادية، من عمال زراعيين وفلاحين كادحين، فلم يتوقفوا عن العمل رغم مخاطر الجائحة وتبعاتها التي انضافت بالنسبة إليهم لمخلفات الجفاف الخطير الذي عرفته بلادنا هذه السنة. وقد كان لقرار وزير الفلاحة الصادر في 30 أبريل والقاضي باستبعاد عمال القطاع الخاص الفلاحي والصناعات الغذائية والبحارة الصيادين من الاستفادة من التعويض عن التوقيف بسبب الجائحة انعكاساً سلبياً إذ دفعهم إلى أيجاد عمل بأي ثمن رغم مخاطر الجائحة، والبرهان هو اضطرار عاملات وعمال للا ميمونة بالغرب للمغامرة بصحتهم وحياتهم بالتنقل إلى العمل في ظروف غير مأمونة وبالعمل في الظروف التي أدت إلى الكارثة المعروفة. وقس على ذلك بالنسبة للعمال والعاملات في طنجة والدار البيضاء وإقليم العيون والعرائش ومناطق أخرى.
إن أفضل تعبير لانحياز الدولة المخزنية وحكومتها الرجعية للرأسمالية المتوحشة هو تشكيلة ما يسمى “بلجنة اليقظة الاقتصادية” التي من جهة لم تبال باليقظة الاجتماعية ومن جهة أخرى أبعدت عن مكوناتها ممثلي المركزيات النقابية ووضعت نقابة الباطرونا الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب في الصدارة. قد يعتقد البعض أن هذه الملاحظة شكلية، لكنها في الواقع تبرز احتقار الدولة للشغيلة وللعمل النقابي وتقديرها لموازين القوى بين الباطرونا والشغيلة.

* إن جائحة كورونا في المغرب، كما في مختلف بلدان العالم أظهرت أن الرأسمالية المتوحشة هي العرقلة الأساسية أمام أي نمو اقتصادي وأي تقدم اجتماعي وأنها غير قادرة على توفير الشروط لتمتع الإنسان أينما كان بالكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

إننا اليوم أمام أزمة عميقة اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية وسياسية كذلك.

وتضع هذه الأزمة وجهاً لوجه معسكران أساسيان : أولاً، الكتلة الطبقية الساندة المشكّلة من البرجوازية الكبرى المرتبطة بالإمبريالية والرأسمال الخارجي والمدعومة من طرف المخزن والداعمة له؛ ثانياً، الجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة والفلاحين الكادحين وسائر الفئات الكادحة والشعبية الأخرى.
ونتيجة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعيشها البلاد على إثر جائحة كورونا، فمن المؤكد أن الصراع الطبقي سيحتدّ بقوة.

فهاذا المعسكر الأول، الرجعي، سيحاول حلّ الأزمة بالحفاظ على مصالحه التقليدية بل وتطويرها وذلك طبعاً على حساب الشغيلة ومكاسبها وحقوقها. إن هذا المعسكر سيلجأ لأسلحته التقليدية: تسريح العمال، التقليص من مدة العمل، تجميد الأجور بل وتقليصها، اللجوء للعمل الهش، منع العمال من التنظيم عبر عرقلة الحق النقابي وطرد المسؤولين النقابيين، التهريب الاجتماعي المتجسد في الغش الضريبي وفي التنصل من مستحقات الضمان الاجتماعي؛ كما سيلجأ هذا المعسكر إلى العمل على تمرير قوانين رجعية جديدة تخدم مصالحه: القانون التكبيلي لحق الإضراب، قانون النقابات، التعديل التراجعي لمدونة الشغل، المخطط التخريبي للوظيفة العمومية، القانون 22-20 للتكميم الإعلامي،…

أما المعسكر الثاني وهو المعسكر العمالي الشعبي، فمعضلته أنه ليس بعد معسكراً لذاته بل هو معسكر في ذاته، معسكر بدون تعبيرات تنظيمية جماهيرية وسياسية قادرة على قيادة نضالاته للمواجهة بنجاح لمخططات المعسكر الرجعي ولهزمه.

أكيد أن معنويات المعسكر الرجعي في تراجع لأنه فشل في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم للجماهير الشعبية ولأن نموذجه التنموي فاشل، ولم يعد له بالتالي سوى القوة لفرض مصالحه، قوة آلة القمع والإعلام المزيف والقضاء المتحكم فيه. أكيد أيضاً أن قوى المعسكر الشعبي عازمة نظراً لتردي أوضاعها على النضال بمختلف الأشكال ومهما كانت التضحيات. وكل مجهودات الثوريين والتقدميين ببلادنا يجب أن تنصب على تنظيم المعسكر العمالي الشعبي.

والبداية طبعاً من الطبقة العاملة. إنها القوة المؤهلة لتلعب دوراً ريادياً حاسماً بفضل موقعها في الانتاج وعددها ومؤهلاتها التنظيمية وحملها للمشروع البديل للنظام الرأسمالي وهو الاشتراكية.

ومن أجل أن تقوم الطبقة العاملة بدورها الطليعي يجب أن تعمل على تصحيح الوضع النقابي وشحد السلاح النقابي عبر تبني المنظور النقابي التقدمي المبني على أساس شعار “خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها” وعلى أساس المبادئ الستة للعمل النقابي الأصيل: الوحدة والتضامن والديمقراطية والاستقلالية والتقدمية والجماهيرية. إن ابتعاد القيادات النقابية عن هذا الشعار وتلك المبادئ قد أدى إلى النفور من العمل النقابي وإلى تبخيس العمل النقابي ليس فقط من طرف أعداء الطبقة العاملة وخصومها ولكن أيضاً من طرف مناضلين تقدميين لم يكن يتوقع أن ينساقوا مع تبخيس العمل النقابي. وبالنسبة للعمل النقابي ونظراً للتشتت الحالي يجب مواجهته بشعار الوحدة النضالية أو االنضال الوحدوي في أفق الوحدة النقابية التنظيمية المنشودة ومن هنا ضرورة العمل بحزم على دفع النقابات المناضلة للتنسيق النقابي الكفاحي الممأسس، تنسيق نقابي على المستوى المركزي وعلى مستوى القطاعات والمناطق. ومن جهة أخرى يجب العمل على توعية العاملات والعمال بالبعد السياسي للعمل النقابي من خلال تسفيه الرأسمالية المتوحشة المسؤولة المباشرة عن الاستغلال المكثف للعمال والعاملات، مع ردّ الاعتبار للاشتراكية وللنظام الاشتراكي كسلطة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية للطبقة العاملة مدعومة بحلفائها من الكادحين/ات.

كما يجب فتح العمل النقابي للفئات الأخرى من الكادحين وفي مقدمتهم الفلاحين الكادحين.

إن هذا المنظور للبناء النقابي التقدمي لن يستقيم إلا بالعمل في نفس الوقت على بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين انسجاماً مع شعارنا “بناء حزب الطبقة العاملة والنهوض بالعمل النقابي التقدمي مسيرة واحدة”.

هذه إذن بعض مقومات بناء المعسكر العمالي الشعبي الكفيل بالتصدي بنجاح لمخططات المعسكر الرجعي. وإن اكتمال بناء هذا المعسكر يتطلب كذلك توحيد النضال الشعبي في إطار جبهة شعبية تضمّ كافة القوى الديمقراطية والحية المعارضة للمخزن.

إننا لا نتوفر اليوم على هذه الجبهة لكننا نتوفر على الجبهة الاجتماعية التي يمكنها أن توحد نضالات القوى الديمقراطية السياسية والنقابية والحقوقية والنسائية والشبابية والجمعوية الأخرى من أجل تحقيق برنامجها عبر النضالات الوطنية والمحلية.

إن أول ما يمكن ويجب القيام به اليوم على المستوى الجماهيري للتصدي لمخططات المعسكر الرجعي هوبناء العمل النقابي الوحدوي والكفاحي والنهوض بالجبهة الاجتماعية وطنيا وبمختلف المناطق. وهذا هو الجواب العملي على مخططات الرأسمالية المتوحشة لما بعد جائحة كورونا.

30 يونيه 2020