كلمة المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في اليوم الدراسي حول مدونة الشغل يومي 2-3 أكتوبر 2020

كلمة المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في اليوم الدراسي حول مدونة الشغل يومي 2-3 أكتوبر 2020

كلمة المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في اليوم الدراسي حول مدونة الشغل
يومي 2-3 أكتوبر 2020

التحيـــــة :
باسم المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أحيي كافة المشاركين/ ت في هذا اليوم الدراسي حول مدونة الشغل بين النص القانوني والتطبيق الفعلي.
تعتبر مدونة الشغل احدى النقاط المضيئة ومكتسب اجتماعي وقانوني في تاريخ تدبير العلاقات بين أطراف الانتاج، بعد نضالات بطولية للطبقة العاملة وحصول قناعة لدى أطراف الإنتاج بروح المسؤولية الوطنية وتمرة حوار اجتماعي ثلاثي الأطراف أنتج نصا قانونيا يعتبر متقدما ومتلائما مع المعايير الدولية في مجال تنظيم علاقات الشغل الجماعية والفردية، لقد كان المغرب بلدا رائدا في المنطقة في التأسيس لثقافة الحوار الاجتماعي منذ أول اتفاق ثلاثي الأطراف فاتح غشت سنة 1996، وحققنا بشكل جماعي منذ ذلك الوقت تراكما مهما أفرز توافقا تاريخيا حول مدونة الشغل سنة 2004.
إن بلادنا تمر بمرحلة صعبة نتيجة التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورنا، وهو ما خلق وضعا صعبا جدا للعديد من الشرائح الاجتماعية خاصة الطبقة العاملة وباقي الفئات الهشة.
لقد عرت هذه الأزمة غير المسبوقة عن العديد من أوجه أزمتنا البنيوية على كل المستويات، وأظهرت مدى هشاشة اقتصادنا وتبعيته المفرطة للخارج، والحاجة الاجتماعية لدى جزء واسع من المواطنات والمواطنين وضعف منظومة الحماية الاجتماعية وقصورها في أداء أدوارها، وعجز بنياتنا الصحية وعدم قدرتها على استيعاب العدد المتزايد من الإصابات بالإضافة الى الإشكاليات المرتبطة بمنظومة التربية والتكوين المكرسة للتفاوتات وضرب مبدأ تكافؤ الفرص.
في هذا السياق الصعب، الذي يطرح على الحكومة وكل المؤسسات تحديات جديدة والذي من المفروض أن يعيد ترتيب الأولويات الوطنية ويجعل من القضايا الاجتماعية محور الاهتمام وصلب كل السياسات العمومية، تأبى الحكومة إلا أن تخلف مرة أخرى الموعد مع التاريخ، وتطرح قضايا خلافية بعيدة عن الأولويات الوطنية في الظرفية الراهنة. بل هناك إصرار على التعاطي مع الشأن الاجتماعي بنفس المنهجية الانفرادية بعيدا عن الآليات المؤسساتية للإشراك والمشاركة في اتخاذ القرار. في هذه الظرفية الصعبة تفاجئنا الحكومة بتقديم مجموعة من القوانين الخلافية بتوظيف البرلمان لتمريرها كمشروع القانون التنظيمي لممارسة الحق في الإضراب.
لقد أكدنا في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، غير ما مرة، ونؤكد اليوم كذلك على أن القوانين ذات الطابع الاجتماعي يجب أن تكون موضوع حوار اجتماعي ثلاثي الأطراف للتوافق حولها قبل إحالتها على البرلمان ونرفض أي تقزيم لدور الحركة النقابية و الحوار الاجتماعي أو أي محاولة لإفراغه من مضمونه التفاوضي وتحويله إلى مجرد جلسات للتشاور. فالظرفية التي تعيشها بلادنا تفرض أكثر من إي وقت مضى اعتماد الحوار كآلية مؤسساتية لإنتاج السياسات العمومية ذات الأثر الاجتماعي والبحث عن سبل الحد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية على الاقتصاد الوطني والمقاولة والطبقة العاملة وعموم الفئات الهشة. ونؤكد ان الحكومة أخطأت التقدير في اختيار المنهجية وأخطأت التوقيت المناسب لطرح القضايا والقوانين ذات الطابع الخلافي، وأخطأت في الأولويات والاختيارات حتى أنه يمكن اعتبار أن هذه الحكومة خطأ في المسار السياسي والاجتماعي لبلادنا، فبالإضافة الى تنفيذها لتوصيات المؤسسات المالية نموذج ضرب مكتسب التقاعد فهي أصبحت أداة لتنفيذ قرارات رأس المال أصحاب هل من مزيد من الدعم والامتيازات الجبائية، فالأولويات الوطنية اليوم هي الحفاظ على مناصب الشغل ، ووقف كل أشكال التسريحات وحل النزاعات الاجتماعية المتعددة وحماية الأجراء من تداعيات الأزمة صحيا واجتماعيا وإنعاش الاقتصاد الوطني والتأسيس لنموذج تنموي جديد محوره الإنسان وبناء الدولة الاجتماعية.
إن النقاش حول مدونة الشغل يجب ان ينطلق اولا من من يخرق مدونة الشغل ومن لايسهر على تطبيقها، فالمؤشرات الموضوعية التي تنتجها المؤسسات الرسمية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام وضعية هشاشة واسعة في العلاقات الشغلية وسيادة اللاقانون.
6 أجراء من أصل 10 لا يتوفرون على عقد الشغل و 24 % فقط من الأجراء يتوفرون على عقود غير محددة المدة التي من المفروض أن تشكل قاعدة للعلاقة الشغلية التعاقدية.
4 أجراء من أصل 6 ( 40%) يعملون أكثر من 48 ساعة أسبوعيا رغم أن المدة القانونية للعمل محددة في 44 ساعة.
ورغم ذلك هناك إصرار على إنتاج المزيد من الهشاشة والمرونة كما لو أن سوق الشغل يعيش الاستقرار واحترام القانون واعتماد آليات الحوار وإنتاج تعاقدات.
كما أن سياق الجائحة أظهر غياب سياسة وطنية في مجال الصحة والسلامة المهنية، كما تحددها الاتفاقيات الدولية ذات الصلة وغياب لجان الصحة والسلامة المهنية في أغلب المقاولات وانعدام أي إطار قانوني لضمان الصحة والسلامة المهنية في القطاع العام. وهو ما ساهم في تنامي بؤر وبائية بالوحدات الإنتاجية والخدماتية وهدد صحة وسلامة بل حياة الأجراء.
لقد تعمقت واستفحلت مظاهر خرق القانون وتسريح العمال وعدم احترام الحقوق الأساسية للعمال في ظل تضييق متزايد على الحريات النقابية التي يضمنها الدستور وتضمنها الاتفاقيات الدولية الأساسية 87 و98، فقد أصبح تأسيس مكتب نقابي في المقاولة المغربية مرادفا للطرد من العمل وكأنه خطأ جسيم.
بالإضافة إلى ظاهرة التهرب من الالتزامات الاجتماعية من طرف المشغلين la Fraude Sociale بعدم التصريح بالعمال لدى الصناديق الاجتماعية وحرمانهم من حقهم الإنساني في الحماية الاجتماعية. مما فوت عليهم حتى الاستفادة من الدعم الخاص من صندوق تدبير جائحة كوفيد.
كل ذلك في ظل ضعف آليات المراقبة بين قلة عدد مفتشي الشغل ومفتشي الصندوق الوطني للاحتياط الاجتماعي CNSS ومحدودية الصلاحيات والإمكانيات الممنوحة لهم. دون الحديث عن القطاع الغير المهيكل الذي يهم أكثر من مليونين ونصف عامل والذي يظل خارج أي مراقبة أو تأطير قانوني.
إن هذه الوضعية التي تعرفها العلاقات الشغلية تؤكد أننا نعيش هشاشة مزمنة وأن البحث عن المزيد من المرونة سيعمق أكثر الأوضاع الاجتماعية المزرية للطبقة العاملة وتكريس الهشاشة واللاحقوق، وأن المسؤولية تقتضي أولا الالتزام باحترام القوانين الاجتماعية سواء مدونة الشعل أو القوانين المؤطرة للحماية الاجتماعية. فأغلب الاحتجاجات والإضرابات هي نتيجة عدم تطبيق مقتضيات مدونة الشغل. وقد عمق سياق الجائحة وتداعياتها وضعية الهشاشة في سوق الشغل بعدما فقد أكثر من 600 ألف عامل مناصب عملهم بالإضافة الى البطالة الجزئية، خاصة بعد أعطت الحكومة الضوء الأخضر لتسريح عامل واحد من أصل 5 عمال.
إن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ترفض أي مس بالمكتسبات الاجتماعية للطبقة العاملة وتعتبر أن مدونة الشغل كانت تمرة مقاربة توافقية وتشاركية في إطار الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف واعتمدت التوازن بين مصالح أطراف الإنتاج .
لذا فإننا نطرح السؤال لماذا التراجع على هذه المرجعية التي أثبتت نجاعتها شكلا ومضمونا ؟
إن المطلوب من النظام السياسي هو خلق التوازن بين النظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي، وإذا كان هناك من انحياز فيجب أن يكون في اتجاه المسألة الاجتماعية وبناء الدولة الاجتماعية خاصة أمام حجم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية. فإذا كان البعض يعتبر أنه قد جاء دور مدونة الشغل، فإننا نؤكد على أن هذه المناورات لمحاولة فرض وتمرير تشريعات تمس حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة والحركة النقابية رفضناها بعدم التوقيع على اتفاق 26 أبريل 2019 ونجدد التأكيد على ضرورة تصحيح هذه المسار الخاطئ والعودة الى طاولة الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف، والعمل على خلق شروط إنجاحه للوصول إلى توافقات إيجابية بدل لقاءات الخطب والقرارات الجاهزة.
إننا ننبه الحكومة الى أي محاولة لاستغلال هذا اليوم الدراسي للمس بمدونة الشغل، والذي يجب أن يبقى في إطار حدوده العلمي وليس بديلا للتفاوض الثلاثي الأطراف. فدائما يوجد من يستغل الأزمات ويعتبرها فرصا ولو على حساب معاناة الأجراء والمواطنين بتمرير مخططات ومشاريع للمزيد من الاستفادات.
و ننبه إلى أن الاستمرار على هذا الأسلوب هو إعلان حرب مباشرة على الحركة النقابية وعلى الطبقة العاملة وسنواجهها بكل الأشكال النضالية.