مداخلة الرفيق عبد الله الحريف في الندوة الرقمية التي نظمتها جمعية “مناضلون بلا حدود” حول موضوع: النضال الديمقراطي في المغرب

مداخلة الرفيق عبد الله الحريف في الندوة الرقمية التي نظمتها جمعية “مناضلون بلا حدود” حول موضوع:  النضال الديمقراطي في المغرب

elharrif-ab-300x300 مداخلة الرفيق عبد الله الحريف في الندوة الرقمية التي نظمتها جمعية "مناضلون بلا حدود" حول موضوع:  النضال الديمقراطي في المغربمداخلة الرفيق عبد الله الحريف في الندوة القرمية التي نظمتها جمعية “مناضلون بلا حدود” حول موضوع: النضال الديمقراطي في المغرب

1.طبيعة المرحلة:
تتحدد طبيعة المرحلة التي تجتازها بلادنا بالتناقض الذي يجب حله: التناقض ما بين الامبريالية، وخاصة الفرنسية، والكتلة الطبقية السائدة المشكلة من البرجوازية التبعية وملاكي الأراضي الكبار والنظام المخزني من جهة، والطبقة العاملة وعموم الكادحين والبرجوازية الصغرى وجزء من البرجوازية المتوسطة من جهة ثانية. وهو ما يتطلب بناء جبهة الطبقات الشعبية.
إذن لا تحرر وطني حقيقي ولا ديمقراطية حقيقية في ظل استمرار هيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة والمخزن. فهذا الثالوث تتناقض مصالحه جوهريا مع الديمقراطية ومع تحرر البلاد من التبعية. إنه بحاجة ماسة للاستبداد أو الديمقراطية الشكلية أو انتقال ديمقراطي مراقب ومحدود يضمنه تحكمه في أدوات القمع( القوات الأمنية والعسكرية) والأدوات السياسية( دستور يشرعن الاستبداد ومشهد حزبي متحكم فيه وقوى معارضة حقيقية مقموعة أو مهمشة) لضمان نهبه لخيرات البلاد والاستغلال المكثف للطبقة العاملة والشغيلة بشكل عام. خاطئ من يعتقد أن الامبريالية قد تكون حليفا لانجاز انتقال الديمقراطي حقيقي أي في مصلحة الجماهير الشعبية.
قد يقال أن تحقيق الديمقراطية والتحرر الوطني قد يتم من خلال الانتخابات. فها هي القوى اليسارية في عدد من دول أمريكا اللاتينية تصل إلى الحكم من خلال الانتخابات.
والحال أن كل شعوب أمريكا اللاتينية- ما عدا كوبا التي تحررت من هيمنة الامبريالية-تعيش مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي وتواجه الامبريالية والأليغارشيا المكونة من ملاكي الأراضي الكبار والبرجوازية التبعية في أمريكا اللاتينة والامبريالية والكتلة الطبقية السائدة المكونة من ملاكي الأراضي الكبار والبرجوازية الكبرى التبعية والمخزن في النغرب. الاختلاف هو أن الأليغارشيا في حاجة إلى الديمقراطية اللبرالية لحل التناقضات بين مكوناتها. الشيء الذي جعل من الانتخابات رهانا حقيقيا استطاعت من خلاله عدد من قوى اليسار الوصول إلى الحكم. لكن محاولات انجازها مهام المرحلة قد باءت بالفشل لأنها، خلافا لكوبا، لم تقم بالقطع مع الامبريالية الامريكية والقضاء على الأليغارشيا. أما في المغرب، فلا وجود لديمقراطية ليبرالية حيث يحتكر النظام الملكي السلطة ويقوم المخزن بهندسة الخريطة السياسية والحزبية. مما يجعل من الانتخابات رهانا لا جدوى منه بالنسبة لقوى اليسار. ولذلك نعتقد أن الخطوة الأولى للسير نحو نظام ديمقراطي هو التخلص من المخزن.
2.النضال الديمقراطي:
تطور النضال الديمقراطي في المغرب، بشكل خاص في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، بعد أن تبين أن الانتفاضات الشعبية العنيفة التي هزت البلاد لم تؤد إلى التغيير المنشود، بل خلف قمعها الوحشي الاحباط. واستفاد هذا النضال من كون الامبريالية آنذاك لم تعد تدعم، بشكل مطلق، الانظمة الاستبدادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتصارها في الحرب الباردة. وقد انخرط أغلب المناضلين والمناضلات اليساريين في هذا النضال بقوة وحماس وعملوا على بناء وتطوير أدواته.
ويتميز النضال الديمقراطي بكونه سلميا ويتخد أشكالا تنطيمية متعددة: نقابات وجمعيات ولجان وظيفية محلية وإقليمية ووطنية وتنسيقيات وحركات وحراكات شعبية. كما يتميز، في الغالب، بطابعه الجماهيري. وتنوعت أشكال النضال الديمقراطي: إضرابات قطاعية ومحلية ووطنية ووقفات محلية ووطنية واعتصامات ومسيرات محلية وإقليمية ووطنية وإضرابات عن الطعام ومقاطعة بعض البضائع وغيرها من الاشكال النضالية. وكان هدف هذا النضال هو الاحتجاج على الاوضاع( الغلاء وتردي الخدمات الاجتماعية العمومية من تعليم وصحة والبطالة) والمطالبة بتحسينها أو الدفاع عن الحقوق والحريات أو التصدي للتراجع على مكتسبات سابقة( مراجعة تراجعية لقانون الشغل و”إصلاح” قانون التقاعد على حساب الشغيلة وتقنين العمل بالعقدة في الوظيفة العمومية…) أو التضامن مع المعتقلين السياسيين ومع نضالات الشعوب وفي مقدمتها شعوب العالم العربي وعلى رأسه الشعب الفلسطيني. وتقوى هذا النضال بتطور هام للحركة النسائية والحركة الامازيغية. وتميز هذا النضال أيضا بكونه لم يعد محصورا في المدن، بل عرفت العديد من القرى والمناطق المهمشة نضالات هامة( مسيرات شعبية حاشدة ضد العطش والتهميش…).
ويلعب اليسار المناضل والقوى الديمقراطية عموما دورا هاما في قيادة النضال الديمقراطي.
وشكلت حركة 20 فبراير تتويجا لهذا النضال وأرقى شكل عرفه لحد الآن. فهذه الحركة
استطاعت تعبئة جماهير شعبية واسعة في عشرات المدن والقرى حول شعار جامع: ضد الفساد والاستبداد ومن أجل الكرامة والحرية والديمقراطية مقدمة حلا لمشكل أساسي ظل النضال الديمقراطي يعاني منه وهو تشتت النضالات، مما يسهل استنزافها وصولا إلى قمعها وغياب أفق سياسي لها. مما يجعلها إما تفشل وحتى إن انتصرت، يكون انتصارها قابلا للتراجع لأنها لا تواجه أساس المشاكل التي تقاسي منها وهو الاستبداد والفساد.
رغم خفوتها، تركت حركة 20 فبراير بصماتها في وعي الجماهير الشعبية: تراجع الخوف واللجوء، في الغالب، للنضال في الشارع عوض الاستجداء والتعويل على الوعود الكاذبة، أهمية الوحدة والتغلب على التفرقة التي يتقنها النظام المخزني. وتعرفت عن من هم أصدقاؤها الموثوقون والمترددون ومن هم أعداؤها الشرسون والمتدبدبون. كما أبانت أن الصراع، الآن في بلادنا، ليس بين قوى لبرالية ويسارية ولا بين عرب وأمازيغ ولا بين حداثيين وأسلاميين. فاليسار والليبراليون والاسلاميون والحداثيون والعرب والامازيغ انقسموا بين مدافع ومنخرط في حركة 20 فبراير وبين مناهض لها. وأن الصراع هو بين القوى التي تدعم وتستفيد من الاستبداد والفساد( أي المخزن والقوى الموالية له) والقوى المناهضة لهما.
كما أن حركة 20 فبراير فتحت عهدا جديدا في منطقتنا يتميز بانطلاق سيرورات ثورية تعرف فترات من المد وأخرى من الجزر، موجات متتالية تطور خلالها الجماهير الشعبية وقواها المناضلة ممارستها للصراع ضد أعدائها. ومثل حراك الريف، بالخصوص، موجة جديدة من هذه السيرورة الثورية ظلت، للأسف، معزولة. مما سهل قمعها.
3.أسباب فشل النضال الديمقراطي وسبل تجاوزه:
إن دراسة أسباب فشل حركة 20 فبراير، كأرقى شكل من النضال الديمقراطي، في تحقيق التقدم في إنجاز مهام مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي مسألة في غاية الأهمية:
إن الاسباب متعددة لعل أهمها ما يلي:
-لم تقدم حلا جذريا للتشتت المكاني للنضال حيث ظلت تدعو إلى مسيرات في المدن والقرى ولم تقدم على تنظيم مسيرة وطنية تتوج باعتصام كما وقع في البلدان التي استطاعت تحقيق قطائع مع الأنظمة السابقة. كما حافظت على التشتت الزماني للحركة من خلال دعوتها لمسيرات في نهاية الاسبوع عوض مسيرات مسترسلة ومستمرة. وقد أدى ذلك إلى استنزاف الحركة ومكن النظام من استرجاع المبادرة.
-ظلت الطبقة العاملة، التي لعبت دورا حاسما في رحيل بن علي ومبارك، خارج الحركة بسبب تخادل البيروقراطيات النقابية وشراء النظام ل”سلم اجتماعي”.
والسبب العميق هو غياب قيادة حازمة ومبادرة لجبهة الطبقات الشعبية القادرة على قيادة مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي، قيادة تتوفر على استراتيجية واضحة تصرفها بواسطة تكتيكات ملائمة تؤطرها شعارات مناسبة وملموسة. هذه القيادة ليست معطى مسبق، بل ستفرزها سيرورة النضال من أجل أنجاز مختلف حلقات مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي. إنها، بالأحرى، قيادة ستكون نتيجة ومحصلة سيرورة بنااء جبهة الطبقات الشعبية.
إن بناء جبهة الطبقات الشعبية، رغم كونها ضرورة لا مفر منها لضمان تحقيق مهام التحرر الوطني و البناء الديمقراطي، ليست بالمهمة السهلة و لن تتم بشكل عفوي بل تتطلب مجهودات مضنية وكثيرا من الصبر و إيماانا راسخا بضرورتها و استعدادا لتحمل الانتكاسات و السعي إلى تجاوزها. كما أنها لن تبنى دفعة واحدة. إنها، بالأحرى، ستكون محصلة و تتويجا لمسار نضالي طويل و حوار واسع و جدي وسط المجتمع، وأيضا نقلة نوعية لجبهات تكتيكية تستهف جمع أكبر قوة جماهيرية ممكنة ضد أشرس عدو في فترة معينة.
ويشكل المخزن، وعلى رأسه المافيا المخزنية، ألد عدو لشعبنا في الفترة الحالية وأخطر عقبة أمام أي إمكانية لتحرره وتقدمه والحلقة الأضعف في الثالوث المشكل من الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة والمخزن. ولذلك يجب العمل على بناء أوسع جبهة من أجل عزله وإسقاطه. هذه الجبهة التي تضم كل المتضررين من هيمنة المافيا المخزنية، أيا كانت مواقعهم الطبقية ومرجعياتهم الأيديولوجية.
ونعني بالمافيا المخزنية أغلب كبار المسئولين الأمنيين والعسكريين والقضائيين والإداريين والسياسيين والدينيين وعدد من كبار رجال الأعمال والإعلام وكبار مقاولي “المجتمع المدني” الرسمي وبعض كبار المسئولين النقابيين وغيرهم… ممن لهم نفوذ وسلطة أو قرب منها. فهذه المافيا تستغل نفوذها لمراكمة الثروات وهي رأس رمح الفساد والاستبداد لان استمرارها ونموها مرتبط أشد الارتباط بالاستبداد الفساد.
إن بناء هذه الجبهة يتطلب:
أ.تأهيل القوى الديمقراطية لكي تلعب دورا وازنا في هذه الجبهة من خلال:
-المساهمة في بناء الجبهة الديمقراطية التي يشكل اليسار عمودها الفقري: الشيء الذي يتطلب توحيد اليسار المناضل، بشقيه الديمقراطي والجذري، على أساس برنامج للنضال من أجل التحرر الوطني و البناء الديمقراطي.
-بالنسبة للقوى الماركسية بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين.
ب.بناء الجبهة الميدانية:
هذه الجبهة الميدانية التي ستبنى بواسطة الربط الجدلي بين النضال المشترك في الساحة حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحوار العمومي بين كل القوى الحية السياسية، وخاصة بين القوى اليسارية والدينية المستقلة عن الدولة والخارج والتي تنبذ العنف لحل التناقضات وسط الشعب، والقوى الاجتماعية والمجتمعية حول ما هي الدولة المنشودة وما هي المبادئ الأساسية للمجتمع الجديد وما هي الشعارات المرحلية وأساليب النضال وأشكال التنظيم الملائمة.
إن بناء الجبهة الميدانية التي تضم كل القوى المناضلة وتشكل لبنة جبهة الطبقات الشعبية يستوجب:
-بلورة حل سديد للتناقضات وسط الشعب، وخاصة القضية الأمازيغية والقضية الدينية وقضية التعامل مع قوى الاسلام السياسي.
-العمل بدون كلل من أجل مساعدة الجماهير على بناء تنظيماتها الذاتية المستقلة التي تشكل سلاحها النضالي وتمكنها من التمرس على أخد شؤونها بيدها ومواجهة محاولات النظام تمييع واختراق المجتمع المدني المناضل.وفي هذا الاطار، تكتسي دمقرطة وتوحيد الحركة النقابية وخدمتها لمصالح الطبقة العاملة أهمية قصوى إذ لا يجب أن ننسى الدور الحاسم الذي لعبته في الثورة التونسية والمصرية. كما لا بد من تأهيل الحركة الطلابية من خلال إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كمنظمة لجميع الطلاب.
ج.التصدي لمحاولات النظام والقوى الملتفة حوله زرع اليأس والاستسلام لتأبيد الاستبداد والفساد.
ح.وضع برنامج للتغيير يتضمن، إضافة إلى المطالب السياسية، الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية المستعجلة لوقف الهجوم على أوضاع الجماهير وتحسين أوضاعها والنضال من أجل تحقيقه. هذا البرنامج الذي أصبح أكثر حيوية وملحاحية مع الانعكاسات الكارثية لتصاعد الاصابة بكوفيد-19.