التعليم العالي الخصوصي بالمغرب سياسة طبقية بامتياز

التعليم العالي الخصوصي بالمغرب سياسة طبقية بامتياز

التعليم العالي الخصوصي بالمغرب سياسة طبقية بامتياز

elwassouli التعليم العالي الخصوصي بالمغرب سياسة طبقية بامتياز
●• عبد الحق الوسولي

على غرار القطاعات الحيوية كالصحة والتشغيل والخدمات العمومية…، كان قطاع التعليم عموما وقطاع التعليم العالي خصوصا من بين القطاعات الاجتماعية المستهدفة بسياسة التقشف المملاة من طرف الدوائر المالية الامبريالية في بداية الثمانينات “سياسة التقويم الهيكلي”. إنّ بداية الخوصصة في المغرب تعود إلى سنة 1983، مما أدى إلى المشاركة المتزايدة للمؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في القرارات المتعلقة بالسياسات العمومية وكنتيجة لذلك انخفاض دور الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية الحيوية مثل التعليم والصحة. هذا وتتماشى الخوصصة بشكل جيد مع السياسات النيوليبرالية المتوحشة التي سادت خلال تلك الفترة والتي لا تزال سائدة حتى اليوم.

رغم الحاجة الماسة للتعليم في النهوض بالاقتصاد الوطني، باعتبار التعليم رافعة للتنمية، تعرض القطاع لهجوم ممنهج وتخريب مدمر من طرف أجهزة النظام الاستبدادي، سواء بالقمع المباشر للأطر التعليمية وللحركة الطلابية والتلاميذية أو بالارتجالية في السياسات المنتهجة في تسيير القطاع عبر ما يسمى ببرامج الإصلاحات الفاشلة وآخرها قانون الإطار والهندسة البيداغوجية الجديدة او ما سمي بنظام الباكلوريوس الذي يسعى إلى تكوين يد عاملة مهلة طيعة، تكون في خدمة الرأسمال الطفيلي والشركات المتعددة الجنسيات تماشيا مع التوجه النيولبيرلي المتوحش للنظام المخزني ببلادنا.

التخريب الممنهج للتعليم العالي العمومي وتشجيع الخوصصة

نتائج تدمير التعليم العالي العمومي، والسعي للمزيد من الخوصصة التي انطلقت بشكل تدريجي، ومتواتر منذ بداية الثمانينات نلاحظ فصولها الأخيرة حاليا والمتمثلة في الإصرار والتمادي في الخوصصة المفرطة للتعليم العالي بالمعاهد والجامعية المتخصصة وكليات الطب…

هذا في الوقت الذي كانت فيه نسبة التعليم الخاص العالي لا تشكل إلا نسبة ضئيلة جدا في عقدي الستينات والسبعينات، أصبح القطاع الخاص يشكل مكونا أساسيا بمنظومة التعليم العالي وفق آخر الإحصائيات الرسمية.

فعدد الطلبة بالتعليم العالي الخصوصي انتقل من 43 ألف و616 في الموسم الدراسي 2016-2017 إلى 57 ألف و222 برسم الموسم الدراسي 2020-2021. حسب إحصائيات الوزارة المعنية.

كما انتقل عدد الأساتذة “الدائمون” من 1962 في الموسم الدراسي 2016-2017 إلى 2562 برسم الموسم الدراسي 2020-2021.

وسجل ارتفاع مؤسسات التعليم العالي الخصوصي ارتفاعا ملحوظا بالنسبة للجامعات المحدثة في إطار الشراكة، حيث انتقلت من 27 جامعة في الموسم الدراسي 2016-2017 إلى 37 برسم الموسم الدراسي 2020-2021. وقد انتقل عدد الجامعات الخاصة من 22 جامعة في الموسم الدراسي 2016-2017 إلى 24 في الموسم الدراسي 2020-2021. وبالمقابل عرف عدد المؤسسات الخاصة تراجعا، فقد انتقلت من 150 في الموسم الدراسي 2016-2017 إلى 137 في الموسم الدراسي 2020-2021 نتيجة لوفرة وتنوع العرض لدى الجامات الخاصة وكذلك منح المعادلة للشهادات المحصل عنها من الجامعات الخاصة بالشهادات الممنوحة من طرف التعليم العالي الخصوصي.

إن الدولة لا تملك سيطرة تُذكر على قطاع التعليم العالي الخاص، حيث أنّ الرسوم الدراسية في المؤسسات الخاصة غير خاضعة للتنظيم ولا تتم مراقبتها على نحو منتظم. وما زاد الوضع سوءاً، هو وجود استثمارات في قطاع التعليم العالي الخاص من قبل أفراد منحدرين من جميع فئات الكتلة الطبقية السائدة المتحكمة في القرار الساسي والاقتصادي، ممّا قد يؤثر سلبا تجاه عملية ما سمي “بالإصلاح” التعليمي. كما أدّى الافتقار إلى إطار تنظيمي لمراقبة القطاع الخاص إلى زيادة مشاركة صناديق الاستثمار الأجنبية والجهات الفاعلة الدولية في نظام التعليم المغربي، وغالباً ما يكون ذلك لأغراض ربحية. بحيث أننا نجد مع الأسف الشديد أن التعليم أصبح سلعة لا يهم المستثمرون في التعليم العالي الخاص إلا الربح السريع إذ أن كل طالب يتابع دراسته في هذه المؤسسات فإنه يحصل على الشهادة بغض النظر عن مؤهلاته العلمية والمعرفية.

إنّ التعليم العالي الخاص الموجه إلى أبناء الطبقات الميسورة أدى إلى نظام تعليمي متوازي متعدد السرعات بحيث يختبر الطلاب من خلاله قيماً مختلفة ويعيشون في “مغرب” مختلف ويسلكون مسارات مختلفة قد لا تتقاطع أبداً، ونتيجة لذلك، يتفاقم الظُلم والإقصاء الاجتماعي، ولم يعُد يعتبر التعليم حقّاً ومصلحة عامة يجب الحفاظ عليها وإنّما أقرب إلى سلعة تخضع للعرض والطلب مما عمق الفوارق الطبقية والأخطر من ذلك أنه أنتج وأجج الحقد الاجتماعي بين فئات المجتمع.

مخاطر خوصصة التعليم العالي

إن خوصصة وتسليع التعليم في المغرب أصبحت جزءاً أساسياً من النظام الاقتصادي – السياسي الريعي هدفه تقسيم المجتمع إلى قسمين: الأول يتكوّن من الفقراء والمهمشين الذين يدخلون إلى مدارس رسمية غير مدعومة وغير مؤهلة لتنتج تعليما جيّدا يعتمد التفكير العلمي والتحليل النقدي ومتسلحا بالعلم وقادرا على الابتكار وطرح السؤال، أما الثاني فيتكوّن من الأغنياء الذين يدرسون في مدارس وجامعات خاصّة، حيث يتم إدماج جزء منهم في النظام السائد وبالتالي يصبحون منظرين له والباقي يتم “تدريبهم” على فكرة الهجرة، لمنع تشكيلهم لأي تهديد على مصالح الطبقة الحاكمة.

إن التشجيع على الخوصصة زيادة على الأزمة المركبة التي تعاني منها الجامعة سيؤدي إلى تخلي الجامعة عن أدوارها الريادية وتصبح مؤسسة للتكوين المهني بدل أن تكون مؤسسة ذات مهام تربوية وعلمية وسياسية واقتصادية متعددة… يتمثل بعضها في تكوين وتأهيل العنصر/ الرأسمال البشري علميا ومهنيا وفكريا وسياسيا، رافده بذلك مختلف القطاعات الإنتاجية والمجالات المتعددة في المجتمع بما تحتاجه من قوى بشرية مؤهلة للإسهام في مشاريع التنمية الاجتماعية الشاملة.

إن خوصصة التعليم العالي بالإضافة إلى غياب علاقة ممنهجة وثيقة وهادفة بين (سلطة المعرفة) المفترضة في (خطاب) البحث العلمي، وبين سلطة السياسة والاقتصاد القائمة في المؤسسات الحكومية ومراكز النفوذ والمال في المجتمع، يفقد البحث العلمي، الذي يفترض أن تكون مؤسسات التعليم العالي والجامعي معقلا له، دوره التنموي والتحديثي الريادي، ووظيفته التوجيهية في عقلنة القرار السياسي والاجتماعي وفي ترشيد الممارسة الفكرية والاجتماعية بشكل عام. وفي هذا الإطار أيضا من القطيعة أو الطلاق بين ما يمكن تسميته بـ “القرار العلمي” و”القرار السياسي والاجتماعي” تتدهور مكانة البحث العلمي وتتراجع مجموعة هامة من الشروط المادية والمعنوية المتعددة التي يتطلبها دعم هذا البحث وإنماؤه والارتقاء به مؤسسيا واجتماعيا، وأطرا باحثة: من طلبة وأساتذة باحثين…