في قضية بناء حزب الطبقة العاملة المستقل وجبهة الطبقات الشعبية

في قضية بناء حزب الطبقة العاملة المستقل وجبهة الطبقات الشعبية

annahj-1 في قضية بناء حزب الطبقة العاملة المستقل وجبهة الطبقات الشعبية


في قضية بناء حزب الطبقة العاملة المستقل وجبهة الطبقات الشعبية

استطاعت القوى المضادة للثورة في العالم العربي والمغاربي اجهاض السيرورات الثورية في منطقتنا مؤقتا. لكنها، في نفس الوقت ومن خلال تعميق الاستبداد والاستغلال المكثف المباشر للطبقة العاملة، والغير مباشر لباقي الكادحين وتفقير الأغلبية الساحقة من الطبقات الوسطى وتصعيد تدمير البيئة الملازمين للرأسمالية في مرحلة تعفنها والضروريين لإعادة انتاج الطبقات السائدة التبعية والريعية، تخلق الشروط الموضوعية لموجات جديدة من هذه السيرورات تتميز بانخراط كل الطبقات الشعبية فيها، موجات تستفيد من دروس الموجات السابقة.

ولعل أهم سبب للمآل الحالي للسيرورات الثورية يتمثل في كون الطبقة العاملة وحلفائها الموثوقين (الفلاحون المعدمون والفقراء وكادحو الأحياء الشعبية) لم يلعبوا دورا قياديا في هذه السيرورات بسبب افتقاد الطبقة العاملة لحزبها المستقل عن البرجوازية أو ضعفه وغياب أو ضعف جبهة الطبقات الشعبية. الشيء الذي مكن الامبريالية والطبقات السائدة العميلة لها من اجهاض هذه الموجات من السيرورات الثورية.

أما في المغرب، فإنه، إضافة لما سبق، طرحت المقاطعة العارمة لانتخابات 8 شتنبر 2021 بإلحاح مسألة التغيير لصالح الشعب. مما يتطلب السير قدما نحو الاعلان عن تأسيس الحزب المستقل للطبقة العاملة وتكثيف الجهود من أجل بناء جبهة الطبقات الشعبية.

وتعترض إنجاز هاتين المهمتين التاريخيتين عراقيل عدة:

– تشتت وضعف القوى الماركسية والثورية.

– تشتت وضعف اليسار الاصلاحي ونظرته الاقصائية وتركيزه على الانتخابات كوسيلة أساسية للتغيير.

– لكن لعل الأخطر هي التصورات الخاطئة لإستراتيجية وتكتيكات التغيير ولطبيعة حزب الطبقة العاملة ولبناء جبهة الطبقات الشعبية.

هناك وسط القوى الماركسية من لا زال يستنسخ، على مستوى الاستراتيجية، تجربة البلاشفة أو تجربة الحزب الشيوعي الصيني ويحتقر التكتيك ويبخس امكانيات العمل العلني والقانوني وينظر إلى الحزب المستقل للطبقة العاملة كحزب للمحترفين الثوريين بينما طبيعة الحزب، هل حزب المحترفين الثوريين أو حزب جماهيري، فيحددها الواقع الملموس للصراع الطبقي، أي مدى خدمة هذا الشكل أو ذاك أو مزيج بينهما للأهداف الثورية في فترة معينة. إن التغيرات التي طرأت على مجتمعنا (تراجع كبير لنسبة السكان في البادية وتضخم الحواضر وتهميش مناطق كثيرة) يؤشر على أن التغيير سيكون من خلال تلاقي نضال العمال (الإضراب العام) وكادحي الأحياء الشعبية في المدن (انتفاضات) ونضال البوادي ضد التهميش. مما يتطلب بناء اللجان العمالية في المعامل والضيعات واللجان الشعبية في الأحياء الشعبية والبوادي. هته اللجان التي تبنى، ليس بشكل فوقي وقبلي من طرف قوى سياسية أو اجتماعية أو غيرها، بل في أتون المعارك التي تخوضها الطبقات الشعبية.

في المقابل، هناك من تأثر بالعمل في المجتمع المدني وبالفكر الحقوقي إلى حد أنه اصبح يقدس النضال الجماهيري الذي نقدر أهميته الكبيرة، خاصة النضال النقابي باعتباره المدرسة الأولى للصراع الطبقي للعمال والشغيلة بشكل عام. لكن لا يجب اختزال النضال الجماهيري في العمل في منظمات جماهيرية متقلصة العدد والاعتقاد أن هذا النضال سيتحول، بقدرة قادر، إلى نضال ثوري. ونتيجة هذا الفكر هو السعي إلى بناء حزب جماهيري فضفاض، عوض حزب يستمد جماهيريته من خلال استقطاب طلائع العمال والكادحين الذين تلتف حولهم جموع العمال والفلاحين الفقراء والمعدمين وكادحي الأحياء الشعبية، حزب يراهن، ضمنيا، على أن التغيير سيتم من خلال التراكم وسط المنظمات الجماهيرية، متناسيا أن النظام والقوى الاصلاحية تقف سدا منيعا ضد أي اختراق حاسم للقوى الثورية الماركسية لهذه المنظمات (وتجربة أمريكا اللاتينية التي تلجأ الألغارشيا إلى التصفية الجسدية للمناضلين الطليعيين في المنظمات الجماهيرية واضح في هذا الصدد)، بينما يبين الواقع أن التغيير يتم من خلال قطائع فجائية مرتبطة بتطور نوعي للنضال الشعبي (المفهوم اللينيني للوضع الثوري). إن دور الحزب يتمثل في رفع الشعار الملائم والتوفر على حد أدنى من الجاهزية، أي حزب يضم جزءا هاما من طلائع العمال والكادحين والقادر ليس فقط على إتخاذ القرارات المناسبة بل، أيضا وأساسا، على تصريفها على نطاق واسع، مما يتطلب الانضباط والوحدة في الممارسة. إنه حزب يشكل هيأة أركان الطبقة العاملة ويرتكز إلى المركزية-الديمقراطية التي تعني، من بين ما تعني، الديمقراطية الداخلية التي تستوجب انضاج المواقف الأساسية بواسطة نقاش واسع وعميق والالتزام الحديدي بالقرارات المتخذة بشكل ديمقراطي.

إن بناء جبهة الطبقات الشعبية والجبهات التكتيكية لن يكون نتيجة رغبة ذاتية لهذه القوة السياسية أو الاجتماعية أو تلك أو تحالف فوقي قبلي بين قوى سياسية واجتماعية، بل يتوقف على قدرة قوى سياسية واجتماعية على الاستجابة، في ظرف معين، لمتطلبات توحيد الحركة النضالية للجماهير الشعبية من أجل التغيير الديمقراطي التحرري من خلال بلورة الشعار الملائم والشكل التنظيمي المناسب والأساليب النضالية الفعالة. غير أن ما سبق لا ينفي ضرورة القيام بتجارب للعمل الوحدوي والجبهوي بين القوى المناضلة لأن دروس هذه التجارب هي التي من شأنها فرز القوى القادرة على الإجابة السديدة على متطلبات بناء جبهة الطبقات الشعبية المنشودة. كما يصعب بناء جبهة الطبقات الشعبية في غياب أجوبة سديدة لقضايا الهوية التي، غالبا، ما تستعملها الأنظمة السائدة والإمبريالية لزرع التفرقة وسط الشعب الواحد.

ويكتسي بناء أو الانخراط في التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير، وخاصة العمالية والكادحة عموما، أهمية قصوى في توفير شروط بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين وجبهة الطبقات الشعبية. وقد أبدعت الجماهير الشعبية أنواعا متعددة من التنظيمات (حراكات وتنسيقيات ولجان ومجالس…).

وفي معمعان النضال الذي تخوضه هذه التنظيمات، تبرز طلائع العمال والكادحين الذي ينخرط جزء منها في الحزب المستقل للطبقة العاملة وتبنى الأسس الصلبة لجبهة الطبقات الشعبية من خلال تقوية العلاقة بين مناضلي ومناضلات مختلف الطبقات الشعبية.