كلمة الرفيق الطاهر الدريدي في ذكرى الشهداء

كلمة الرفيق الطاهر الدريدي في ذكرى الشهداء

تحية نضالية للجميع؛

المجد والخلود لشهداء الحركة الماركسية اللينينية المغربية ولشهداء الحركة التقدمية المغربية ولعموم شهداء الشعب المغربي.

تحية لعائلة الشهيد مصطفى بلهواري، رفيق الشهيد بوبكر الدريدي، في النضال وفي الشهادة.

تحية للرفاق في الكتابة الوطنية للنهج الديمقراطي ولكافة الرفاق في النهج الديمقراطي على هذا الإصرار المتواصل لإحياء ذكرى شهداء الشعب المغربي، وتحية كذلك على اختيار هذا العنوان لإحياء هذه الذكرى الذي هو “الحقيقة الكاملة ومحاكمة الجناة في ملفات الشهداء والمختطفين جزء من نضال شعبنا من أجل التغيير الحقيقي” هذا الشعار الذي يحمل تصورا للتغيير الحقيقي ويؤكد على مواصلة هذا النضال في مواجهة تصور آخر، نقيض، يعمل جاهدا للتطبيل والترويج لمعزوفة “الإنصاف والمصالحة وإصلاح المخزن”.

الشهيدين الدريدي وبلهواري اللذين استشهدا في صيف سنة 1984 اعتقلا ضمن مجموعة مراكش في نفس السنة (مجموعة مراكش 1984) وجاء اعتقالها كما يعلم الجميع في إطار هجمة مخزنية متواصلة كان هدفها تصفية اليسار، وابتدأت منذ أواسط ستينات القرن الماضي وامتدت طيلة عقدي السبعينات والتمانينات وما بعد ذلك، لتصفية اليسار، كما ذكرت، ومشروعه التحرري الهادف لبناء مجتمع الكرامة والحرية والديمقراطية على طريق الاشتراكية.

فاعتقال مجموعة مراكش 1984 وضمنها الشهيدين، كما يعرف الجميع، أظهر العداء الذي يكنه النظام للحركة التقدمية والتحررية واليسار بشكل عام ببلادنا، وفي هذا الإطار حوكم الشهيدين بتهمة “المؤامرة” الغاية منها قلب النظام، لكون هذا الأخير، أي النظام، كان ولا يزال مهووسا بالتسويق “لشعبيته” و”لشرعيته” الزائفة والمفقودة؛ وبالتالي فحركة التغيير الشعبي والمناضلين الجدريين هم بالنسبة للنظام مجرد متآمرون ضده، وبالتالي حوكم الشهيدين بلهواري والدريدي بالمؤامرة ونال الرفيق بلهواري 10 سنوات سجنا والرفيق الدريدي خمس سنوات سجنا ضمن مجموعة مراكش التي تراوحت الأحكام في حق باقي أفرادها من سنة إلى 15 سنة سجنا نافدا؛ أحكام كشفت حقد النظام وحربه التي كان يشنها ولا يزال ضد المناضلين اليساريين والحركة اليسارية بشكل عام؛ والكل يتذكر خطاب الحسن الثاني، الشهير، غداة انتفاضة يناير 1984 وكيف هجم على اليسار بشكل عام مسوقا لكون انتفاضة الشعب، ليست سوى مؤامرة من تدبير اليساريين وكون المسؤول عنها هي منظمة إلى الأمام؛ كما لا بد أن يتذكر الجميع تلك الوقاحة التي خاطب بها الحسن الثاني الشعب المغربي، والسب والقدف الذي أطلقه في حق الجماهير في الريف وفي مدينة مراكش.

وهذا الوضوح الذي أتحدث به ضروري، فالكل يعرف الجهات التي تسوق وتطبل لما يسمى بالمصالحة وما يسمى طي صفحة الماضي وما يسمى إصلاح النظام، في الوقت الذي يتعدر، بل يستحيل تغيير طبيعته الدكتاتورية التي لا يمكن أن تكون إلا كذلك، لربطه لكيانه ومصالحه بالإمبريالية وبالصهيونية التي انكشفت حاليا جميع الأوراق حول ارتمائه في أحضانها.

في السجن وبعد المحاكمة، حاول النظام أن يكسر عزيمة مناضلي مجموعة مراكش، رفاق الشهيدين، خاصة بعد انتفاضتهم على الظروف القاسية التي كان النظام يعمل على فرضها ضدهم، واستمرارهم في مواجهة الجبروت وواقع الاعتقال والقمع المخزني؛ حيث كان شعارهم داخل السجن هو “لا للولاء”، الشعار الذي كان يردده الشهيد مصطفى بلهواري وتم رفعه خلال المحاكمة (لا للولاء تم لا للولاء للنظام المخزني).

لقد حاول النظام بجميع الوسائل تكسير شوكة مقاومة مجموعة مراكش 1984، فتم تفريق أفراد المجموعة على ثلاثة سجون، بمراكش وآسفي والصويرة، لمحاولة كسر الإضراب اللامحدود عن الطعام الذي تخوضه وانطلق يوم 04 يوليوز 1984 واستمر لمدة 62 يوما، والذي تمت مواجهة المضربين خلاله بوحشية وبأفظع أشكال القمع من ضرب وتنكيل وكاشو… إلى غير ذلك؛ واستشهد إثر هذه الممارسات الرفيق بوبكر الدريدي في 28 غشت 1984 بالصويرة واستشهد يوما بعده الرفيق مصطفى بلهواري أي يوم 29 غشت 1984 بآسفي.

خلال هذه المرحلة حاولت عائلات مجموعة مراكش، وبكل حرقة وخوف على حياة المضربين، التعريف بما يتعرضون له وبقضيتهم، لكن كان هناك صمت إعلامي خطير وتواطؤ بعض القوى مع الأسف، التي صمتت هي الأخرى عن ما يرتكبه النظام في حق رفاق الشهيدين، الدريدي وبلهواري، والحرب الشرسة التي كان يتعرض لها المعتقلون السياسيون آنذاك. حاولت كذلك عائلات المعتقلين السياسيين الدخول في أشكال نضالية تضامنية وحاول مجموعة من المعتقلين السياسيين الذين كانوا بالسجن المركزي وكذلك بسجن لعلو الدخول في إضرابات عن الطعام، تضامنية لمساندة رفاقهم المضربين في مراكش وآسفي والصويرة، لكن وقع ما وقع واستمر المخزن في تعنته إلى أن سقط الشهيدان على التوالي في 28 غشت تم 29 غشت 1984، وأصيب أغلب رفاقهم الذين كانوا يخوضون الإضراب عن الطعام إلى جانبهم، وسقط أغلبهم في غيبوبة….إلخ.

هذا في ما يتعلق بالسياق والإطار العام الذي استشهد فيهما الرفيقين بلهواري والدريدي والقمع الذي ووجها به و ووجهت به عائلاتهم و ووجهت به الحركة التضامنية معهم إلى أن اغتالهما النظام.

المسألة الثانية هي ما هو مطروح الآن، وحتى لا تتكرر تلك الجرائم، فأظن أن شعار الندوة شعار واضح، وهو يهدف رسم المسافة الواجبة تجاه الوهم الذي يتم الترويج له، ألا هو وهم المصالحة ووهم إصلاح المخزن من الداخل وهلم جرا؛ ذلك أن أي تغيير حقيقي وأي طي لهذه الصفحة المؤلمة، لا يمكن أن يتم إلا على قاعدة الإستجابة لمجموعة من الاشتراطات التي ترفعها الحركة الحقوقية والحركة اليسارية، وأساسها وضع حد للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي رجعت بقوة وأصبحت تعاش بشكل يومي على كل المستويات، من خلال خنف الحريات الديمقراطية والتضييق على المعارضة بشكل عام. أما مقدمة ذلك فهو اعتراف الدولة بكافة جرائمها واعتذارها عن تلك الجرائم ومحاكمة الجلادين المسؤولين عنها والذين هم معروفون ومعروف تاريخهم، ثم وضع الضمانات القانونية والتشريعية لضمان الحريات وضمان حقوق الإنسان حتى لا يتكرر هذا؛ ودون ذلك ليتأكد الجميع أن الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان سوف تستمر، وها هي مستمرة الآن خاصة بعد ارتماء النظام علنا في أحضان الحركة الصهيونية وإطلاق العنان لتغوله.

لذلك، وبكل وضوح، فلننتظر ولتنتظر الحركة التقديمية ولينتظر الشعب المغربي عودة هذه الانتهاكات وبشكل أبشع، ذلك أنه تابت بالملموس استحالة أن يصلح النظام ذاته أو أن يتغير في جوهره، وبالتالي ليستمر نضال الحركة الديمقراطية والتقدمية والتورية من أجل الحقيقة الكاملة، من أجل محاكمة الجناة، الجلادين، ومن أجل بناء مجتمع الديمقراطية والحرية على طريق الاشتراكية التي ناضل في سبيلها الشهيدين الدريدي وبلهواري وكافة شهداء الحركة التقدمية في بلادنا.

وشكرا.

الدريدي الطاهر