واقع النساء الكادحات
واقع النساء الكادحات
■ نعيمة الشبلي
للسنة الثانية على التوالي، يحل فاتح ماي ولسان حال العمال والكادحين المقهورين يقول “بأي حال عدت يا عيد” ولا نرى في الوضع تجديد. للسنة الثانية تستمر حالة الطوارئ الصحية، والحجر الصحي”المفرج” ومنع التنقل الليلي، بذريعة الحد من انتشار وباء كوفيد 19، ليجد المواطنون الكادحون والكادحات انفسهم/ن بين فكي الرحى، إما التجويع والتشريد أو الغرامة والاعتقال، ويتمادى التعسف والقهر والشطط على امتداد الخريطة ضد الكادحين/ات في سعيهم لتوفير دخل يومي يغطي نفقاتهم الأسرية. وتعاني النساء الكادحات في ظل هذا الحصار الأمرين، مرارة اجترار تاريخ من التفقير والتجهيل والتمييز ومرارة وضع فرضته السلطات المخزنية في سوء تدبيرها لإجراءات الطوارئ الصحية.
فأول ما يميز وضع النساء الكادحات هو ارتفاع نسبة الأمية وسطهن (الأمية الهجائية والقانونية والمهنية…)، وتعرضهن للتمييز والإقصاء من فرص العمل وولوج سوق الشغل القار والمهيكل، والاستفادة من الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم والسكن اللائق… وإن كان ببعض التفاوت بين المدن والقرى وبين المركز والهوامش. وضع يرمي بهن في أحضان الفقر والحرمان، ويجعلهن لقمة سائغة للمستغلين، فيشتغلن بأجور هزيلة أو بدون اجر كما هو حال الكادحات القرويات والعاملات في ورشات العائلة مقابل الإطعام والنوم. سياسة التفقير والتهميش الممارسة في حق الشعب عامة ونسائه خاصة، ولعقود من الزمن، جعلت الغالبية العظمى من النساء يشتغلن في القطاع غير المهيكل بجميع أنواع مهن الفقر والحاجة، وبشروط لا إنسانية وظروف اقرب ما تكون للعبودية، وابعد ما تكون عن ابسط مستويات العيش الكريم. وفي ظل استمرار جائحة كورونا واستغلال النظام المخزني لها لشد الخناق على عموم الشعب، نجد النساء الكادحات يمنعن من ممارسة أعمالهن على هشاشتها وضعف مردودها، و تغلق أمامهن منافذ السعي للقوت اليومي تحت وطأة الحصار بمبرر الطوارئ الصحية. الآلاف من النساء الكادحات صامدات في وجه العنف والمعاناة في غياب تام للإجراءات و الآليات التي من المفروض آن تعتمدها الدولة للحد من تفاقم الوضع واستمرار مسلسل الفقر والقهر وهدر كرامة النساء.
هذه القاعدة الشعبية من النساء ستتسع وتتعمق أزماتها وهي تستقبل الأعداد الغفيرة من العاملات ضحايا الاستغلال البشع للباطرونا المتوحشة، والطرد التعسفي والتسريحات الجماعية لآلاف العاملات من مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية، تحت مرأى و مسمع السلطات المخزنية وبمباركتها. وهذه خطوة أخرى في مخطط النظام المخزني للدفع بالجماهير الشعبية عموما والنساء خصوصا إلى ما دون الفقر و الفاقة عكس ما يروج له الخطاب الرسمي. إن الأوضاع المزرية التي تعيشها الكادحات هي نتيجة حتمية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية اللاشعبية التي انتهجتها الدولة في تدبير شؤون الشعب، والقوانين الرجعية التي تمررها لمزيد من تكريس الهشاشة والتفقير والتهميش والإجهاز على المكتسبات والحقوق. هي أوضاع تجعل من هذه الفئة من النساء عرضة للاستغلال والابتزاز، فهي مرة مجرد خزان هائل يستغله المخزن لإضفاء الشرعية والمصداقية على مسرحياته الانتخابية، ومرة أخرى هن وجوه و أصوات تردد الولاء والتأييد في مناسبات يراد لها أن تكون جماهيرية شعبية، ومرة ثالثة يستغل فقرهن وتمرغ كرامتهن من اجل تصوير حملة احسانية بتوزيع ما يسمى بقفة رمضان. و لمزيد من الاهانة والإذلال، يكون الموزع هذه المرة (كما تداولت ذلك وسائل التواصل الاجتماعي) الطرف الثاني من التطبيع الخياني لترسيخ اختيار التطبيع المشؤوم وشراء ذمم الفقراء وجعل الناس يستسيغونه تحت شعارات التسامح والتكافل و… الفارغة من مضامينها الإنسانية، وفي هضم شامل للحق في الثروة ومطلب توزيعها العادل.
وهم الإصلاحات الاقتصادية والتدابير التنموية، وسياسات محاربة الفقر، كلها تتلاشى وتكشف عن فشلها قبل وبعد تنفيذها. وآن الأوان لتعي النساء الكادحات أن الحق في العيش الكريم ينتزع ولا يمنح، ولا يتحقق إلا باتحادهن مع جميع فئات الشعب المقهورة. ومن هنا الدعوة إلى انخراط النساء في النضال من اجل تحسين شروط عيشهن والنهوض بأوضاعهن، سواء كن عاملات او فلاحات او كادحات و الالتفاف حول حزبهن المستقل، حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحات والكادحين الذي سيعبر عنهن ويدافع عن مصالحهن ويقود نضالهن نحو التغيير الثوري.