القرار 2803… بين الحماية والوصاية: سباق فلسطيني لتحديد المسار قبل أن يُفرَض عليهم
القرار 2803… بين الحماية والوصاية: سباق فلسطيني لتحديد المسار قبل أن يُفرَض عليهم
وسام زغبر
كاتب صحفي وعضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين
يدخل القرار 2803 إلى المشهد الفلسطيني في لحظة شديدة التعقيد، حيث تتداخل المأساة الإنسانية في قطاع غزة مع الحسابات السياسية والأمنية الإقليمية والدولية. في هذا السياق بات التعامل الفلسطيني مع القرار محكوماً بواقعية سياسية تحاول تفكيك مضامينه وتحديد مكامن الخطورة فيه، من دون رفض مطلق أو تأييد غير مشروط، وبهدف حماية حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ومنع تحويل القطاع إلى ساحة وصاية دولية.
أولاً: إدارة القطاع… صون حق تقرير المصير
تعطي المقاربة الفلسطينية الواقعية أولوية لإدارة مدنية من أبناء غزة وأصحاب الكفاءة، بالتنسيق مع المؤسسات الرسمية الفلسطينية، بما يضمن وحدة الضفة والقطاع ككيان جغرافي وسياسي واحد ويمنع ترسيخ الانفصال. وترى أن أي إدارة تُفرَض من الخارج ستفتح الباب لإعادة إنتاج الوصاية بأشكال جديدة.
ثانياً: قوات الاستقرار الدولية… حماية لا هيمنة
لا يُرفض وجود قوة دولية من حيث المبدأ، لكن وظيفتها يجب أن تقتصر على حماية المدنيين من الاعتداءات، وتأمين المعابر، والانتشار على خطوط 1967. أما الأمن الداخلي فيبقى مسؤولية جهاز شرطة محلي يديره جسم فلسطيني موحد، بما يمنع تحويل القوة الدولية إلى سلطة أمر واقع.
ثالثاً: سلاح المقاومة… ملف سياسي قبل أن يكون أمنياً
البند المتعلق بـ«التخلي عن السلاح» أثار حساسيات واسعة. المقاربة الفلسطينية الوطنية ترى أن السلاح مرتبط بواقع الاحتلال، وأنه ملف سياسي يُناقَش ضمن ترتيبات تضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، ولا يجوز ربطه بملفات إنسانية ملحّة كالانسحاب أو الإعمار، تجنباً لتحويله إلى أداة ضغط أو ابتزاز.
رابعاً: المسار السياسي… الدولة هي الإطار الناظم
يفقد أي نقاش حول مستقبل غزة معناه إذا لم يُربَط بإنجاز الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس. من دون هذا الإطار، قد يتحول القرار إلى تسوية تقنية أو مؤقتة تُعمّق الفصل الجغرافي والسياسي.
خامساً: “الوجود الإسرائيلي”… خطر «القوس الأمني»
الحديث عن نشر قوات إسرائيلية خلف قوات الاستقرار الدولية يُعدّ من أخطر بنود القرار، لأنه يكرّس تموضعاً أمنياً دائماً بغطاء دولي. لذلك يشكّل الانسحاب الإسرائيلي الكامل وغير المشروط قاعدة لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات مستقبلية.
سادساً: مواقف القوى الفلسطينية… تباين يعكس عمق الأزمة
توزعت المواقف الفلسطينية تجاه القرار 2803 على نحو يُظهر غياب رؤية موحدة:
▪️حركة حماس: لم ترفض القرار بالكامل، لكنها رفضت الوصاية الدولية وبند السلاح.
▪️الجبهة الديمقراطية: قدّمت مقاربة وسطية واقعية، دعت للتعامل مع القرار بما يحدّ من سلبياته ويعظّم إيجابياته، ويضمن إدارة مدنية محلية ويمنع دوراً شرطياً للقوة الدولية، والتأكيد أن ملف السلاح سياسي تفاوضي.
▪️حركة فتح: رحبت بالقرار ورأت فيه خطوة نحو فتح أفق سياسي جديد لشعبنا، وأنه يشكل فرصة مهمة للبناء عليها لفتح الطريق أمام مستقبل أفضل لشعبنا
▪️الجبهة الشعبية: رفضت القرار ودعت لإعادته إلى مجلس الأمن لتعديله.
▪️الجهاد الإسلامي: رفضٌ واضح ومباشر.
▪️السلطة الفلسطينية: رحّبت بالقرار وأبدت استعدادها لتنفيذه بما في ذلك ملف السلاح.
هذا التباين يعكس غياب استراتيجية وطنية جامعة، ويُبرز الحاجة إلى توافق فلسطيني يمنع فرض ترتيبات خارجية من دون شراكة حقيقية.
إلى أين يتجه القرار؟
لا تزال مسارات القرار مفتوحة على احتمالات عدة، ستتأثر بعدد من العوامل الحاسمة:
▪️دور مجلس السلام الدولي الجديد، الذي قد يحدّ من انفراد واشنطن بالملف.
▪️تشكيل قوة استقرار دولية تضم دولاً عربية وإسلامية، ما قد يخلق هوامش لصالح الفلسطينيين في الملفات الحساسة.
▪️بناء أجهزة أمن محلية في غزة من أبناء القطاع والضفة، بما يعيد الثقة المجتمعية.
▪️تنظيم الجهد الشعبي والمؤسسات المحلية لمنع الفراغ وتحصين المجتمع أمام أي ترتيبات مفروضة.
خلاصة
القرار 2803 ليس انتصاراً ولا هزيمة، بل ساحة صراع جديدة. نجاح الفلسطينيين في فرض إدارة محلية، وحماية حقهم في تقرير المصير، ومنع الوصاية الدولية والأمنية، قد يحوّل القرار إلى فرصة. أما ترك المسار للقوى الكبرى وحدها، فسيقود إلى نتائج تُفرَض على الفلسطينيين بدلاً من التفاوض عليها.
المعركة الحقيقية ليست حول نص القرار فقط، بل حول مَن يمتلك القدرة على توجيه مساره في الأشهر المقبلة.

