كلمة نهلة موهاج باسم أبناء شهداء تازمامارت (جمعية ضحايا تازممارت) خلال وقفة الحقيقة

كلمة السيدة نهلة موهاج (كريمة الشهيد موهاج علال أحد ضحايا معتقل تازممارت الرهيب) خلال وقفة الحقيقة التي نظمتها عائلات المختطفين مجهولي المصير وضحايا الاختفاء القسري بالمغرب يوم الأحد 13 يوليوز 2025 بالدار البيضاء.
في إطار الوقفات الاحتجاجية الدورية المعتادة على رأس كل شهرين، من أجل الحقيقة كل الحقيقة، الإنصاف، الذاكرة وعدم الإفلات من العقاب حتى لا يتكرر ما جرى وما يجري من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب.
أيها الحضور الكريم،
أيها المناضلون الشرفاء
أيتها الأسر الصامدة،
أيتها الضمائر الحية،
أبناء هذا الوطن الجريح،
نقف اليوم، نحن عائلات ضحايا الاختفاء القسري ومجهولي المصير، أبناء شهداء تازمامارت وقفة كرامة وذاكرة،
نقف لا لنُحيي ذكرى فقط، بل لنُطالب بالحقيقة، بالعدالة، بالإنصاف، ولنقول بصوتٍ عالٍ:
لا للحلول الجزئية وضد التهميش والتماطل الذي طال الملف المطلبي
كفى من الصمت، كفى من التواطؤ مع النسيان.
تازمامارت ليس مجرد مكان، بل هو شاهد على جريمة ممنهجة، طالت عشرات الرجال الذين دفنوا أحياء، دون محاكمة عادلة، دون اسم، دون قبر معروف، ودون أن تُسلّم جثامينهم لعائلاتهم. من نجا منهم خرج بعاهات جسدية ونفسية لا تندمل، ومن قضى نحبه بقيت ذكراه عالقة في قلوبنا.
أيها المدافعون عن الكرامة والعدالة،
جميع الهيئات الحقوقية والسياسة والمدنية
وسائل الإعلام الحرة والنزيهة مشكورة
من حقنا أن نعرف الحقيقة الكاملة. من حقنا أن نعرف من أمر، من نفذ، من تستر، ومن سكت. من حقنا أن نسترجع رفات آبائنا وأحبابنا، أن نمنحهم قبورًا باسمهم، أن ندفنهم بكرامة.
من حقنا، كعائلات، أن نحصل على جبر حقيقي للضرر، بل اعتراف رسمي ومسؤولية كاملة.
نحن، لجنة تنسيق عائلات ضحايا الاختفاء القسري ومجهولي المصير، نُجدد مطالبنا بما ينص عليه الدستور، وما التزمت به الدولة في الاتفاقيات الدولية:
✅ الحق في معرفة الحقيقة الكاملة حول مصير كل ضحية اختفاء قسري.
✅ تحديد هوية القبور المجهولة، وتسليم الرفات للعائلات، مرفوقة بشهادات وفاة حقيقية.
✅ بالمعتقل السري الرهيب تازمامرت كانوا 58 مختطفا توفوا منهم 30 فردا في ظروف إجرامية ولا إنسانية، لا تزال قبورهم بدون هوية. نطالب بوضع بنك معلومات خاص بالرفات ثم العائلات وكشف أماكن الدفن السرية، وفتحها أمام الخبرة العلمية والتحقيق الجاد عبر التحاليل الجينية (ADN)،
✅ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، وعدم الاكتفاء بخطاب المصالحة الرمزي. لأن العدالة لا تتحقق بالعفو، بل بالمحاسبة.
✅ جبر ضرر شامل ماديًا ومعنويًا، يشمل الحق في الذاكرة، في التعليم، في الصحة، في الكرامة.
✅ إعداد برنامج متكامل من أجل العيش الكريم لجميع أعضاء المجموعة يشمل راتب شهري يتناسب مع رتب المختطفين وبأثر رجعي . تطبيق مبدأ التمييز الإيجابي في مناصب الشغل، راتب شهري للزوجات الأرامل والادماج الاجتماعي ، تسوية الوضعية الإدارية ، التتبع والدعم لفائدة أبناء المتوفين و الناجين.
✅ تمكيننا من الاطلاع على ارشيف المحكمة العسكرية التي اسند إليها مهمة المحاكمات وجعل هذا الارشيف في متناول الضحايا الناجين وذوي الحقوق.
✅ تحويل المعتقلات السابقة، وعلى رأسها تازمامارت، إلى فضاءات لحفظ الذاكرة، وشواهد حية على ما جرى.
✅ تضمين معاناة الضحايا وعائلاتهم في المناهج الدراسية، حتى لا يتكرر ما وقع.
✅ نرفض أن يتم ترميم القبور دون تحديد من فيها.
✅ نرفض أن تُهدم المعتقلات السرية أو تُشوَّه معالمها لإخفاء آثار الجريمة والأدلة على حدوثها.
✅ نرفض أن يُجبرنا الزمن على النسيان، ونحن نحمل الحقيقة في وجوهنا، في صور أحبابنا، في قلوبنا التي لم تنسَ.
أيها الحضور،
لا مصالحة دون كشف الحقيقة.
لا كرامة دون دفن يليق بالضحايا.
ولا مستقبل دون عدالة.
سُرق منا الأحباب، وأُخفيت أجسادهم، لكن صوتنا سيبقى حاضرًا. صوت الأمهات اللواتي انتظرن سنوات دون خبر. صوت الزوجات اللواتي بقين على العهد رغم القهر. صوت الأبناء الذين كبروا بأسئلة لا إجابة لها.
اليوم نُجدد العهد، لا تنازل عن الحقيقة. لا تهاون مع النسيان. وذاكرة تازمامارت ستظل حية ، ونرفع صور أحبابنا، وننادي بأسمائهم.
لن ننسى.
لن نسامح دون عدالة.
ولن نصمت.
من جديد، نعود اليوم إلى ساحة الحقيقة لنُجدد العهد، ونُدافع عن مطالب مشروعة،
نقف هنا اليوم، كما كل شهرين، لا لنُحيي ذكرى، بل لندافع عن قضية عادلة، عن وجوهٍ غيّبها الاختفاء القسري، عن أسماءٍ لا زالت تُكتب على اللافتات بدل شواهد القبور، عن مصائر مجهولة ومظلومة، عن أمهات ورفيقات وأبناء يحملون الانتظار كقدر وطني مشترك.
إن وقفتنا هذه ليست مجرد فعل رمزي، بل هي صرخة حقوقية مستمرة، ضد التلاعب بالذاكرة، وضد الإغلاق القسري للملفات، وضد سياسات “الطي” دون إنصاف حقيقي. نحن هنا دفاعًا عن الحق في الحقيقة، الحق في العدالة، الحق في الذاكرة، والحق في الكرامة.
أيها الحضور،
مرت سنوات طويلة منذ أن اختُطف أحباؤنا، ولم نتلقّ سوى الصمت أو الغموض أو التجاهل.
مرت سنوات على ما سُمي بصفحة “الإنصاف والمصالحة”، لكن المصالحة بدون الحقيقة تظل كذبة وطنية كبرى.
أيها الجمع الكريم،
نحن هنا لأن الاختفاء القسري جريمة ضد الإنسانية، ولأن كل تواطؤ مع النسيان هو استمرار للجريمة.
نحن هنا لأن العدالة لا تتجزأ، ولا تُؤجل، ولا تُدار بالصمت أو المماطلة.
نحن هنا لنُجدد عهدنا مع من غابوا ، ولن نسكت، حتى يُكشف المصير، وتُردّ الكرامة، ويُعترف بالحق علنًا وفاء لدماء شهدائنا الأبرار.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.