حول ما يقع في فيدرالية اليسار الديمقراطي
عبد الله الحريف
حول ما يقع في فيدرالية اليسار الديمقراطي
إن ما يقع، الآن، من تصدعات وتفكك وسط فيدرالية اليسار الديمقراطي، يتطلب، بعيدا عن التشفي والشماتة، القيام بتحليل عميق وموضوعي للمشروع الذي تحمله الفيدرالية وتتشارك فيه كل مكوناتها، رغم الاختلاف بينها في بعض التفاصيل. إن ذلك، في إعتقادي، قد يمكن من استخلاص الدروس المفيدة لقوى التغيير لصالح الشعب وعدم الاكتفاء بالدعوات العاطفية لتوحيد اليسار وتجاوز التشرذم وغيرها من النصائح التي، رغم كونها صادقة وتعبر عن طموح مشروع، فإنها لا تفيد كثيرا. ذلك أن الوحدة ليست هدفا، في حد ذاتها، بل هي تجميع للقوى لتحقيق مشروع واضح وقابل للإنجاز ويخدم مصلحة الشعب المغربي، وفي مقدمته الطبقة العاملة وعموم الكادحين.
لعل العنوان الأساسي لمشروع الفيدرالية ومختلف مكوناتها هو أن التغيير لصالح الشعب سيتم، أساسا، من خلال العمل في المؤسسات التمثيلية، وخاصة البرلمان بغرفتيه، وأن النضال من خارجها هو، بالأساس، للضغط على النظام لكي يقوم باصلاحات جزئية وأيضا لتحقيق مكاسب بسيطة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. ومن هنا تكتسي الانتخابات أهمية قصوى. وبالنتيجة ضرورة جمع أكبر عدد من القوى للحصول على أكبر عدد من المقاعد في المؤسسات التمثيلية. وبما أن الهدف هو الحصول على المقاعد، فإن التنافس بين قوى يجمعها، أساسا، هذا الهدف يصبح ضاريا ويؤدي، عاجلا أو آجلا، إلى الانقسام.
والحال أن حصيلة ستين سنة من الانتخابات المتعددة والبرلمانات المتنوعة والهيئات المحلية المختلفة كانت سلبية بالنسبة للأغلبية الساحقة من الشعب المغربي التي تأكدت، بشكل حسي أو واعي، بأن التغيير لصالحها مستحيل بواسطة هذه المؤسسات التمثيلية. ولذلك أصبحت تقاطعها، بشكل عارم (80 في المئة، على الأقل، من الكتلة الناخبة). لقد سلكت أحزاب كبرى (حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ثم حزب العدالة والتنمية) طريق التغيير بواسطة الانتخابات والمؤسسات، عن حسن نية أو لزرع الاوهام وسط الشعب، فكان ذلك وبالا عليها حيث تم اضعافها واختراقها من طرف المخزن وانقسامها ومخزنتها جزئيا أو إلى حد كبير. إن بناء الحزب “الاشتراكي” الكبير بهدف خوض الانتخابات والحصول على قوة وازنة داخل البرلمان لن يفيد الشعب المغربي في شيء في ظل الدستور الحالي الذي يضع السلطة الأساسية في يد الملك ويشرعن الاستبداد المخزني، بل من شأنه إضفاء بعض الشرعية على الديمقراطية المخزنية، ديمقراطية الواجهة، وبالتالي تقوية الاستبداد وإطلاق اليد للكتلة الطبقية السائدة لتصعيد استغلال الطبقة العاملة واضطهاد باقي الكادحين وتضييق الخناق على البرجوازية الصغرى والمتوسطة.
لذلك، فإن ما تعرفه الفيدرالية من انقسام هو، في العمق، تعبير عن مأزق مشروعها، أي رهانها على التغيير، أساسا، بواسطة المؤسسات التمثيلية.
فلا مستقبل لقوى التغيير لصالح الشعب إن لم تتوجه، بكل قواها وإمكانياتها، إلى الثمانين في المئة من الشعب التي تقاطع الانتخابات، وخاصة الطبقة العاملة باعتبارها الطبقة الأكثر ثورية والقادرة على توقيف عجلة الاقتصاد وباقي الكادحين باعتبارهم من أكبر المتضررين من الاستبداد والاضطهاد والقهر، لتوعيتهم وتنظيم صفوفهم وتوجيه نضالهم نحو التخلص من المخزن الذي يمثل أخطر عقبة أمام التغيير على طريق تحررهم من الكتلة الطبقية السائدة وسيدتها الامبريالية. وليس إضاعة الوقت للجري وراء الوهم وعلى حساب التواجد النضالي اليومي مع الجماهير الشعبية. في غياب ذلك، سيستمر الانقسام والتشرذم وسط قوى التغيير وستتفاقم عزلتها عن الشعب. وفي هذا الإطار، لا بد من تسجيل أن الواقع قد برهن ان الاشتغال بالتيارات عامل تشتيت وليس عامل توحيد كما يدعي المدافعون عنه.
إن التغيير لصالح الشعب، وفي مقدمته الطبقة العاملة وعموم الكادحين، سيرورة تتطلب، بالنسبة للنهج الديمقراطي، العمل، بحماس وبدن كلل أو ملل، من أجل التقدم في أربع سيرورات مترابطة:
– سيرورة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة التي يعتبر أنها حاسمة. ولذلك، يسعى النهج الديمقراطي إلى إحداث نقلة نوعية في هذا البناء من خلال الاعلان في مؤتمره المقبل عن ميلاده.
– سيرورة بناء وتنويع التنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير الشعبية، وفي مقدمتها العمالية والكادحة بشكل عام.
– سيرورة بناء جبهة الطبقات الشعبية التي في مصلحتها تحرر بلادنا من هيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة.
– سيرورة بناء أممية ماركسية.