كيف تُجهض نموذجًا ثوريًا؟

كيف تُجهض نموذجًا ثوريًا؟

أسر المبالغة: كيف تُجهِض نموذجًا ثوريًا؟

tsKrQ-773x500 كيف تُجهض نموذجًا ثوريًا؟


بوابة الهدف الإخبارية: رأي الهدف

منذ أكتوبر العام 2015 يتسلق شعبنا في الضفة المحتلة خطًا تصاعديًا في مقاومته ضد العدو الصهيوني، ورغم مرور هذا الخط بكثير من الانكسارات، إلا أن الاتجاه العام هو صعود المقاومة ومزيد من الإخفاق لأدوات القمع والضبط والرقابة الصهيونية. هذا الصعود يتم على أرضية مجافية في جل عواملها للفعل المقاوم؛ فالقمع الصهيوني قد تطور وتطورت أدواته، وبات يراهن على قتل بؤر المقاومة أولًا بأول ومحاولة تجنب التفجير والصدام الشامل، وإنشاء نماذج من الملاحقة التخصصية ضد الفاعلين؛ تحرص على حبس بقية الضحايا خارج إطار الفعل، كذلك الانقسام الفلسطيني، وسياسات التنسيق الأمني، وأيضًا التوجهات السياسية، بجانب هذا كله أيضًا عجز الفلسطينيين وخصوصًا قواهم المقاومة عن بناء شبكة نضالية؛ توفر قاعدة وأرضية وحاضنة للفعل المقاوم؛ فما زالت غضبات البؤر الاحتجاجية هي سيدة الفعل بموسميتها وتقطعها وأيضًا ضعف منتوجها الجماهيري وعدم قدرتها على إحداث استنهاض شامل للحالة الجماهيرية الوطنية.

إن فهم هذه الحالة تعرض غالبًا لإعاقة تسببت فيها نسخ للخطاب والتفسيرات واستسهال لترداد ما هو رائج في الوسط البحثي أو الإعلامي أو المقاوم، ذلك بجانب كسل شديد في البحث عن مقاربات جدية للواقع، وكما نعلم لا يمكن أن تنتج السياسات؛ خصوصًا في الحرب والصراع بناءً على الخطاب، بل العكس يجب أن يكون؛ فالخطاب تعبير عن السياسة التي بدورها يجب أن تكون أداة للتعامل مع الواقع باتجاه تغييره للأفضل.

إن خطاب العجز الفلسطيني واستحالة القتال أو بناء أدوات فعل فلسطيني في الضفة المحتلة؛ كان له دوره في تقويض المقاومة وحرمانها من التعبئة الجماهيرية اللازمة، وحتى حرمانها من الرهان السياسي والتنظيمي الفصائلي والفلسطيني عمومًا عليها، لقد قال هذا الخطاب أن منظومة القمع الصهيوني وسياسات ما بعد أوسلو؛ قد أنهت أية فرصة للمقاومة في الضفة الضفة، وهذا كما نعلم الآن لم يكن إلا محض هراء، ولكن تغلّب الفعل المقاوم على العجز وخطابه وتأطيره؛ لم يجعله في منأى عن تأثيرات أخرى لا تقل في قدرتها على التدمير، وأكثرها فاعلية الآن هو خطاب المبالغة والتهويل.

الحقائق تقول أن لدينا بضعة بنادق لا تتجاوز العشرات قررت تلّمُس طريقها لقتال الاحتلال في الضفة المحتلة، ذلك من أصل عشرات آلاف أو مئات آلاف البنادق، وأن الخسائر التي ندفعها والتضحيات المبذولة لشق هذا الطريق هائلة بالفعل، وأن الطريق ما زال طويلًا وفيه عقبات هائلة أمام حالة مقاومة مسلحة منتظمة ذات استراتيجية واضحة، وكذلك الحال بالنسبة للفعل الجماهيري الذي ما زال أسيرًا لمنطق الهبات ونوبات التسخين المتقطعة، ولكننا كما في المرحلة الأولى من أسر خطاب العجز، نردد ما يقوله عدونا، وقد قرر عدونا أن يخبرنا أن هناك ما يشبه الانتفاضة في الضفة، وأن هناك مقاومة مسلحة خطيرة عليه، ولم نكتفِ بترداد ذلك، ولكن بدأنا في التصرف وصياغة الخطاب على هذا النحو، بل وربما نصيغ السياسات بناءً على ذلك.

لا يحتاج الفلسطيني لشهادة من الصهاينة حول فعله؛ ما يحتاجه هو دمهم وخسائرهم في ساحات القتال، وخراب في مستوطناتهم، هذا هو المقياس، وليس ما “يلقننا” إياه العدو، عبر منصات إعلامه الموجهه لقصف عقولنا وتقويض أي قراءة لواقعنا.

إن الاستسلام لدعاية العدو، أو حتى تشخيصه للواقع، هو فقدان لمتطلبات التخطيط، وأيضًا مساس بمقومات الفعل؛ ناهيك عما ينتجه هذا كله من مسلكيات وظواهر استعراضية ومثالب تتكفل بتقويض أي حالة ثورية.


المصدر: بوابة الهدف الإخبارية