جنين: معقل المقاومة الفلسطينية وتاريخ من الاستعصاء
الجمعة 30 اغسطس 2024
بوابة الهدف الإخبارية
منذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، أصبحت جنين مرة أخرى في طليعة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. كانت المدينة ومخيمها مركزاً رئيسياً للمواجهات المسلحة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.
هذه المواجهات لم تكن وليدة اللحظة، بل هي امتداد لتاريخ طويل من المقاومة والصمود. مع اشتداد الصراع وتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية، دخلت جنين مرحلة جديدة من الصراع، حيث أصبحت محوراً أساسياً في استراتيجية المقاومة الفلسطينية الشاملة.
صعود كتائب المقاومة في جنين قبل اندلاع “طوفان الأقصى”
كانت جنين بالفعل نقطة محورية في المقاومة الفلسطينية، حيث تشكلت فيها كتائب مقاومة جديدة بدأت تنشط بقوة في مواجهة الاحتلال. هذه الكتائب، التي تتألف من فصائل متعددة، تمثل امتداداً طبيعياً للتاريخ النضالي لجنين. مع بدء “طوفان الأقصى”، انخرطت هذه الكتائب بشكل كامل في المعركة، حيث أعلنت عن دعمها للمقاومة في غزة وبدأت بتنفيذ عمليات فدائية نوعية ضد القوات الإسرائيلية والمستوطنين في الضفة الغربية.خلال الأشهر التي تلت “طوفان الأقصى”، أصبحت جنين مركزاً لعمليات المقاومة، حيث شهدت المدينة والمخيم معارك ضارية بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال. كثّف الجيش الإسرائيلي من محاولاته لقمع المقاومة في جنين، لكنه واجه صعوبات كبيرة نتيجة الاستبسال الشديد من قبل المقاتلين المحليين.
هذه العمليات أثبتت مرة أخرى أن جنين تمثل عقبة كبيرة أمام المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية.الاقتحامات الإسرائيلية والتصعيد الأخير في الأيام الثلاثة الماضية.
شهدت جنين سلسلة من الاقتحامات الإسرائيلية الكبرى التي تُعد من الأوسع نطاقاً منذ بداية المعركة. في 27 أغسطس 2024، بدأت قوات الاحتلال حملة واسعة النطاق على المدينة والمخيم باستخدام قوات برية مدعومة بالطائرات المسيرة والمدرعات. الهدف المعلن لهذه الحملة كان اعتقال قيادات من المقاومة وتدمير البنية التحتية التي تستخدمها الكتائب المسلحة، لكن الحملة واجهت مقاومة عنيفة من المقاتلين الفلسطينيين.
تأثيرات الاقتحامات على جنين والمقاومة
لم تكن هذه الاقتحامات مجرد عمليات عسكرية عابرة؛ بل كانت جزءاً من استراتيجية إسرائيلية أكبر تهدف إلى تقويض المقاومة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية. ومع ذلك، فإن هذه الاقتحامات لم تحقق أهدافها بشكل كامل، حيث أثبتت المقاومة في جنين قدرتها على الصمود ومواصلة الكفاح رغم الفارق الكبير في الإمكانيات. أسفرت هذه الاقتحامات عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى، إضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية في المدينة والمخيم. ورغم ذلك، بقيت معنويات المقاتلين مرتفعة، حيث أكدت الفصائل الفلسطينية أن جنين ستظل قلعة المقاومة في وجه الاحتلال.
جنين: معقل المقاومة الفلسطينية وتاريخ من الاستعصاء
تقع مدينة جنين عند سفح تلال جبل النار “نابلس”، وهي مدينة تحمل تاريخاً طويلاً من المقاومة والصمود ضد الغزاة والمستعمرين. تميزت جنين على مر العصور بقدرتها على التصدي لكل من حاول فرض سيطرته عليها، مما جعلها واحدة من أبرز المدن الفلسطينية في تاريخ النضال ضد الاحتلال.
المقاومة ضد نابليون بونابرت
في عام 1799، خلال حملة نابليون بونابرت على فلسطين، أبدى سكان جنين مقاومة عنيفة ضد القوات الفرنسية الزاحفة. وقد لجأ أهالي المدينة إلى حرق بساتين الزيتون التي كانوا يقتاتون منها في محاولة لعرقلة تقدم الجيش الفرنسي. ورداً على هذه المقاومة، أقدم نابليون على حرق جنين ونهبها، في أولى تجارب المدينة مع الصراع من أجل البقاء.
جنين في ظل الاحتلال البريطاني
مع دخول الاحتلال البريطاني ل فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى، كانت جنين من آخر المدن الفلسطينية التي سقطت تحت سيطرة الاستعمار البريطاني. وقد أظهرت المدينة بطولات مميزة في مقاومة البريطانيين، لا سيما في عام 1935 عندما قاد الشيخ عز الدين القسام، أحد أبرز القادة الفلسطينيين، أولى حركات المقاومة المسلحة ضد البريطانيين انطلاقاً من جنين. وجدت القسام في جنين حاضنة شعبية من الفلاحين والمزارعين الذين آمنوا بفكرة الثورة ودعموها بكل ما أوتوا من قوة.
الاستعصاء أمام الاحتلال الإسرائيلي
بعد نكبة عام 1948، أصبحت جنين جزءاً من الضفة الغربية التي خضعت للإدارة الأردنية حتى احتلال إسرائيل لها عام 1967. ومع إنشاء مخيم جنين لإيواء اللاجئين الفلسطينيين، أصبح هذا المخيم معقلاً رئيسياً للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي. في عام 2002، وخلال انتفاضة الأقصى، ضربت إسرائيل المخيم بكل قسوة بعد مقاومة شرسة من أبنائه. استخدمت قوات الاحتلال طائرات “إف-16” والمدفعية الثقيلة لقصف المخيم، ما أدى إلى استشهاد العشرات وتدمير مئات المنازل. ورغم الخسائر الفادحة، تمكن مقاتلو المخيم من قتل 23 جندياً إسرائيلياً، مما أظهر عنفوان المقاومة وصمودها.
جنين تستعد قبل “طوفان الأقصى”
منذ أغسطس 2021، ومع بدء الاقتحامات الإسرائيلية لمناطق جنين ومخيمها، تصاعدت المواجهات المسلحة بين شباب المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال. أصبحت جنين مرة أخرى رمزاً للمقاومة في الضفة الغربية، وقادت العمل الفدائي ضد الاحتلال. وبعد اندلاع معركة “طوفان الأقصى”، أصبحت جنين مركزاً لمواجهة شرسة، أدت إلى تكثيف عمليات الاغتيال الإسرائيلية باستخدام الطائرات المسيرة، وفرض حصار خانق على المدينة، ونشر الحواجز العسكرية.
تاريخ جنين يعكس إصراراً لا يلين على المقاومة والصمود، فمنذ الأيام الأولى للاحتلال وحتى اليوم، تظل جنين رمزاً للمقاومة الفلسطينية. العمليات الفدائية والمواجهات المسلحة التي يقودها أبناء جنين تكشف عن قوة وإرادة لا تعرف الاستسلام، وتجعل من المدينة قلعة عصية على الاحتلال. وفي ظل تصاعد التوترات والصراع المستمر، تظل جنين تمثل الأمل والثبات للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية والتحرر.