حكومة ترامب الجديدة..، حكومة أغنى أغنياء أمريكا

حكومة ترامب الجديدة..، حكومة أغنى أغنياء أمريكا





حكومة ترامب الجديدة
حكومة أغنى أغنياء أمريكا





الحكومة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس ترامب هي حكومة أباطرة المال في أمريكا، حكومة الثراء الفاحش. فقد جمع دونالد ترامب حوله كوكبة من أكثر الأمريكيين غنى علما وأنّ ترامب نفسه هو أغنى رئيس في تاريخ أمريكا إذ تصل ثروته إلى 6.2 مليار دولار فيما لم تبلغ ثروة من سبقوه من الرؤساء إلا بضعة ملايين فقط من الدولارات. فعندما غادر رونالد ريغن البيت الأبيض لم تكن ثروته تتعدّى 16 مليون دولار ولم تزد ثروة الرئيس ابن الرئيس تاجر البترول، ملك تكساس، جورج بوش، عن 50 مليون دولار وكانت ثروة ريتشارد نيكسون عند الخروج من الحكم في حدود 20 مليون دولار. وما هذه إلا بعض الأمثلة التي تعطينا فكرة عن حجم ثروة ترامب مقارنة بالرؤساء الذين مروا من البيت الأبيض ممّا يجعله في غير حاجة، كما صرّح عند استلام مفاتيح البيت الأبيض، للراتب الرئاسي الذي يبلغ 400 مليون دولار سنويا أي ما مجموعه في نهاية ولايته الرئاسية 1600 مليون دولار.

وقد تجمّع حول ترامب عدد من أباطرة المال. إيلون ماسك صاحب أكبر ثروة في العالم والمقدرة بـ 400 مليار دولار وهي متأتّية من الاحتكارات الكبرى التي يمتلكها، تيسلا TESLA وSpaceX. وقد عُيِّنَ إلى جانبه مقاول كبير من الحزب الجمهوري، المرشح السابق للرئاسة Vivek Ramaswamy، مسؤولا عن وزارة الكفاءة الحكومية (Department of Government Efficiency). ومعروف عن إيلون ماسك قناعاته الليبرالية المتطرفة ذلك أنه عندما اشترى الشبكة الاجتماعية X (شبكة تويتر سابقا) قام بطرد 3700 من أصل 7500 عامل بالشركة دون أدنى إعلام مسبق بقرار الطرد. وهو لم يتردد بعد تعيينه الرسمي إثر أداء ترامب اليمين عن أداء التحية النازيّة مرتين متتاليتين. وبالإضافة إلى ماسك وفيفاك نذكر شارلز كوشنير Charles Kouchner والد جيراد كوشنير زوج ابنة ترامب (إيفانكا) صاحب الثروة الضخمة المقدّرة بـ 7.1 مليار دولار وقد عين سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في فرنسا. وللتذكير فإن شارلز كوشنير، اليهودي من أصل بولوني عضو الحزب الجمهوري النشيط ضمن اللوبي الصهيوني، كان حوكم من أجل قضايا فساد جبائيّ في مجال المضاربات العقارية وقضى بسبب ذلك أكثر من سنة في السجن وهو معروف بعلاقاته المتينة بترامب.

ومن وجوه الحكومة الجديدة أيضا نائب وزير الدفاع ستيفن فينبرغ Steve Feinberg صاحب المؤسسات الاستثمارية الكبرى Cerberus Capital Management التي استثمرت في مجال الصواريخ الفرط صوتية وتمتلك شركة “دينكوورب” العسكرية الخاصة التي باعها سنة 2020 إلى شركة احتكارية أخرى مختصة في الصناعات الحربية تدعى “أمينتوم”. وتبلغ ثروة ستيفن فينبرغ حسب مجلة “فوربس” 5 مليارات دولار. وقد عبرت العديد من الأوساط الأمريكية (في عالم الصحافة وحتى في الكنغرس) عن تحفظات إزاء تعيينه في هذا المنصب خشية أن يستغل صفته كنائب لوزير الدفاع في خدمة مصالحه الخاصة في مجال الاستثمارات العسكرية وفي عالم “السيليكون فالي” Silicon Valley. وقد اختار ترامب ضمن فريقه الحاكم أيضا وارن ستيفنس سفيرا لدى المملكة المتحدة ولياندرو ريزوتو جونيور Jr Leandro Rizzuto في منصب السفير لدى منظمة الدول الأمريكية اعترافا له بالجميل لما قدمه من دعم ومساعدات سياسية ومادية لحملات ترامب الانتخابية منذ سنة 2016 (هبة بـ360 مليون دولار). وتبلغ ثروة كل واحد منهما 3.5 مليار دولار.

وعلى غرار ذلك، وردا للجميل، عين ترامب في وزارة التربية ليندا ماك ماهون Linda McMahon الرئيسة السابقة لمنظمة المصارعة (catch) وهوارد لوتنيك Howard Lutnick وزيرا للتجارة وتبلغ ثروة الأولى 3 مليار دولار وثروة الثاني مليار ونصف من الدولارات.

هذا جزء من قائمة أصحاب المليارات الذين دخلوا الحكومة الأمريكية الجديدة (والقائمة طويلة وتضم إلى جانب هؤلاء حوالي 20 مليارديرا آخر في مراكز حكومية وديبلوماسية عليا مثل وزارات الداخلية والخزانة والصحة والطاقة ووكالة الناسا Nasa والمبعوثين الخاصين في مناطق كثيرة من العالم منها المبعوث إلى الشرق الأوسط الخ…).

وما من شكّ في أنّ هذه التّعيينات لها أكثر من مغزى. وقد توقّفنا عند القليل من تفاصيلها للتدليل على أن الفريق الحكومي في الجهاز السياسي للدولة الامبريالية الأعظم حاليّا في العالم قد بات يمثل الطغمة المالية والاحتكارات العظمى لا بالمعنى السياسي التقليدي أي بصفته تعبيرة سياسية تتبني خياراتها وسياساتها فقط وإنما تمثيلا مباشرا بتواجد أصحاب هذه الاحتكارات، أصحاب المليارات، ضمن الفريق الحاكم وفي المناصب التنفيذية للسلطة السياسية. فهذه الحكومة بتركيبتها تلك هي صورة حية عن اندماج نخبة الطغمة المالية العالمية بجهاز الحكم التنفيذي. فلا وسيط بينهما ولا تكليف بالوكالة عنها ولا تمثيل سياسيّا تقليديّا أو رمزيّا لها. إن الاحتكارات الكبرى في مجال التكنولوجيا الحديثة (Tesla وX وTruth Social والعديد من شركات ومؤسسات قطب سيليكون فالي التكنولوجي) والصناعات الحربية وكبرى شركات المضاربات العقارية ممثلة في الرموز والأسماء التي أوردناها أعلاه قد مسكت بيدها جهاز الحكم لتتولى وبشكل مباشر إدارة شؤون مصالحها في مناخ اقتصادي عالمي في أوج أزمته وفي أجواء سياسية متحولة ومتوتّرة للغاية وهو أمر لافت في التحوّلات التي تشهدها الدولة البورجوازيّة في المرحلة الاحتكاريّة.

إنّ الشعار القديم المتجدّد هو “الدولار أوّلا” وشعار المرحلة هو “أمريكا أوّلا” في إشارة إلى أنّ المصلحة “الوطنيّة” هي في الحقيقة مصلحة الكرتيلات العظمى التي تضفي على العولمة الرأسماليّة في عصر الكواسر والطغمة الماليّة، في عهد حكومة أصحاب المليارات بزعامة ترامب معنى غير المعنى المتداول. عولمة لا تعني غير خضوع العالم، كل العالم، لإرادة هذا الفريق الذي لا يمثل إلا الأقلية الأغنى 0.0001 % من أقليّة أصحاب المليارات (813 ملياردير). وفي سبيل ذلك سيتعين على بقية الدول والشعوب أن تقبل بالاتجاه الجديد “للعولمة تحت الضغط العالي للاحتكارات الكبرى” بما يستوجب نسف قواعد التنافس والصراع في ظل الاحتكارات الذي عوض منطق التنافس الحر في المرحلة المبكرة من النظام الرأسمالي، بمعنى أدق نسف أسس المنظمة العالمية للتجارة وقواعد التجارة العالمية ومراجعة نظام الرسوم والامتيازات التجارية والديوانية المتفق عليها.

ليس ذلك فقط وإنما سيتعين على الجميع، وليس بنما وقروينلاند وكندا والمكسيك وفلسطين (غزة) فحسب، أن يقبل صاغرا بمفهوم “السيادة” الوطنية الجديد، من منظور ترامب وفريقه، وإلا فإن الحرب هي الفيصل. وهو ما يتطلّب من العمال والشعوب بشكل عام الانتباه إلى المخاطر التي تتهدّدهم وتتهدد السلم العالمي وتنظيم صفوفهم في أسرع وقت ممكن للمواجهة. إنّ المسألة في غاية الجدّية.

جيلاني الهمامي
2 فيفري 2025