فئوية المساعدات في غزة: حين يُكافأ الولاء ويُعاقب الفقر

فئوية المساعدات في غزة: حين يُكافأ الولاء ويُعاقب الفقر
بقلم: مهند نصار – كاتب سياسي فلسطيني
غزة تختنق. الحرب مستعرة، الحصار خانق، والناس جياع.
وفي خضم هذه الكارثة المفتوحة، تتحول المساعدات الإغاثية، التي يُفترض أن تكون طوق نجاة للنازحين والجائعين، إلى أداة للابتزاز السياسي ومكافأة للولاء التنظيمي، بدل أن تكون وسيلة تحفظ كرامة الإنسان وتصون الحد الأدنى من مقومات الحياة.
ما يجري في قطاع غزة لم يعد مجرد خلل في إدارة ملف الإغاثة، بل نموذج فجّ لاختطاف العمل الإنساني وتحويله إلى سلاح سياسي يُستخدم ضد الفقراء والمستقلين والمهمّشين.
في وقتٍ يُترك فيه الآلاف على أرصفة الجوع والبرد، تُوزّع الخيام والسلال الغذائية والمساعدات النقدية على المحسوبين والموالين لحركة حماس والتيار الإصلاحي، بينما يُقصى كل من لا يحمل “بطاقة انتماء” أو لا يملك “واسطة”.
هيمنة على الجوع.. وتقنين للحرمان
المشهد بات مكشوفًا: المساعدات توزَّع على أسس حزبية علنية، في انتهاك صريح لكل مبادئ العدالة الاجتماعية وقيم العمل الإنساني.
من لا ينتمي، لا يستحق. ومن لا يُبايع، يُعاقَب بالجوع.
اللقمة صارت أداة للفرز السياسي، والمساعدة تحوّلت إلى رشوة منظمة لشراء الولاء أو فرض الصمت.
استغلال المعاناة.. واختطاف الإغاثة
حين تُستخدم الحاجة كسلاح، تصبح المعاناة فرصة للتسلط.
وحين تُدار المساعدات بأيدي جهة واحدة دون أي رقابة أو مساءلة، تُختطف بالكامل من أهدافها النبيلة لتُستخدم أداة تمكين وسلطة.
في ظل غياب قواعد واضحة لتحديد المستحقين، وحرمان المجتمع المحلي من أي دور رقابي أو إشرافي، تتسع دائرة الفساد، وتُهمّش العدالة، وتُحوَّل معاناة الناس إلى رصيد سياسي.
مطلوب فورًا: إصلاح جذري لا تجميل شكلي
الفئوية في توزيع المساعدات تقوّض وحدة المجتمع، وتُفجّر مشاعر الغضب والاحتقان.
ولا يمكن كسر هذه الحلقة المسمومة إلا عبر خطوات عملية وشفافة، تبدأ بـ:
▪️نشر قوائم المستفيدين ومعايير الاستحقاق علنًا وبشكل دوري.
▪️تشكيل لجان أهلية مستقلة من داخل المجتمع المحلي، تشرف على التوزيع وتوثّق الانتهاكات.
▪️محاسبة صارمة لكل من يثبت تورطه في التلاعب بالمساعدات أو استغلالها سياسيًا، دون أي حصانة.
لا صمت بعد اليوم
لن يقبل الشعب الفلسطيني أن يُمنَح الجوع، ويُحرَم من حقه في الغذاء والكرامة، فقط لأنه لا ينتمي سياسيًا.
من يوزّع المساعدة على أساس الولاء، يُوزّع الذلّ، ويكرّس الفساد، ويشارك في قتل العدالة.
ومن يصمت عن هذا الظلم من أجل مكاسب حزبية، فهو شريك في الجريمة لا مجرد متواطئ.
لقد آن الأوان لكسر جدار الصمت، ومواجهة من حوّلوا المساعدات إلى أدوات للسيطرة والإقصاء.
المساعدة ليست مِنّة، بل حق.
وإذا لم يُنتزع هذا الحق من قبضة الفئوية، فالانفجار الشعبي قادم لا محالة، ولن يُبقي على أحد من المتاجرين بدم الناس وجوعهم.