عاملات النسيج بطنجة عنوان للثروة المنهوبة
عاملات النسيج بطنجة عنوان للثروة المنهوبة
■ زينب السايح
طنجة، هذه المدينة التاريخية والمتوسطية التي مازال المستعمر يحن إلى عهده فيها، ولم يقطع معها حبال النهب والسلب رغم تضحيات شهيداتها وشهدائها الذين قاوموا الاستعمار الدولي ببسالة ليعيشوا بكرامة واستقلال، غير أن ما وقع كان مجرد تبادل للأدوار حيث خرج المستعمر المباشر بدباباته ليدخلها من جديد بشركاته متعددة الجنسية والعابرة للحدود. فتوقيع المغرب لاتفاقيات التبادل الحر من موقع الضعف والتبعية وما تبعه من فتح للحدود على مصراعيها للرأسمال الأجنبي وللمستثمرين الناهبين لعرق الكادحين/ت واغداقهم بالامتيازات والإعفاءات الضريبية ووجود يد عاملة رخيصة وبدون حماية لحقوقها، ساهم بشكل كبير في جلب شركات متعددة الجنسيات من ماركات عالمية وشركات تصنيع قادمة من المركز الأوروبي حيث تتكدس ثروات الأطراف وفي المقابل يتعمق البؤس والمعاناة في وسط الطبقة العاملة خاصة بعد القضاء على أي عمل نقابي يمكن أن يساهم في تحسين الأوضاع.
فرغم المعارك النضالية العمالية التي عرفتها المدينة والتي قوبلت تارة بالقمع وتارة بالصمت واغلاق باب الحوار وسياسة الاذان الصماء، بقيت الطبقة العاملة معزولة ومتروكة تواجه مصيرها لوحدها بعدما باركت البيروقراطية النقابية المسيطرة على هياكل المركزيات النقابية هذا الواقع باسم السلم الاجتماعي. ومما زاد الوضع تعقيدا وهو دخول المغرب مرحلة جديدة من المفاوضات الرامية إلى توقيع المغرب لاتفاقية التبادل الحر المعمق والشامل سنة 2013 ليزيد الوضع سوءا خاصة وسط العاملات والعمال الذين أصبحوا قربانا في خدمة الرأسمال. وباسم المرونة في العمل وخلق فرص شغل والاستثمار وإنعاش الاقتصاد الوطني تضيع حقوق الشغيلة وتزيد هشاشة اليد العاملة ويتكثف الاستغلال والاضطهاد في حين تراكم هذه الشركات ثروات جد هائلة على حساب معاناة المنتجين الحقيقيين.
كما عاشت الطبقة العاملة فترة عصيبة من تاريخها خاصة في الازمة الصحية التي ألمت بالعالم وكانت في الصفوف الامامية التي بقيت تحرك عجلة الاقتصاد، دون حماية حقيقية، وبينما تم تسريح الالاف من العمال والعاملات، والتخفيض من الاجور بمبررات الازمة والجائحة، كما راح العديد من العمال والعاملات ضحية الاستهتار بالأرواح نظرا لغياب وسائل الوقاية وتفشي الفيروس في الوحدات الانتاجية والصناعية.
وأمام جشع الرأسمال سواء المحلي او الاجنبي، وتساهل السلطات مع انتهاكات قوانين الشغل، قررت عدة شركات كسر حالات الطوارئ والعودة للإنتاج دون أدنى احترام للتدابير الاحترازية. لكن هذه المرة بوثيرة أكبر بغية التعويض عن خسارتها ولو على حساب أرواح وصحة العمال والعاملات وهو ما تم بالفعل.
فكانت النتيجة مضاعفة الإنتاج في ظل اوضاع كارثية لا تحترم فيها أدنى شروط الوقاية ولا السلامة دون ان تعود هذه الأرباح على تحسين من اوضاع اليد العاملة وهو ما عبرت عليه جيوش من المطرودين والمطرودات من العمل بعد ان أعلنت بعض الشركات عن افلاسها أو تهربها من أداء مستحقات العمال/ات. ومن بين النماذج الحية على ذلك توقيف العمل بشركة (خوبيلس Jobelsa) الاسبانية لصناعة الكراسي وتشريد أزيد من 400 عامل/ة وهو الشيء الذي استغرب له العمال والعاملات. فطيلة الأشهر الأخيرة ضاعفت الشركة من الإنتاج وراكمت ثروة حقيقية ثم أعلنت إفلاسها بعد ذلك دون أداء مستحقات العمال/ات ودون تعويض عن سنوات طويلة من العمل. وهو نفس الشيء الذي تم نهجه في شركة (جيماكوف GIMACOF) لألبسة الأطفال التي كانت تأخذ طلبيات من شركة مايورال الإسبانية لأزيد من ثلاثين سنة، فها هي اليوم تريد التخلص من 75 عامل وعاملة بعد أن باع مالكها حصصه لمالك جديد بدون إخبار العمال/ات بهذا القرار إلى اليوم الذي أغلقت الشركة في وجوههم وهو ما واجهه العمال بنضال فرض على المالك الجديد العودة إلى العمل لكن هذه المرة بدون تأدية رواتبهم.
تزايد معاناة عمال وعاملات النسيج يوما بعد يوم خاصة بعد رفع الدولة يدها عن هذا القطاع وتركه فريسة في يد الرأسمال الذي لا يرحم والذي لا يهمه سوى مراكمة الأرباح ونهب عرق اليد العاملة، ولعل غرق عشرين عاملة وتسع عمال يوم 8 فبراير 2021 في معمل تحت أرضي وفي ظروف غير إنسانية لهو خير دليل على الوضعية الكارثية التي يعيشها عمال/ات النسيج بطنجة.
ليبقى السؤال إلى متى ستظل الطبقة العاملة ترزح تحت رحمة جشع الرأسمالية؟