مبادرة بايدن: صفقة قرن جديدة؟!
مبادرة بايدن: صفقة قرن جديدة؟!
ما حقيقة المشاورات النشطة، بين واشنطن، والرياض، وإلى جانبهما حكومة إسرائيل، وما هي حقيقة الحديث عن مبادرة للرئيس الأميركي جو بايدن، لـ«صفقة قرن» جديدة، تقوم على «تطبيع» العلاقات الإسرائيلية مع العربية السعودية، مقابل اشتراطات، من بينها «حلول» للقضية الفلسطينية وضمانات بالإبقاء على سلطة الحكم الإداري الذاتي، في الضفة الفلسطينية، بكفالة أميركية، ودعم سعودي سخي، وتفاهمات مع دولة الاحتلال.
الصحف العالمية والعربية والإسرائيلية، تضج بالتقارير والمعلومات حول التحركات المكوكية لمبعوثين أميركيين يتجولون ما بين الرياض وتل أبيب، ومبعوثين إسرائيليين يحملون وجهات نظر حكومة نتنياهو واقتراحاتها بشأن موضوع «التطبيع» مع العربية السعودية، وفي السياق حل القضية الفلسطينية، بإقامة حكم إداري ذاتي، في بعض مناطق الضفة.
تتحدث المعلومات عن مطالب سعودية من الولايات المتحدة، منها مثلاً إقامة محطة نووية سلمية في المملكة، بما يلبي طموحات ولي العهد محمد بن سلمان، لإنجاز مشروعه التحديثي (2030)، ومع أن المشروع النووي سيقام (ربما) بأيدي أميركية، فإن السؤال عن موقف إسرائيل يحتاج إلى تأمل، فهل تقبل تل أبيب في هذه النقطة، ما ترفضه في إيران، وهل باستطاعة الولايات المتحدة أن تكفل لإسرائيل أن المحطة النووية في العربية السعودية، لن تتجاوز المشاريع المدنية والسلمية، ووفقاً لإدراكنا لمفاهيم الأمن الإسرائيلي، هل ترهن إسرائيل أمنها بضمانات أميركية، أم أنها سوف تشترط أن يكون لها هي الأخرى حق الرقابة على المشروع النووي في السعودية (هذا في حال وافقت على هذا الطلب).
كذلك تطالب السعودية بأن ترتبط بالولايات المتحدة، باتفاقية تعاون استراتيجي في مجال الأمن، يجعل منها دولة تتمتع بشروط عضوية حلف الناتو، وهي شروط لم تتوفر لإسرائيل حتى الآن، كما يقول المراقبون.
ترى ممن تخاف العربية السعودية، هل من إسرائيل، وهي تبحث مع الولايات المتحدة شروط «تطبيع» العلاقات مع دولة الاحتلال، أم أنها ما زالت تعتمد الرؤية القائلة بأن إيران هي مصدر الخطر على أوضاع المنطقة وفي القلب منها دول الخليج، وكيف يمكن التوفيق بين هذه المعادلة واتفاق المصالحة مع إيران، الذي رعته بكين، وخطا إلى الأمام بزيارات متبادلة، وافتتاح سفارات وقنصليات، وخطابات سياسية منفتحة على كل ما هو إيجابي، أم أن الولايات المتحدة نجحت في «إقناع» الرياض أن اتفاقات المصالحة لا تشكل ضمانات كافية لصون أمن البلاد، وهل تقبل إسرائيل بأن تتفوق عليها العربية السعودية في الامتيازات الأمنية الممنوحة من الولايات المتحدة.
أما السؤال الجوهري الذي لا يتوفر له جواب فهو: هل تنازلت العربية السعودية عن مبادرة السلام العربية، التي هي صاحبتها في الأساس، والتي أعادت جامعة الدول العربية التأكيد عليها في «قمة جدة» الأخيرة، والتي يعيد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التأكيد عليها كلما أثيرت مسألة «التطبيع» مع إسرائيل، مشترطاً لذلك الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة.
وفي هذا السياق، وإذا ما افترضنا نجاح مبادرة الرئيس بايدن، وتوصلت الإدارة الأميركية الحالية إلى إعادة إنتاج «صفقة القرن» الجديدة بصياغة الحزب الديمقراطي، فما هي تداعيات ذلك على الأوضاع الفلسطينية.
المعلومات كما كشفت عنها الصحافة الإسرائيلية تقول: أن الرياض اشترطت على الولايات المتحدة أن تتراجع حكومة نتنياهو عن ضم الضفة الفلسطينية، وهذا شرط من شأنه أن يذكرنا بشروط دولة الإمارات العربية المتحدة، لـ«تطبيع» العلاقات مع إسرائيل، حين أكدت أن إسرائيل وافقت على وقف الاستيطان، انخرطت دولة الإمارات في «تحالف أبراهام»، وعقدت مع إسرائيل سلسلة واسعة من التحالفات في العديد من الميادين، دون أن يتوقف الاستيطان، بل وانتقل المشروع من استيطان ذي حدود، إلى الضم الشامل، وبالتالي هل تقبل إسرائيل وحكومة الثلاثي الفاشي بالتراجع عن مشروع الضم، وعن المبدأ القائل بأن (فلسطين) كلها من البحر إلى النهر ملك للشعب اليهودي حصراً، وهل تستطيع حكومة نتنياهو أن تلبي هذا الشرط، أم أن الأمر لن يتعدى كونه كلاماً فارغاً، كالكلام الفارغ الذي باعته دولة الإمارات إلى الشعب الفلسطيني، وإلى سلطة الحكم الإداري الذاتي في رام الله.
وثمة حديث عن دعم سخي للفلسطينيين تقدمه العربية السعودية، وعن تسهيلات إسرائيلية لسلطة الحكم الإداري الذاتي في رام الله، دون الحديث عن دولة فلسطينية، فهل تراجع المشروع الوطني الفلسطيني إلى حدود «الحل الاقتصادي» … إدارة ذاتية، في ظل أوضاع اقتصادية، توفر للفلسطينيين شكلاً من أشكال «الرخاء الاقتصادي»، بحيث يشعرون «بالاستقرار» ويفكون ارتباطهم بـ«الأعمال الإرهابية» في خطة تعتقد الولايات المتحدة وإسرائيل أنها كفيلة بإلغاء الأسباب التي شجعت الفلسطينيين على تأييد المقاومة، واعتبارها خياراً بديلاً لـ«اتفاق أوسلو».
تبقى القطبة المخفية: ما هو موقف القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية؟! مع إدراكنا العميق أنها ممن يتابعون باهتمام تطورات مبادرة بايدن.
هل تتقبل (وترحب) بهذا المشروع، باعتباره يضمن لها استقراراً للسلطة، سياسياً واقتصادياً ومالياً، وهل تحاول أن تبيع هذه الموافقة على أنها خطوة تكتيكية هدفها الحفاظ على السلطة، باعتبارها المحطة الانتقالية لقيام الدولة الفلسطينية، وأن ما يجري من شأنه أن يشكل «حماية» لـ«حل الدولتين».
ثم أخيراً وليس آخراً، ما معنى أن تطالب السلطة الفلسطينية في هذه الفترة بالذات الرئيس بايدن، أن يطلق مبادرة لـ«حل الدولتين»، هل هي مصادفة إذا كانت كذلك فيا لها من مصادفة غريبة ؟!.