كورونا ومصير البشرية المشترك
كورونا ومصير البشرية المشترك
تربط أجزاء العالم علاقات عديدة ومتشعبة أصبح معها من الوهم الظن أن تظل أية بقعة من المعمور في مأمن مما يقع خارجها.
هكذا فإن الانهيار الذي عرفه النظام الرأسمالي في 2008 والذي يستمر في شكل ركود اقتصادي عميق لا زالت انعكاساته الاجتماعية والاقتصادية السلبية الخطيرة (تزايد الفقر والبطالة والأمراض والحروب وما تؤدي إليه هذه العوامل من تهجير لعشرات الملايين من الناس) تلقي بضلالها على الأغلبية الساحقة من شعوب العالم.
كما أن التدمير المتسارع للبيئة والذي أدى إليه نمط الإنتاج الرأسمالي ولم تشهده أنماط الإنتاج السابقة (العبودية والفيودالية والقبلية…) ينعكس سلبا على كل شعوب العالم، بل أصبح يهدد البشرية بالفناء.
وأخيرا، فإن وباء كورونافيروس والذي سبقته أوبئة أخرى وستليه أوبئة أخرى لا تقل فتكا قد كشف أن مصيرنا واحد.
إن العوامل المذكورة أعلاه تبين حقيقتين أساسيتين:
– أن النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد حاليا في العالم قد أصبح، ليس معرقلاً للتطور فحسب، بل مهددا لاستمرار الحياة في الأرض.
– أن تضامن وتآزر وتعاون الشعوب أصبح ضرورة حيوية لا محيد عنها لاستمرار الإنسان، على عكس قيم الفردانية والتنافس والجشع والانعزال والشوفينية والعنصرية التي تنشرها الثقافة السائدة.
هكذا توجد البشرية أمام مفترق طرق: إما البربرية وربما الفناء أو بناء نظام اجتماعي واقتصادي يجعل الإنسان، وليس الرأسمال، في مركز الاهتمام ويجعل من التعاون والتآزر والتضامن بين الشعوب قيما أساسية لبناء حضارة إنسانية راقية تضمن للجميع شروط ازدهار طاقاته.
والحال أن الثورة العلمية والتقنية وما أدت إليه من نمو هائل لقوى الإنتاج توفر إمكانية عيش كل سكان العالم عيشا كريما لو استعملت لتلبية الاحتياجات المادية والمعنوية للناس عوض تكديس الخيرات في يد أقلية قليلة من الرأسماليين الكبار.
إن الشروط الموضوعية (التطور النوعي لقوى الإنتاج وضرورة استمرار الإنسان على قيد الحياة) والوعي المتنامي بأن العالم أصبح قرية والذي قد يساهم فيه التطور النوعي الهائل لوسائط التواصل بين الناس وبأن مصيرنا واحد يعطينا الأمل في أن تستطيع البشرية رفع هذا التحدي. وهو ما يتطلب من كل ضمير حي العمل باستماتة وتفان لترجيح كفة الإنسان على الرأسمال وكفة التضامن والتآزر والتعاون بين الشعوب على كفة الأنانية والفردانية والجشع والتنافس والشوفينية والعنصرية.