غضب عارم في قطاع التعليم لمواجهة هجوم الدولة عليه
غضب عارم في قطاع التعليم لمواجهة هجوم الدولة عليه
يعيش قطاع التربية والتكوين خلال السنوات الأخيرة على إيقاع تصاعد الاحتجاجات دفاعا عن التعليم العمومي وعن مكتسبات وحقوق العاملات والعاملين فيه؛ مما يطرح التساؤل حول أسباب ونتائجها وكيفية تعامل الدولة معها.
إن التعليم حق مؤسس لعدد من حقوق الانسان الأساسية وتوفيره يساعد على توفيرها؛ وهو بوابة نحو الرقي والتقدم رغم توظيفه من طرف الكتلة الطبقية السائدة لخدمة مصالحها، ولا تنمية ولا ديمقراطية دون الولوج منها؛ لذلك يجب على الدولة ضمان توفير تعليم جيد مجاني ومنصف للجميع. غير أن السياسة المخزنية كانت ولا زالت عكس هذا الشعار. فرغم كل المناظرات والبرامج والمخططات حول “إصلاح التعليم”، ظل القطاع يعيش مسلسلا عنوانه الفشل، لأنها كانت محكومة بإملاءات المؤسسات المالية الدولية وبجشع الكتلة الطبقية السائدة. والحقيقة المرة التي لا يتم تداولها كثيرا هي أن النظام لم تكن له أبدا نية إصلاح التعليم، بل على العكس من ذلك تماما قرر منذ انتفاضة 23 مارس 1965 الحد من عدد الملتحقات والملتحقين بصفوف الدراسة اعتبارا لكون التعليم يخرج المعارضين لحكمه؛ وتم الإعلان عن ذلك في مشروع بنهيمة والمخطط الثلاثي الذي تلاه؛ وظل هذا التوجه متحكما في السياسة التعليمية إلى اليوم. والنتيجة الواضحة لهذه السياسة هي نسبة الأمية المرتفعة التي تتجاوز 32%حسب الاحصائيات الرسمية.
ويمكن تلخيص الأهداف الأساسية للسياسة المخزنية الحالية في مجال التعليم، والتي نجدها متفرقة في الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار وغيرهما من القوانين والبرامج والخطط وفي إملاءات المؤسسات المالية الدولية المانحة، في ما يلي:
• توجيه التعليم لخدمة مصالح الكتلة الطبقية السائدة من خلال ترويج أيديولوجيتها وإنتاج قوة العمل التي هي في حاجة إليها؛
• تفكيك المدرسة والجامعة العموميتين من أجل استباحتهما أمام جشع الرأس مال وتسهيل كل أشكال الخوصصة؛
• تقديم كل أشكال الدعم لمؤسسات التعليم الخاص، بما فيها الدعم المالي، على حساب التعليم العمومي؛ واعتماد كل أشكال الخوصصة لإضعاف المدرسة العمومية والجامعة العمومية؛
• تملص الدولة من مسؤوليتها في ضمان الحق في التعليم؛
• تملص الدولة من مسؤوليتها وتخليها عن تمويل التعليم، من خلال تنويع مصادر التمويل والمناورة من أجل ضرب مجانية التعليم، والتفويت التدريجي للتعليم للجهات؛
• إدخال الهشاشة للقطاع من خلال التشغيل بالعقدة والعمل في اتجاه إقبار مكتسبات وحقوق الموظفات والموظفين وضرب حقهم/هن في الاستقرار الاجتماعي والمهني والنفسي، والتلويح بتحويل الجميع إلى أنظمة خاصة بأطر الأكاديميات الجهوية والقضاء على الوظيفة العمومية في القطاع.
وترافق هذا الهجوم الكاسح للدولة المخزنية على التعليم العمومي من أجل تسليعه وعلى مكتسبات وحقوق العاملات والعاملين مع تزايد جشع الرأسمال العالمي والمحلي واصراره على افتراس المدرسة والجامعة العموميتين. وما زاد الطين بلة ورفع من منسوب الغضب في القطاع استهتار الدولة المخزنية بمطالب الشغيلة التعليمية بكل فئاتها وبنقاباتها المناضلة، وانفرادها باتخاذ كل القرارات المتعلقة بالقطاع.
وكانت نتيجة تغول سياسة الدولة المخزنية في قطاع التعليم تعميم الغضب والقلق وسط القطاع وتوسع وانتشار دائرة الاحتجاج وتوالي الأشكال النضالية للنقابات والتنسيقيات التعليمية. ويخوض حاليا عدد من الفئات التعليمية معارك بطولية دفاعا عن مطالبها المشروعة؛ ويؤكد صمود وإصرار الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد الرفض الشعبي لسياسة الدولة في مجال التوظيف في القطاع ومحاولتها إدخال الهشاشة إليه؛ كما قرر التنسيق النقابي الثنائي بين النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والجامعة الوطنية للتعليم / التوجه الديمقراطي برنامجا نضاليا يبدأ من اعتبار يوم الخميس 19 مارس 2020 يوم احتجاج وطني مشترك محليا وإقليميا وجهويا، ويوم الثلاثاء 24 مارس 2020 يوم إضراب وطني ووقفة احتجاجية أمام وزارة التربية الوطنية على الساعة 10 صباحا، ومسيرة نحو البرلمان.
إن من أسباب ضعف مردودية النضالات البطولية التي خيضت في القطاع التشتت الذي طبعها، وتركيز كل فئة على مطالبها، الشيء الذي سهل على الدولة التعامل معها وامتصاص تأثيراتها؛ ولإعطاء أفق رحب لهذه النضالات يجب العمل على توحيدها وضمان الدعم الشعبي ودعم الجبهة الاجتماعية لها وربطها بالنضال الشعبي العام.