عن مذكرات الرفيق بوبكر الخمليشي: جذور وسيرورة التحرر

جذور وسيرورة التحرر عنوان الجزء الأول من مذكرات أبو بكر الخمليشي، أحد قيادات الجيل الثاني بمنظمة إلى الأمام، جاءت هذه السيرة مختلفة، لا تشبه مذكرات المعتقلين السياسيين لنفس التجربة، أو غيرها، بل هي كتابة متحررة من كل قيود وقوالب كتب السيرة، لا تهتم كثيرا بالخط الزمني، تقف بمحطات ومنعطفات حياة حاسمة، والانتقال لإبداء ارتسامات وشهادات في حق صداقات وعلاقات إنسانية مستمرة، أو مفتقدة.

هي رحلة حياة انطلقت من حاضرة ترجيست والنواحي، حيث نشأ بأسرة ممتدة، بإرث رمزي-تاريخي (الزاوية الخمليشية)، فأبوبكر الخمليشي هو حفيد الشريف الفلاح المثير للجدل بحياته ومماته. بعدها سينتقل لتطوان لمتابعة الدراسة، ثم إسبانيا وغيرها من الأمكنة.

باقي فصول السيرة طبعتها التلقائية في السرد الأقرب للبوح، وقفت عند المنعطفات التي ساهمت في تشكل الوعي السياسي لدى السارد، وكيغ انصهر من داخل علاقات إنسانية بأمكنة عدة كان لها الأثر في تشكل شخصية أبوبكر الخمليشي.

لا يسرف أبوبكر في الحديث عن المهام والمسؤليات التنظيمية، تحمل مسؤولية القيادة رفقة أربعة رفاق أبرزهم الشهيد أمين تهاني، والأدوار اللوجستية، تهريب الوثائق والمجلات والمنشورات من الخارج للداخل، وترتيب عملية إخراج المناضلين المتابعين للخارج،من بينهم عزيز المنبهي والآخرون، ثم الوقوع في الاعتقال والحكم بعشرين سنة.

لا يقف المعتقل السياسي أبوبكر طويلا عند تجربة السجن وما يرافقها من تعذيب وقساوة الاستنطاق، والتي نجدها بتفصيل طويل بمذكرات لمعتقلين سياسيين آخرين، غير أنه يركز على المعتقلين الذين سيلتقي بهم من داخل السجن واللحظات المنفلتة عن أعين السجان، وكيف كان يوزع على رفاقه الابتسامة في عز تلك الظروف القاسية.

يقف بوبكر عند علاقات إنسانية وصداقات كان لها الأثر خلال مساره السياسي والإنساني، رفاق درب داخل وخارج السجن يرصد مسار حياتهم ومآلها، زملاء دراسة، أطباء ، عائلة، إخوة..بل حتى مفتش الشرطة التي أنقذ حياته عند محاولته الانتحارية، حراس السجن أيضا، ليصل في النهاية لأمين وغادة أ ولاده.

لم يتناول أبوبكر في سيرته السجال السياسي، والمخاض التي عاشته المنظمة، واكتفى بإبداء بعض الرأي عرضا. في المقابل يقوم بتقييم تجربة حياته الخاصة ومدى وفاءه لصداقات وعلاقات إنسانية يعترف بالتقصير والجحود اتجاهها في زحمة مشاغل الالتزام السياسي.

في انتظار صدور الجزء الثاني والثالث من سيرة المناضل الاستثنائي أبوبكر الخمليشي، يمكن القول أن هذه الوثيقة التاريخيّة والأدبيّة لتجربة سياسية محرقة، كان بالإمكان أن يتم صدورها بدار نشر تساهم في توزيعها بشكل أوسع، وبإيداع قانوني يحفظ حقوق المؤلف.

أيضا هناك حاجة للمراجعة والتنقيح وإعادة بناء بعض الفصول والفقرات، وتجاوز بعض التكرار الوارد بهذا الجزء، وهو ما قد يتم تداركه خلال الطبعة الثانية من هذا العمل المميز.