وين الملايين وين؟ صرخة من تحت الركام بعد أكثر من 600 يوم من حرب الإبادة في غزة

وين الملايين وين؟ صرخة من تحت الركام بعد أكثر من 600 يوم من حرب الإبادة في غزة




وين الملايين وين؟
صرخة من تحت الركام بعد أكثر من 600 يوم من حرب الإبادة في غزة

1وسام-زغبر-541x500 وين الملايين وين؟ صرخة من تحت الركام بعد أكثر من 600 يوم من حرب الإبادة في غزة
وسام فتحي زغبر:
عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
بقلم: وسام فتحي زغبر




“وين الملايين وين؟ وين الشعب العربي وين؟”
صرخة دوَّت ذات يوم في الشوارع والساحات العربية، فحرّكت ضمائر وأوقدت شعلة التضامن. اليوم، وبعد أكثر من 600 يوم من حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، تعود هذه الصرخة لتجلجل في الآفاق، لا كأغنية وطنية، بل كنداء استغاثة حارق يخرج من تحت الركام، من أفواه الأطفال الجوعى، من قلوب الأمهات المكلومات، ومن عيون الأيتام الباحثين عن دفء فقدوه إلى الأبد.

أكثر من 600 يوم من القصف، والتجويع، والتهجير القسري، والعزل الكامل. مجازر متواصلة، تطال البشر والحجر، تستهدف البنية التحتية والذاكرة الوطنية، وتضرب عُمق الحياة المدنية، ضمن خطة ممنهجة لتدمير غزة وتهجير أهلها وتصفية القضية الفلسطينية. ومع ذلك، يُصرّ شعبنا في القطاع الصامد على التشبث بأرضه، متسلحاً بالإرادة، والكبرياء، وروح المقاومة.

في المقابل، يتصاعد سؤال موجع لا مفرّ من طرحه: أين الملايين من أبناء أمتنا؟ أين الغضب الشعبي العربي؟ أين التضامن الذي عهدناه في زمن الانتفاضات والمجازر السابقة؟ لماذا خفُت صوت الشارع العربي، بينما ترتفع في غزة أصوات الاستغاثة والبطولة؟

نُدرك حجم القمع والاستبداد والتضييق على الحريات الذي تعيشه كثير من الشعوب العربية، ونعلم أن الأنظمة عملت على كيّ الوعي وتصفية الحس القومي، لكننا لا نستطيع أن نقبل بأن تتحول القضية الفلسطينية – وهي جوهر الصراع في المنطقة – إلى خبر عابر على شاشات ممسوخة، أو إلى تغريدة موسمية تنتهي مع انتهاء العدوان الإعلامي.

ولعلّ موقف جامعة الدول العربية يعكس بؤس الواقع الرسمي العربي، إذ لم تتجاوز ردودها على المجازر اليومية سوى إصدار بيانات شجب وإدانة خجولة، لا ترقى إلى مستوى الجريمة المستمرة بحق الإنسانية. بيانات جوفاء تكرّر نفسها منذ النكبة، وكأن الجامعة تحوّلت إلى أرشيف للبيانات لا مؤسسة فاعلة تعبّر عن ضمير الأمة. لم نرَ تحركًا سياسيًا حقيقيًا، أو خطوات دبلوماسية ضاغطة، أو حتى جهودًا قانونية لملاحقة قادة الاحتلال كمجرمي حرب. وما لم تتحول هذه المؤسسة من عبء شكلي إلى كيان فاعل، ستبقى الشكوك قائمة حول دورها وجدواها.

الصمت الرسمي العربي بلغ حدّ التواطؤ، والتطبيع مع العدو الصهيوني بات سياسة مكشوفة عند بعض الأنظمة. لكن الأمل كان – ولا يزال – في الشعوب. في إرادتها. في وعيها. في قدرتها على تجاوز الحواجز المفروضة عليها. لأن ما يجري في غزة ليس شأناً فلسطينياً فقط، بل قضية أخلاقية وإنسانية وسياسية تمسّ كل حرّ في هذا العالم، وتمسّ ضمير كل عربي يدّعي الانتماء لأمته.

اليوم، نحن بأمسّ الحاجة إلى إعادة إحياء الفعل الشعبي العربي، إلى إعادة بناء جدار التضامن الذي كُسر، وإلى رفع الصوت العربي المجلجل في وجه القهر، نصرة لغزة وللمقاومة وللحرية.

آن الأوان لتعود الصرخة من رحم الغضب والوفاء:
وين الملايين وين؟ وين الشعب العربي وين؟
فغزة لا تسأل عن المعونات، بل تسأل عن الضمير، عن الكرامة، وعن الفعل.