السياسة المغربية في القارة الإفريقية
معاد الجحري
السياسة المغربية في القارة الإفريقية
1) لفهم لب السياسة المغرب في القارة الافريقية ينبغي دراسة المبادرات الملموسة التي يقوم بها المغرب وعدم الارتكان للتصريحات والخطب الرسمية فقط. فالسياسة الخارجية هي في الواقع، امتداد لمصالح الكتلة الطبقية السائدة وتوفيق بين انشغالاتها الداخلية والضغوطات الدولية. لقد كانت ولازالت السياسة الخارجية للمغرب مجالا محفوظا للملك الذي يحدد التوجهات الكبرى والأساسية فيما التنفيذ يعود لوزارة الخارجية كواحدة من وزارات “السيادة”.
2) يؤسس المنظور الرسمي لعلاقة المغرب مع البلدان الإفريقية على روابطه التاريخية مع بلدان القارة: التجارة عبر الصحراء ما بين القرنين 13 و16 (ومنها تجارة العبيد المسكوت عنها وهو ما يستوجب قيام المغرب بتقديم نقد ذاتي واعتذار واضح) وعلاقات البيعة (نهاية القرن 16) وشبكة الزوايا (ما بين القرنين 17 و18) وخلال الفترة الاستعمارية وفترة الحرب الباردة وتموقع النظام المغربي إلى جانب حلفائه من الأنظمة الديكتاتورية والرجعية (الزايير وإفريقيا الوسطى نموذجا).
3) لتطوير علاقاته الدولية عموما، قام المغرب بعصرنة وزارة الخارجية والتعاون الدولي من حيث تنويع الأطر وتأنيثها والرفع من ميزانيتها وتعزيز دور ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني في إطار الديبلوماسية الموازية (عدد من الهيآت منها أماديوس) وكذلك الأحزاب السياسية المندمجة في “السيستيم” حتى ولو كانت في المعارضة اليسارية.
– الدبلوماسية الاقتصادية: وترتكز إلى كون المجال الاقتصادي يخضع بالضرورة لإكراهات السياسة الخارجية وأيضا إلى كون السياسة الخارجية يجب أن تكون في خدمة الاقتصاد. وهكذا يصبح الاقتصاد رافعة من رافعات الديبلوماسية والمقاولون سفراء وفي كل سفارة لجنة مكلفة بتمثيل مصالح المقاولة. وترتكز الديبلوماسية الاقتصادية المغربية أساسا على القطاع البنكي والاتصالات والهولدينغ والصناعة والى حد ما البناء والأشغال العمومية والبنيات التحتية وتدبير الماء والكهرباء والفلاحة.
أبرم المغرب المئات من اتفاقيات التعاون الاقتصادي والثقافي مع عدد من البلدان الإفريقية ومكنت جولات الملك، مرفوقا برجال الأعمال، في السنوات الأخيرة من توقيع اتفاقيات شراكة بين الدولة والقطاع الخاص أو بين القطاع الخاص من الجانبين (حوالي 500 في حدود 2017).
– الدبلوماسية الإنسانية: وتشمل بناء المستشفيات والمستوصفات والتبرع بالأدوية والتجهيزات والمعدات الطبية ومواد غذائية والقيام بحملات طبية وتعد الوكالة المغربية للتعاون الدولي الجهاز المخول للسهر على متابعة تنفيذ هذه الإجراءات.
– الديبلوماسية الدينية: يقودها طبعا مسؤولون من الدولة مستفيدين من مؤسسة إمارة المؤمنين كما يتم تسخير مسؤولي الزوايا ومنظمات غير حكومية لدعم الزوايا في افريقيا الغربية وبناء المساجد وتوزيع نسخ من القرآن وتكوين الأئمة وبلورة سياسة ما يسمى بالأمن الروحي عن طريق دعاية إيديولوجية رجعية.
4) عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي:
قرر المغرب العودة إلى المنتظم الإفريقي في يناير 2017 ولا شك أن الدولة المغربية وعت بأن الخروج من الاتحاد الإفريقي يعد خطأ استراتيجيا لأنه حرم النظام المغربي من إمكانيات الدفاع عن رؤيته ومصالحه والتأثير على القرارات المتخذة من طرف هذه الهيأة.
وبهذه العودة سيجلس ممثلو النظام في نفس الفضاء مع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وسيربط علاقات جديدة مع بلدان إفريقية تعترف بها ويؤشر هذا على رؤية براغماتية يحكمها الهاجس الاقتصادي بالأساس مع محاولة إبعاد الاتحاد الإفريقي ما أمكن عن ملف الصحراء. لكنه فشل في هذا المسعى وذلك في القمة 30 (يوليوز 2017) وفي القمم التي تلتها.
5) حجم الاستثمارات المغربية في إفريقيا
المغرب هو ثان مستثمر إفريقي بعد جنوب إفريقيا وأول مستثمر إفريقي في مجموعة بلدان إفريقيا الغربية التي تقدم بطلب الانضمام إليها. لكن استثماراته موجهة بشكل رئيسي إلى قطاعات غير منتجة مثل التأمينات والأبناك والاتصالات رغم كونها تمكن هذه المجموعات من أرباح عالية. وتهيمن الأبناك المغربية على بلدان إفريقيا الغربية، كما أن العائلة الملكية من خلال مناجم والتجاري وفا بنك هي الفاعل الاقتصادي الأساسي بعيدا عن عثمان بنجلون وحفيظ العلمي.
الحقيقة أن استثمارات المغرب ومبادلاته مع البلدان الفرنكفونية نفسها تبقى ضعيفة نتيجة ضعف التكامل الاقتصادي واللوجستيك ومشاكل التعرفة الجمركية وغيرها، فمجموع استثمارات المغرب في إفريقيا كلها يقدر بحوالي 2.2 مليار دولار سنة 2017 ولا تمثل الاستثمارات المباشرة الخارجية المغربية بالنسبة لساحل العاج سوى حوالي 6 في المائة سنة 2014.
ويواجه المكتب الشريف للفوسفاط منافسة قوية من الصين والولايات المتحدة الأمريكية. وفي الإجمال يصطدم طموح المغرب بحدود اقتصاده كاقتصاد تبعي يحتل موقعا متخلفا ضمن قسمة العمل الدولي وبالتالي فهو عاجز على تحدي المنافسة الدولية بمنتوجات ذات جودة مقبولة وقيمة مضافة معتبرة.
6) المجال الفلاحي:
– المبادرة من أجل ملائمة الفلاحة الإفريقية:
يروج المغرب للمبادرة من أجل ملائمة الفلاحة الإفريقية مع التغير المناخي التي أطلقها سنة 2016 بمناسبة القمة 22 حول المناخ بمراكش.
وتدعي هذه المبادرة تحقيق الأمن الغذائي للقارة الإفريقية عن طريق مراعاة وملائمة طرق الاستغلال والإنتاج واحترام البيئة ودعم قدرات مختلف الفاعلين وتمكين فئات الفلاحين الأكثر هشاشة من الدعم المالي وكل ذلك في إطار الاستراتيجيات المحددة على الصعيد الوطني لكل بلد (تدبير أمثل للمياه والتربة والتأثيرات المناخية كالسقي بالتقطير، تدبير المخاطر عن طريق أنظمة التوقع الخاصة بأحوال الطقس، حسن تدبير جني المحاصيل وتخزينها وبيعها، تمويل الدول وكذا الفلاحين عبر إدماجهم في النظام البنكي…)
وعندما نبحث عن الجهات الممولة نجد البنك العالمي (حالات المغرب، مالي، ساحل العاج، زامبيا وغيرها).
ومن أبرز المعيقات في وجه هذا التوجه على افتراض جديته، القوى الامبريالية والطبيعة التبعية للأغلب الأنظمة القائمة والطبقات السائدة التي تستند إليها علما أن هذه المبادرة مدعومة أيضا من طرف القطاع الخاص في مجال الصناعات الغذائية وهو أكبر مسؤول عن الغازات المسببة للاحتباس الحراري في المجال الفلاحي ما يعني أن تسويقه لهذه المبادرة إنما يندرج في باب الدعاية الرخيصة أكثر منه استعدادا لاحترام البيئة والتوقف عن تدمير الطبيعة جريا نحو المزيد من نهب أراضي وخيرات الشعوب والاستغلال المكثف للطبقة العاملة وتكديس الثروات في يد أقلية مفترسة. لا ننسى أن إحدى الشركات المتخصصة في تلفيف المنتوجات الفلاحية استقدمت 500 عامل/ة من السنيغال وأن حوالي 3 ألاف عامل/ة من بلدان افريقية يعملون في ضيعات فلاحية بالجنوب (نواحي أكادير) في ظروف كارثية.
هذا التوجه، أكدته مواقف عدد من المنظمات المناضلة من أجل السيادة الغذائية والحفاظ على البيئة عبر العالم. ولا شك، إن إلقاء نظرة مركزة على السياسة الفلاحية الرسمية في بلادنا سيؤكد هذه الخلاصة.
– السياسة الفلاحية للمغرب: فاقد الشيء لا يعطيه.
تقوم السياسة الفلاحية للمغرب على مخطط المغرب الأخضر الذي تم استبداله مؤخرا بالجيل الأخضر.
مخطط المغرب الأخضر الذي تم اعتماده ابتداء من سنة 2008 يقوم على أساس النهوض بفلاحة عصرية ومنافسة وذات قيمة مضافة كبيرة موجهة للتصدير يريد أن يجعل منها محركا للاقتصاد الوطني.
لقد فشل هذا المخطط فشلا ذريعا في تحقيق الأهداف التي حددها رغم الغلاف المالي الضخم المخصص له (150 مليار درهم) ومضاعفة ميزانية وزارة الفلاحة خمس مرات في العشر سنوات الأولى من تطبيقه، ورغم الإعفاءات الضريبية الهامة والدعم السياسي الذي تلقاه صديق الملك، وزير الفلاحة السيد عزيز أخنوش ورغم أن نسبة التساقطات كانت أفضل خلال مدة تطبيق المخطط.
فالناتج الداخلي الخام الفلاحي تميز بعدم الاستقرار وظل مرتهنا بشكل تام للأمطار وهو الأمر الذي انعكس سلبا على نسبة النمو الاقتصادي إجمالا. وظلت الإنتاجية هزيلة وغبر قابلة للمقارنة مع مثيلاتها في البلدان المتقدمة (حوالي 15 قنطار من القمح للهكتار). أما الفلاحات التصديرية، خاصة ما يتعلق بزيت الزيتون والحوامض، والتي شهدت توسعا كبيرا للمساحات المزروعة، فإنها لم تواكب بمجهود لتحويلها، والحصيلة كانت هي الكساد في العديد من الأحيان (حالة الكليمنتين، تراجع صادرات زيت الزيتون). وهكذا تعمق عجز الميزان التجاري الفلاحي حيث نسبة تغطية الصادرات للواردات تمثل حوالي 50 في المائة. وعلى مستوى التشغيل، كان الهدف المحدد من المخطط الأخضر هو الوصول إلى 1,5 مليون منصب شغل في أفق 2020 فإذا بالقطاع الفلاحي في بلادنا يفقد حوالي 130 ألف منصب شغل في 10 سنوات. ذلك أن المكننة الواسعة للقطاع لم تواكب بتصنيع في المستوى المطلوب. أما السيادة الغذائية فتبقى هدفا بعيد المنال، وهي لم تطرح أصلا من طرف المخطط الأخضر، وهكذا لازالت بلادنا تستورد حوالي 50 في المائة من حاجياتها من القمح و75 في المائة من السكر و95 في المائة من الزيت النباتي.
7) خلاصة:
يسوق المغرب لإفريقيا جملة فارغة، ونموذجا تنمويا فاشلا وهو في حقيقة الأمر مجرد وسيط بين عدد من بلدان القارة والامبريالية الفرنسية على وجه الخصوص وكل هذا كمحاولة للتنفيس عن أزمته الخانقة.