بيان جماهيري صادر عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة
بيان جماهيري صادر عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قطاع غزة
من وسط الألم… نتقاسم الأمل
يا جماهير شعبنا الصامد، يا من تقبضون على جمر البقاء وتتمسكون بالأرض حياةً وهويةً، يا من جعلتم الصبر والإصرار عنواناً لثباتكم ولمقاومتكم، ونبراساً يضيء دروب الأجيال القادمة…
نقف اليوم معكم، ومن وسط الألم نتقاسم الأمل، لنحيي معاً ذكرى الانتفاضة الشعبية المجيدة، وذكرى انطلاقة المارد الجبهاوي الأحمر، التي كانت ترجمةً أمينة لإرادة شعبنا الفلسطيني، ولتعكس عزيمتنا على المضي في طريق الحرية والكرامة، رغم كل ما حاول العدوان أن يزرعه من خوفٍ ويأس.
منذ أن وطأت أقدام أول مستوطن صهيوني أرضنا الفلسطينية، يعيش شعبنا نكبة مستمرة ومحارق لا تنتهي، فكل مرحلة من مراحل الاحتلال كانت اختباراً لصمودنا، ولن تنتهي إلا برحيل آخر مستوطن صهيوني وإنفاذ إرادة المجتمع الدولي، وباستعادة شعبنا حقوقه المسلوبة، وحقه في العيش الحرّ الكرامة على أرضه التاريخية.
عدونا لم يُنهِ محارق الموت والإبادة والاقتلاع والتهجير يوماً، بل كان دائماً ما أن يُجهز شعبنا على أداة من أدوات سياسته العدوانية، يلجأ فوراً لأدواتٍ بديلة، محاولاً التعمية عليها باستخدام الحاجات الإنسانية والمدنية التي كفلتها الحقوق والمواثيق الدولية. وعلى الدوام، كانت محطات نضال شعبنا تشريعاً واستجابةً للإرادة الشعبية التي عبّرت عنها انتفاضاته وانطلاق أحزابه وقواه المقاومة.
اليوم ومنذ سنوات طويلة، يعمل العدو بكل ما أوتي من جبروت وبطش على شطب شاهد تاريخي وقانوني ودولي على نكبة شعبنا وهو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”؛ للإجهاز على حق العودة وحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وتحويلها من قضية سياسية وطنية إلى قضية إنسانية محضة. وإن ما شهدناه من حظر لأنشطة وكالة الغوث وإغلاق مكاتبها بالقدس، وصولاً لاستهداف موظفيها ومقراتها في حرب الإبادة، ومنعها من إدخال المساعدات، وما تلاه من تهجير للاجئين من مخيمات الضفة، واشتراط عودتهم بنزع صفة لاجئ عنهم، كلها مؤشرات كاشفة لأهداف العدو الصهيوني. كما يتمثل استهدافه القاتل في تعطيل برامج الوكالة التعليمية والطبية في غزة بهدف التجهيل، وفتح الطريق أمام المبادرات التعليمية التي تهدد بشطب المنهاج الفلسطيني واستبداله بمنهاج تطبيعي مع العدو.
جماهير شعبنا الصامد والثابت،،،
إن كل ما تقدم، وأمام الحصار والتغييب القسري لبرنامج الإغاثة والتعليم والطبابة بغزة، يتطلب منا كفلسطينيين وطنيين أن نتمسك بالأرض رغم محارق الموت، أن تكون أولى أولوياتنا هي الحفاظ على مؤسسة الوكالة وممانعة ومقاومة أي مخططات للإجهاز عليها. وصحيح أن العدو سلحّ المساعدات للإجهاز على الوكالة ومنعها من إدخالها، ولكن الوكالة لها برامج تعليمية وصحية يجب أن تنطلق وتستمر، وهذا مرهون بوعي شعبنا وإسهاماته.
إن إدراكنا لحجم التحديات التي يفرضها العدو لا يتوقف عند آلة الحرب، بل يمتد ليشمل محاولات تصفية وجودنا وهويتنا ومقدراتنا. وفي مواجهة هذه المخططات الممنهجة، فإن اليوم المطلوب منا بشكلٍ عاجل هو التحرك في مسارات متوازية لتعزيز الصمود وتحصين الجبهة الداخلية:
أولاً: صَوْنُ مؤسسة الوكالة (الأونروا) وحماية الحقوق:
1. ضرورة تمكين إدارة وكالة الغوث من تشغيل مدارسها المتبقية، والطواقم من أداء مهامهم الوظيفية. وفي هذه الخطوة حماية لشاهد قانوني وتاريخي على نكبة شعبنا وطبيعة عدونا الإجرامية.
– هذه خطوة على طريق استعادة الحياة التي عمد العدو على الإجهاز على مقوماتها بغزة طريقاً للتهجير والاقتلاع، ولإعادة أبنائنا لمقاعدهم الدراسية ووضع حد لحرمانهم من حقهم بالتعليم.
– هو طريق آمن لمقاومة أشكال وأدوات الإجهاز على مناهجنا الفلسطينية ومحاولات استبداله بمناهج انتقالية وصولاً لمناهج ومدارس تطبيعية.
– هو طريق لاستعادة الوكالة لدورها في تحقيق عدالة التوزيع والشفافية المفقودة على يد المؤسسات الدولية البديلة.
ثانياً: مواجهة تهجير العقول ومخططات هندسة الوعي:
عدونا لم يتوقف عن عدوانه وحرب الإبادة المستمرة؛ فاليوم يسعى لاقتلاع وتهجير العقول والكفاءات العلمية والمهنية عبر استخدام الحقوق المدنية والإنسانية، وصولاً لما سعى إليه من خلال آلته الحربية. لم تصمت المدافع والطائرات والرصاص بعد، ولم تتوقف المؤسسات الدولية التي استطاع العدو اختراقها وتوظيفها كأدوات للتهجير القصري باستخدام الحاجات الإنسانية من تحويلات علاجية وإجلاء إنساني.
حتى بزغت أدوات جديدة استحدثها العدو عبر المنح والبعثات العلمية لدول صديقة للاحتلال، الهادفة لتهجير الكفاءات، في الوقت الذي جعل فيه من الجامعات والمعاهد والمدارس أهدافاً عسكرية لآلة حربه، رافقها التفريغ الممنهج للكفاءات الطبية من مشافينا الوطنية والأهلية وتوظيفها في مؤسسات دولية برواتب خيالية كخطوة على طريق التهجير.
إن كل هذه السياسات رعاها ولا يزال مكتب صهيوني يتبع وزارة الخارجية في إطار هندسة العقل الفلسطيني بشراكة إمبريالية أمريكية.
إن ذلك يستدعي منا العمل على:
1. بناء برامج توطين الكفاءات العلمية والمهنية.
2. أن تتمسك كل كفاءاتنا بهويتها وأرضها وواجباتها الوطنية والأخلاقية اتجاه شعبها.
3. بناء برامج الممانعة والمقاومة بالتثقيف المجتمعي والوطني.
فشعبنا يشجع التعليم وينظر إليه رأس ماله الفردي والوطني والاجتماعي، وهو عامل أساسي من عوامل الصمود والمقاومة. ولا نمانع، بل نسعى لحصول أبناء شعبنا على المنح والبعثات العلمية غير المشروطة بالتخلي عن هويته أو مكان إقامته. وواجبنا هو توظيف تلك الكفاءات لمشروعنا الوطني وحاجاته الاجتماعية. وما يجري اليوم هو استخدام لحاجة علمية وإنسانية بهدف التهجير القصري للكفاءات، تجريداً من الهوية واقتلاعاً من الأرض.
ثالثاً: مكافحة العبث بقوت الشعب ومحاسبة المستغلين:
إن ما نشهده من عبث متعمد بقوت شعبنا وارتفاع جشع للأسعار، هو خيانة ووجه آخر للعدوان. ففي ظل حرب الإبادة والحصار، يتجرأ بعض التجار على المضاربة بجيوب الفقراء والكادحين، محولين معاناة الناس إلى مكاسب قذرة بالاحتكار والتلاعب، وهذا عبث لا يغتفر. لذا، نؤكد أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وشعبنا لن ينسى. سيبقى جمر هذه المعاناة مشتعلاً، وسنلاحق ونحاسب بكل قوة وطنية كل من عظم معاناة أبنائه في زمن الحرب، وكل من استغل حاجة شعبنا للإثراء غير المشروع. فلا تهدأ لنا ثورة إلا باستعادة كرامة الإنسان وردع المستغلين.
ومن أجل المساهمة في التخفيف من معاناة شعبنا، فإننا ندعو إلى تشكيل لجنةٍ وطنيةٍ مجتمعيةٍ تتمتّع بالصلاحيات اللازمة لمراقبة وتوجيه البرامج الإغاثية التي تنفّذها المؤسسات الدولية والعربية، بما يضمن مواءمتها مع الاحتياجات الفعلية لشعبنا، وتحقيق العدالة والشفافية في التوزيع، وصولاً إلى اعتماد برنامج إغاثة وطني موحّد.
جماهير شعبنا،،،
اليوم ونحن نعيش المحرقة بكل تجلياتها من قتل وتجويع وحرمان في مخيمات النزوح والتهجير، فإن المطلوب منا العمل الميداني العاجل من أجل بلسمة جراح الجماهير، نثبت أقدامها بالأرض، ونعزز عوامل صمودها على طريق تحرير الأرض والإنسان.
إننا نجد في ذكرى انطلاقتنا محطة مهمة على هذا الطريق، لذا فإننا قررنا تسخير عضويتنا وأنصارنا وأصدقاءنا وكافة إمكانياتنا المادية ومواردنا البشرية للعمل التطوعي في التنظيف والترميم وتفقد جموع المحرومين المكلومين بالحصار رغم محدودية الإمكانيات المتاحة، وغياب المؤسسات الحكومية وأساسيات الرعاية الوطنية والمجتمعية، وغياب عدالة التوزيع وعشوائية البرامج الإغاثية المرعية من مؤسسات دولية وإقليمية.
ساعد بساعد ويد بيد، نرمم خيم النازحين، نناضل معهم لتحصيل حقوقهم الإنسانية والمدنية التي يحاول العدو استخدامها طريقاً للتهجير والاقتلاع. إن شعارنا الذي لا يحيد هو: الإنسان أولاً.
في الختام، نُجدد العهد لشعبنا العظيم… العَهدُ لِلشُّهداءِ الأبرارِ الذين عَمَّدوا هذه الأرض بدمائهم، أن نبقى أوفياءَ لمشروعهم. الحُرِّيَّةُ لأَسْرانا الأبطالِ وفي مقدمتهم قائد الصمود الرفيق القائد أحمد سعدات، والشفاءُ العاجلُ لجرحانا الأبيّين.
عاشت مقاومة شعبنا الباسلة. وإننا حتماً لمنتصرون

