كلمة الرفيق عبدالحق الوسولي في ذكرى الشهداء
ذكرى الشهداء: 29 دجنبر 2021
أولا أتقدم بالشكر لحزب النهج الديمقراطي على مواصلته تخليد ذكرى الشهداء كل سنة، كما أتقدم بتحية تقدير واحترام إلى عائلات الشهداء وعائلات المختطفين مجهولي المصير وكافة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا المقترفة في الماضي والحاضر من طرف النظام المخزني وكافة المناضلات والمناضلين المتتبعين لهذه الندوة حتى لا ننسى شهداء الشعب المغربي والمبادئ النبيلة التي ضحوا بحياتهم من أجلها كالحرية والكرامة والعيش الكريم لكل المغاربة، وناضلوا من أجل مجتمع ديمقراطي خال من كل أنواع الاستغلال والاستبداد والتسلط تكون فيه السيادة للشعب حتى يتمكن من تقرير مصيره بنفسه.
إن تخليد هذه الذكرى تحت شعار: ”الحقيقة كاملة ومحاكمة الجناة في ملفات الشهداء والمختطفين جزء من نضال شعبنا من أجل التغيير الحقيقي” تأتي في ظرف يتميز بإجماع الحركة الحقوقية والأحزاب التقدمية والديمقراطية بضرورة إعادة فتح ملف الاختفاء القسري وضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والمطالبة من جديد بآلية مستقلة للحقيقة لمواصلة معالجة هذا الملف وفق الإعلان العالمي للاختفاء القسري والمبادئ العامة للعدالة الانتقالية.
ككل سنة نخلد هذه الذكرى، حيث لم يكشف عن مصير العشرات من حالات الاختفاء القسري كما تسجل اختفاءات جديدة ومحاكمات سياسية صورية نتجت عنها أحكاما قاسية في حق المعتقلين السياسيين.
إننا نخلد هذه الذكرى ومؤسسات النظام الرسمية وشبه الرسمية كوزارة حقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان أصدرت تقاريرها بخصوص الاختفاء القسري وآخرها التقرير الأولي المقدم من طرف الدولة المغربية إلى اللجنة الأممية المكلفة بالاختفاء القسري وكلها تنحو نفس المنحى الا وهو إقبار الحقيقة حول الاختفاء القسري، تارة تدعي أن عدد الحالات العالقة هو 9 ثم انخفضت إلى 6 والآن وصلت إلى 2 حالات حسب التقارير الأخيرة مستغلين بذلك الحجر الصحي. فعوض مواصلة البحث والتحري لمعرفة الحقيقة نصبت نفسها ناطقا رسميا باسم النظام المخزني ومدافعة عنه وخصوصا أمام المحافل الدولية لتلميع صورته. إن الدولة المغربية لا تكلف نفسها عناء مواصلة البحث عن الحقيقة، حقيقة الاختفاء القسري واستشهاد الشهداء وهم في ضيافة الأجهزة القمعية للنظام الاستبدادي ومحاكمة الجناة المتورطين في الاختطافات والتعذيب والقتل بل تعمل المستحيل لطمس الحقيقة وإغلاق الملف. كذلك نخلد هذه الذكرى والتكرار لا زال مستمرا من قبيل الاختطاف، الاعتقال التعسفي، التعذيب، المحاكمات الصورية….
إن اختيار هذا الشعار لهذه الذكرى”الحقيقة كاملة ومحاكمة الجناة في ملفات الشهداء والمختطفين جزء من نضال شعبنا من أجل التغيير الحقيقي” لدليل على أن ملف الإنتهاكات الجسيمة لحقوف الإنسان في الماضي والحاضر لا زال مفتوحا رغم مرور أكثر من 18 سنة على إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة التي سوقت على أنها تندرج ضمن إطار العدالة الانتقالية. إن النضال من أجل الحقيقة ومحاكمة الجناة يندرج ضمن النضال من أجل الديمقراطية والتغيير الحقيقي لإن مفهوم العدالة الانتقالية يركز أساسا على العدالة والانتقال من حكم تسلطي استبدادي إلى حكم ديمقراطي عبر تطبيق مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية تعالج من خلاها ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والغاية من هذا هو عدم التكرار. إن النظام المخزني المرتكب لأفظع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان نظام تسلطي استبدادي يسوده الحكم الفردي المطلق. إن الانتقال الذي شهدته السلطة سنة 1999 لم يغير جوهر الحكم لدى النظام المغربي وبعبارة أخرى لم يشهد المغرب الانتقال من حكم تسلطي استبدادي إلى حكم ديمقراطي بل التجربة المغربية أنجزت في ظل استمرارية النظام المخزني المتسلط والمستبد والنتيجة أن التكرار لا زال قائما والحقيقة التي تعتبر من أهم ركائز العدالة الانتقالية لا زالت غائبة أو بالأحرى مغيبة أما المحاسبة والقصاص وذكر أسماء المجرمين فقد أصبحوا من الممنوعات.
اليوم، وبعد مرور عشر سنوات على صدور تقارير هيئة المتابعة لسنتي 2009 و2010، وبعد العديد من الوعود بنشر التقارير عن نتائج اشتغال لجنة المتابعة في مرحلتها الثانية، يظل الكشف عن الحقيقة غير مكتمل بالنسبة إلى أزيد من 500 حالة بدل حالتين كما يدعي خدام المخزن الأوفياء، ويقصد بالحقيقة في هذا السياق التحديد الدقيق لمصير ضحايا الاختفاء القسري من قبيل الكشف عن مصير الضحية هل هو حي أم متوفى، والكشف عن ظروف وملابسات الوفاة في حالة حدوثها، وليس الاكتفاء بالقول بوجود قرائن قوية على الوفاة دون ذكرها، وتحديد أماكن الرفات بالنسبة لمن ثبتت وفاتهم، وإجراء التحاليل الأنتروبولوجية والجينية للرفات.
ومن أبرز النواقص والقضايا العالقة المسجلة من طرف لجنة التنسيق على التجربة المغربية أثناء معالجتها لملف ماضي الانتهاكات هي:
– عدم وجود الإرادة السياسية للدولة مواصلة التحريات لمعرفة الحقيقة بل تعمل المستحيل لطي الملف نهائيا مستعملة التغليط وتحريف المعلومات للصول إلى نتائج تتناقض مع واقع الحال.
– معرفة الحقيقة لا زال ينقصها الكثير وخصوصا بالنسبة لضحايا الاختفاء ألقسري مجهولي المصير
– العفو على الجلادين في تناقض فاضح مع مبدئ عدم الإفلات من العقاب.
– محو آثار الجريمة والضرر الذي لحق مواقع الذاكرة في تناقض مع مبدئ الحفاظ الإيجابي للذاكرة.
– عدم تقاسم الحقيقة حول ما جرى وعدم تحديد المسؤوليات وشرح الوقائع وأسباب الاختطافات والوفايات.
– ضعف مستوى الشفافية والانفتاح على الضحايا وموافاتهم التقارير التي تهمهم وإشراكهم في القرارات
– تضارب في التقارير حول الحالات العالقة وانعدام الإرادة الساسية لحل المشكل مع العائلات المعنية.
– انشغال المسؤولين بتسويق التجربة دوليا عوض الانشغال بالتسوية الحقيقية الشاملة للملف مما أضاع الكثير من الوقت وسبب الكثير من الألم والإحباط داخل حركة الضحايا وسبب في كثير من التعثر في تسوية الملف.
– إغلاق الملف مع إصدار تقارير غير مطابقة للواقع ومتناقضة عوض مواصلة التحريات.
– غلق باب الحوار وغياب محاور جدي للمرحلة حيث لم نعد نسمع باي هيئة أو أية لجنة للمتابعة.
وانسجاما مع كل ما سبق فقد أصدرت الندوة الدولية التي نظمتها هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على هامش المؤتمر الخامس للمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، بحضور مجموعة من الهيئات الحقوقية والسياسية والنقابية، والتي انعقدت بمراكش بتاريخ 20-21-22 أبريل 2018 توصية من أجل إنشاء آلية وطنية لاستكمال الحقيقة حول ملفات الاختفاء القسري. وهي التوصية التي تبناها المؤتمر الخامس للمنتدى.
وفي سياق هذه التوصية، عقدت لجنة التنسيق لعائلات المختطفين وضحايا الاختفاء القسري بالمغرب المشتغلة في إطار المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، جمعا عاما للعائلات بالرباط بتاريخ 3 مارس 2019 عبرت خلاله العائلات عن تشبهتا بالحق في معرفة الحقيقة حول ذويها من ضحايا الاختفاء القسري، واستكمال الكشف عن الحقيقة بما فيها التحليل الانتربولوجي والجيني بالنسبة للرفات المعروفة أماكن دفنها، وتسليم الرفات للعائلات واتخاذ تدابير لحفظ الذاكرة. خلاصة القول هنا أن الحقيقة لازالت غائبة أو بالأحرى مغيبة.
أما بالنسبة لمحاكمة ومحاسبة الجناة فقد سبق لرئيس الدولة الراحل أن أصدر عفوا شاملا على جميع مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالرغم من تناقضها الصارخ مع القانون الدولي الإنساني كون الجرائم ضد الإنسانية لا يطالها التقادم، بالإضافة إلى المادة 6 من الظهبر الخاص بالنظام الأساسي لهيئة الإنصاف والمصالحة والذي يؤسس للإفلات من العقاب بعدم ذكر الأسماء و عدم إعمال العدالة وبهذا تكون التجربة المغربية قد ضربت بعرض الحائط كل مبادئ ودعائم العدالة الانتقالية (الانتقال من نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي، الحقيقة و عدم الإفلات من العقاب).
خلاصة
ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الماضي والحاضر لا زال مفتوحا لان الحقيقة لا زالت غائبة او مغيبة، خاصة مصير المختطفين مجهولي المصير، والذاكرة يطالها النسيان والتدمير، والتكرار لا زال مستمرا، والافلات من العقاب لازال قائما.