الحكم والدولة
الحكم والدولة
1.تعريف سريع للحكم والدولة:
منذ ظهور المجتمعات الطبقية والحكم تمارسه الطبقة أو الطبقات السائدة المتحالفة على طبقات مسودة بواسطة أجهزة الدولة التي تخدم، بالأساس، مصالح الطبقة أو الطبقات السائدة. وقد تقدم الطبقة أو الطبقات السائدة تنازلات لا تمس جوهر هيمنتها للطبقات المسودة في محاولة للتخفيف من حدة الصراع الطبقي أو منعه من أن يتحول إلى تغيير يعصف بسلطتها أو للحفاظ على الحد الأدنى من التماسك الاجتماعي. وترتكز الطبقة أو الطبقات السائدة، لتبرير سلطتها، إلى عوامل أيديولوجية كالدين أو الوطنية أو الشرعية “الشعبية” أو “الديمقراطية” من خلال الانتخابات أو إدعاء خدمة “الصالح العام”. إذن في المجتمعات الطبقية، الديمقراطية هي ديمقراطية للطبقة أو الطبقات السائدة ودكتاتورية على الطبقات المسودة قد تمارس، بشكل ناعم أوعنيف أو حتى دموي، حسب مستوى احتداد الصراع الطبقي. ليست هناك ديمقراطية كقيمة مطلقة فوق الطبقات وصراعها.
الحكم والدولة هما نتاج تاريخ الصراع الطبقي لمجتمع معين بمختلف أبعاده السياسية والايديولوجية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والذي قد يتخد شكلا سلميا أو عنيفا. هذا الصراع هو الذي يحدد طبيعة الدولة (هل دينية أم علمانية أم طائفية أم غير ذلك؟) وشكلها (هل مركزية أم فيدرالية أم غيرهما؟) وطبيعة الحكم (هل دكتاتوري؟ هل استبدادي؟ هل ديمقراطي بالنسبة للطبقة أو الطبقات السائدة أم ديمقراطي بالنسبة للطبقات الشعبية؟).
2.الحكم والدولة في المغرب حاليا:
في المغرب، الحكم هو حكم الكتلة الطبقية السائدة المشكلة من البرجوازية التبعية للامبريالية، وملاكي الأراضي الكبار. و”الديمقراطية” هي ديمقراطية بين مكونات هذه الكتلة الطبقية السائدة واستغلال واستبداد وقهر للطبقات الشعبية، وخاصة الطبقة العاملة وعموم الكادحين. وهذه “الديمقراطية” هي، حاليا، دكتاتورية ناعمة تتحول، بسرعة، إلى تغول بوليسي وقد تكشف عن وجهها الدكتاتوري البشع أكثر كما وقع في ما يسمى سنوات الرصاص في مواجهة الانتفاضات الشعبية في الريف (1958-59) والدار البيضاء في 1965 و1981 والشمال ومراكش في 1984 وفاس وطنجة في 1990 وذلك مع احتداد الصراع الطبقي وعجز النظام على الاستجابة لأبسط المتطلبات الشعبية.
وترتكز الكتلة الطبقية السائدة، لتبرير سلطتها، إلى الدين والوطنية والشرعية “الشعبية” أو “الديمقراطية” من خلال الانتخابات أو إدعاء خدمة “الصالح العام”.
تمارس الكتلة الطبقية السائدة سيطرتها من خلال ممثلها السياسي الأساسي أي النظام المخزني، وعلى رأسه الملكية، الذي يحتكر السلطات الأساسية (الجيش ووزارات الداخلية والخارجية والشؤون الدينية وقوات القمع والقطاعت الاقتصادية الاستراتيجية..) وجهاز دولتها. وليست الأحزاب الإدارية أو الممخزنة سوى امتداد للنظام المخزني تساعد على تنفيذ التوجهات والاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمخزن وتضفي طلاء “ديمقراطيا” مزيفا (التعددية السياسية المفترى عليها).
تاريخيا، النظام المخزني كان دائما في صراع مع القبائل ولم يكن يتحكم سوى في “بلاد المخزن” التي كانت تتمدد أو تتقلص حسب موازين القوى بينه وبين القبائل، بينما ما كان يسميه المخزن “بلاد السيبة”، فكان يعني المناطق التي كانت تعيش فيها القبائل المتمردة على المخزن والرافضة للضرائب غير الشرعية وسطرت هذه القبائل، بالخصوص، ملاحم بطولية ضد الاستعمار والمخزن، على رأسها ملحمة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي وأيضا حركة الهيبة ماء العينين في الصحراء وموحا وحمو الزياني في الأطلس. ولم يتمكن المخزن والتغلغل الرأسمالي التجاري ثم الاستعماري من القضاء على مقاومة القبائل واحتوائها إلا في الثلاثينات من القرن الماضي. فالمغرب لم يكن دولة مركزية. والاستعمار الفرنسي هو الذي بنى الدولة على النموذج الفرنسي المركزي وحافظ، إضافة للدولة العصرية التي كان يتحكم فيها، على المخزن القديم كخادم أمين له. وارتكزت الدولة والسلطة في المغرب على تحالف بين الاستعمار والملكية إلى حدود 1952 والشبه إقطاع المشكل من القياد الكبار وشيوخ القبائل وشيوخ الزوايا والبرجوازية الكمبرادورية.
3. الحكم والدولة البديلان:
لتحديد طبيعة وشكل الدولة والحكم المنشودين في بلادنا، لابد من الانطلاق من تحديد المرحلة التي يمر منها نضال شعبنا وهي مرحلة التحرر الوطني من الهيمنة الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة وممثلها السياسي (المخزن) وبناء نظام ديمقراطي يجسد سلطة الطبقات الشعبية، وذلك على انقاض “الديمقراطية” المخزنية، “الديمقراطية” التي تجسد دكتاتورية الكتلة الطبقية السائدة. هذه المرحلة تتطلب بناء جبهة الطبقات الشعبية.
إن إنجاز هذه المهمة يستوجب قيادة الطبقة العاملة وباقي الكادحين والكادحات لهذه الجبهة. وهو ما يبينه تاريخ الاستقلالات: فقيادة “البرجوازية الوطنية” أو البرجوازية الصغرى لحركة التحرر الوطني أدت إلى استقلال شكلي لم تستطع القضاء على الاقطاع والكمبرادور وعلى التبعية للامبريالية والقيام بالثورة الزراعية، بل استرجعت هاتين الطبقتين، رغم عمالتهما للاستعمار، مواقعهما كطبقات سائدة. بينما في الدول التي قادت فيها الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين (الصين وفيتنام…) حركات التحرر الوطني، فقد استطاعت القضاء على الاقطاع وانجاز الثورات الزراعية وتحقيق نموها المستقل لمصلحة الغالبية العظمى من الشعب.
إن الدولة التي ننشدها هي دولة ديمقراطية، أرقى من “الديمقراطية” المخزنية، بل حتى الديمقراطية البرجوازية لأنها تخدم، مصالح الطبقات الشعبية، وعلى رأسها الطبقة العاملة وعموم الكادحين باعتبارهم الغالبية العظمى من الشعب المغربي، وتمارس سلطتها على البرجوازية التبعية وملاكي الأراضي الكبار، دولة متحررة من الهيمنة الامبريالية.
إن اغلب الثورات اللاحقة على الثورة الفرنسية قامت على أساس تصور يعقوبي (أي مركزي) لبناء الدولة، وبذلك غيبت التنوع اللغوي والثقافي والحضاري لكل جماعة اجتماعية ذات خصوصيات سوسيو-ثقافية، الشيء الذي استغلته الامبريالية لتفجير التناقضات في هذه البلدان على أساس اثني وعرقي ولغوي. لذلك نتبنى بناء دولة فيدرالية ديمقراطية تعكس ازدواجية اللغة:الأمازيغية والعربية، باعتبارهما اللغتين الأساسيتين للدولة والمجتمع والثقافة. كما تعبر عن التصور السديد للعلمانية القائم على فصل الدين عن الدولة، لكنها علمانية متجاوزة للتصور البرجوازي الذي يعادي الدين من حيث هو عقيدة بل تضمن وتحمي حرية التدين والعقيدة وتدافع عن مفهوم عصري وديمقراطي للمواطنة يتساوى فيه جميع المواطنين، نساء ورجالا، بدون تمييز بسبب اللون واللغة والدين والمعتقد والأصل الجغرافي والنسب والجنس.
إن بناء جبهة الطبقات الشعبية كجبهة ذات طابع استراتيجي لإنجاز مهام التحرر الوطني والبناء الديمقراطي قد يطول وقد يتطلب بناء جبهات تكتيكية واسعة تركز على العدو الاكثر شراسة والذي يقف سدا منيعا أمام أي تقدم في مسار التحرر والديمقراطية. وهذا العدو، الآن، هو المخزن، وعلى رأسه نواته الصلبة المافيا المخزنية التي تتشكل من كبار المسئولين الأمنيين والعسكريين والقضائيين والإداريين والسياسيين والدينيين وعدد من رجال الأعمال والإعلام وكبار مقاولي “المجتمع المدني” الرسمي وبعض كبار المسئولين النقابيين وغيرهم… ممن لهم نفوذ وسلطة أو قرب منها. هذا العدو الذي يجب السعي إلى أن تتكتل ضده كل القوى المناضلة، أيا كانت مرجعيتها الايديولوجية وموقعها الطبقي. وخدمة لهذا الهدف، يناضل النهج الديمقراطي من أجل بناء جبهة ميدانية لقيادة النضالات الشعبية المتفرقة واعطائها أفقا سياسيا.
وبموازاة هذا النضال المشترك في الميدان، لم يتوقف النهج الديمقراطي عن الدعوة إلى الحوار العمومي بين كل قوى التغيير بهدف بناء تصور مشترك للمغرب الذي ننشده قد يضع أسسه دستور ديمقراطي من حيث طريقة بلورته ومضمونه والمصادقة عليه، يضعه مجلس تأسيسي كمعبر عن إرادة الشعب باعتباره صاحب السيادة ومصدر كل السلط، دستور يقطع مع الاستبداد والحكم الفردي المطلق.
دستور يضمن فصلا فعليا للسلط، يقر بهوية الشعب المغربي المتعددة الأبعاد ويفرض التطبيق على أرض الواقع بالثقافة واللغة الامازيغية باعتبارهما ثقافة وطنية ولغة رسمية، يساوي فعلا بين المرأة والرجل في جميع الحقوق والواجبات وعلى جميع المستويات السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويرفع كل مظاهر التقديس عن المؤسسات والمسئولين عنها ويكرس حق النقد لأدائها مساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها من خلال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ويضمن الحقوق الخاصة للمرأة كامرأة وكأم، ويقر العلمانية خيارا يفصل الدين عن الدولة ويمنع الاستغلال السياسي للدين، دستور يضعه مجلس تأسيسي منتخب بشكل ديمقراطي ونزيه.
4. ما العمل الآن:
1.4. الأولويات:
القضية الاجتماعية: الغلاء والشغل والحماية الاجتماعية…
– قضية الحقوق والحريات: إلغاء قانون الطوارئ الصحية، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، مواجهة تغول المخزن…
– قضية السيادة الوطنية والتحرر من هيمنة الامبريالية والتصدي لقاعدتها الأمامية في منطقتنا: الكيان الصهيوني.
2.4. الوسائل والأدوات:
– دعم والانخراط في كل النضالات الاحتجاجية التي تخوضها مختلف الفئات الشعبية وتحصينها وتأطيرها.
– نشر الفكر الوحدوي والدعاية المكثفة للوحدة في النضال لكل القوى المناضلة وتجاوز الفيتويات والاشتراطات والحلقيات.
– تشجيع التنسيق بين الإطارات التي تشتغل في نفس الميدان: مثلا الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد والنقابات التعليمية والحركة الاحتجاجية على الاجراءات الأخيرة (المباريات لولوج الوظيفة العمومية…) واطارات حملة الشواهد المعطلين والحركة الطلابية…
– العمل الجاد من أجل توسيع الجبهة الاجتماعية لتشمل كل القوى الحية والحركات الاحتجاجية والحراكات الشعبية والتنسيقيات والتنسيق مع الإطارات المناضلة في نفس الميدان…
– تشبيك مختلف مكونات الحركة الحقوقية من خلال توسيع الائتلاف والتنسيق مع الإطارات المناضلة في نفس الميدان.
– تقوية وتوسيع الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع مع الكيان الصهيوني والتنسيق مع الإطارات المناضلة في نفس الميدان وكذا الاطارات المناهضة للامبريالية والمساندة لكفاحات الشعوب من أجل تحررها وتقوية وتطوير العلاقات، في منطقتنا والعالم، مع القوى التي تناضل من أجل التحرر الوطني والديمقراطية.
عبد الله الحريف