ثلاثة وخمسون عاما… قلعة شامخة لا تلين
جهاد سليمان\ عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
ثلاثة وخمسون عاما… قلعة شامخة لا تلين
ثلاثة وخمسون عاما، ومطارق العمال ومعاول الفلاحين وأقلام الثوريين وطلقات الفدائيين، تحفر في جبال الضياع والشتات، من أجل تحقيق الممكن لا المستحيل، إنطلاقة شكلت حدثا إستثنائيا في مسيرة الشعب والمقاومة، وتاريخا أعلن بأمانة الثوريين، وبرؤية المناضلين الصادقين، مرحلة كفاحية جديدة، في مسيرة إعادة لملمة وترتيب فسيفساء الهوية الوطنية الجامعة. فتاريخ الثاني والعشرين من شباط 1969، أخرج للحركة الجماهيرية الفلسطينية، فكرا ثوريا طبقيا مسلحا، وهوية نضالية شعبية، تقف على أرضية النظرية العلمية، في تشخيص الأولويات النضالية، وتجترح البرامج النضالية، في كل مرحلة من مراحل الصراع الطويل.
وخلال عقود، حملت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومنذ إنطلاقتها، أدوات تحليل الواقع من أجل تغييره، وسخرت جميع أشكال النضال لخدمة مصالح الأكثرية المكافحة من أجل أرضها وحقوقها الوطنية، فلم تكن الرؤية الأولى، لأبجديات النضال الثوري مضللة، ولم تعش جبهة العمال والفلاحين وعموم الكادحين، نرجسية التضليل على حساب مصلحة الشعب ومستقبل قضيته، لم تترك مقعدا للشعبويين الهائمين بمعزوفات الشعارات الرنانة، ولم تنشد الأغاني المبجلة لنمور من ورق، فشيدت بنيانها التنظيمي، في ميدان العمل الثوري، وفي بلورة منهجية القراءة العميقة، فكانت نقطة التكوين في فن العمل السياسي الواقعي، الواقف على أرضية التكتيك في مسار تحقيق الإستراتيجيا الثورية، ونحتت بحنكة الوطنيين الحريصين، على تمثيل الشعب ومكانته السياسية والوطنية، المؤسسات الجامعة الفلسطينية، وقدمت بمرحلية برنامجها الكفاحي، شعب فلسطين إلى الفضاء العالمي، وأسمعت صوت اللاجئين الغارقين، في مآسي الضياع والتهجير، للعالم أجمع، فأضحى لشعب الجبارين، ممثلا شرعيا ووحيدا، جند كافة أطياف المناضلين، في معركة إنتزاع حق تقرير المصير..
هي ليست المرة الأولى، التي تعبر ومعها، عموم المناضلين والثوريين، نحو عام نضالي جديد، وهي تتعرض لأبشع الحملات اليائسة والموجهة، للنيل من مكانتها ومن مسيرتها النضالية العريقة، فقد كانت الجبهة الديمقراطية وما زالت فصيلا وطنيا ثوريا، تعرض لسهام الإقليميين والإنتهازيين، وفي أشد المحطات المفصلية من تاريخ نضال شعبنا الطويل، ومن عمر ثورتنا الفلسطينية المعاصرة، إلا أنها الصامدة الشامخة، بعموم رفاقها ورفيقاتها، وبأنفاس الأوفياء المكافحين، وبسياستها الثورية العميقة، المنطلقة من مصلحة الشعب ووحدته الوطنية، والرافضة لجميع أشكال الهيمنة وحرف بوصلة النضال، لصالح المشاريع التصفوية، لوحدانية تمثيل الشعب وهويته الوطنية، تقف في موقعها الطبيعي، في تحمل مسؤولياتها التاريخية، وهي تعي جيدا حجم المسؤوليات الوطنية، وحجم الهجمات الغوغائية، إلا أن مصلحة شعبنا ومستقبله الوطني، يبقى المنطلق الذي تبحر من شواطئه، بسارية الوطنية الوحدوية، إلى بر الحفاظ على منجزات شعبنا، التي ضحت من أجلها هذه الجبهة الرائدة، ومعها عموم المناضلين والمناضلات، والثوريين والثوريات، رفضا للخضوع لمشاريع الهيمنة، على تضحيات شعبنا ونضاله، خدمة لمصالح الفئويين والإنتهازيين، بائعي المواقف في سوق عكاظ السياسة.
(53) عاما، دفعت خلالها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، حصتها الوفيرة، من حقوق مناضليها ومناضلاتها، وتحملت جميع سمفونيات التشكيك والتخوين، فلم ترتم في حضن أقليمي، ولم تمد أجساد مناضليها جسورا للعبور، نحو الإمتيازات السلطوية، فكانت الحافظ الأمين، على مفاتيح البيت الفلسطيني، وحارسة أسوار القلعة الوطنية الجامعة، لأبناء الشعب في ارضهم والمشتتين خارجها. فوقفت أمام الفئويين والمتفردين والانقساميين، ومن على أعلى منابر وطنية تصرخ بمعارضتها الوطنية المسؤولة، مقدمة المبادرات الواقعية، التي تحولت بعد حفلات التنكر والتخوين، إلى مطلب يناقش على طاولات الإجماع الوطني، لم تترك ساحة المواجهة يوما واحدا، ولم تهرب من حلبة الإستحقاقات الوطنية الحساسة، ضمن المؤسسات الشرعية المشرعة، بدماء وعذابات شعبنا، بل صعدت في كل جولة تخوض نزالها الوطني الهادف، توجه الإنتقادات في الوجه، وتتلقى الطعنات في الظهر من الغرباء وبعض “حلفاء”، إلا أن بضع كدمات ثمن الإخلاص والوفاء للمبادئ النضالية والثورية، لم تثنها عن مواصلة النزال بالواقعية والحجة، التي مهما علا صوت المشككين، إلا أن محكمة التاريخ وشواهدها، تبرز صحة هذه المواقف المشرفة لجبهة لم تخن تضحيات شعبها، وتبعيه في سوق النخاسة الفئوية، ولم تغلق أعينها عن مستقبل مظلم، تبصره من خلف ستائر الشعارات الرنانة الشعبوية، مشاريع الإنقضاض على ما تبقى من ركائز بناها شعبنا بخطاه الثابتة، على الرغم من صعوبة طريق النضال الشائك.
لقد قالت الجبهة الديمقرايطة في السابق كلمتها، دون الإكتراث لصدى التخوينات الجوفاء، وكرست بنودها السياسية ببندقية القوات المسلحة الثورية، التي سار على هداها فدائيو المقاومة الوطنية، فلم ترم السلاح يوما، وبقيت توازي بين فنون المقاومة الشعبية الشاملة، تجترح أشكال النضال الوحدوي الهادف، إنطلاقا من واقع الساحات وخصوصياتها، لتبقى بيسان وطبريا والطريق إلى فلسطين وعين زيف والناصرة ولينا النابلسي، وآلاف العمليات المشرفة، محطات الكفاح المضيئة في فضاء ترشيحا ومعالوت، فكما مضى زياد وحربي ولينو، على درب الدولة الوطنية، وبرنامجها الكفاحي المرحلي، غير آبهين بجميع التشكيكات بثورية هذه البنادق، وغير مكترثين لشعارات من كالوا الإتهامات الجزاف ووصفوهم بالإنهزاميين، وكما كرست الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، مفاهيم الحرب الشعبية، بفلسفتها للرحم الوطني الجامع، للمقاومة الشعبية الشاملة، الذي أولد إنتفاضة شعبنا العظيم، في حين جهد المتسلقون لقطف ثمار حجارتنا المقدسة، وهي تقذف المحتلين، وتحرق الأرض تحت المستوطنين، وكما حصنت الحقوق الوطنية الفلسطينية، ببرنامجها المرحلي الواقعي، الذي أثبت راهنيته في تمازج النضال الشعبي بين الداخل والخارج..
تمضي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في خياراتها الوطنية، متسلحة بواقعيتها السياسية ومصلحة شعبها المنطلقة من الأمانة الثورية، في الحفاظ على تمثيل الشعب ووحدانيته، وفي مواجهة جميع مشاريع الهيمنة والإقصاء والتفرد، والهبوط بسقف المشروع الوطني، إلى ما دون تطلعات شعبنا، في حين تصدح أصوات العدميين بالشعارات الجوفاء، دون الإجابة عن سؤال البديل!!
لا يهم البحر الهادر خروج الزبد الهش من قعره، فرياح الرفاق والرفيقات الثوريين، المؤمنين والواثقين بجبهتهم وبحزبهم العريق، والثابتين على مبادئ العمل الحزبي الرصين، والمدافعين عن منهجية العمل التنظيمي والسياسي الواقعي، جديرين بتسييج قلعتنا الشامخة، غير مكترثين لزوبعات المراهقة السياسية، في فناجين الحالمين بوطن محرر، من مقاهي الخلطات الإقليمية، فسيروا أيها الرفيقات والرفاق، يا أبناء القاسم والنزال والمجذوب وأبو غوش ونهاية محمد، يا تلاميذ أبا عدنان قيس وأبا خلدون وإبراهيم أبو علبة وخالد عبدالرحيم وأبا أحمد هواري وآلاف الشهداء، يا ورثة المناضلين والثوريين، الذين سقطوا من أجل أن تحيا فلسطين، وعاشوا من أجل فلسطين، وناضلوا وضحوا وسلموا الراية، لهذا الحزب الأمين، أعبروا نحو عامكم الثالث والخمسين، بإرادتكم الصلبة، وبعزيمتكم التي لا تكل ولا تلين، متمسكين بثوابتنا الوطنية، ومتسلحين بمبادئنا الثورية، محافظين على هويتنا اليسارية، أمضوا على خطى الأمين المؤتمن (ابو النوف) وفيلسوف ثورتنا، عندما قال طوبى لمن سار على درب النضال، فالحياة مشوار نضال، لا تلتفتوا للساقطين والإنتهازيين، لا يغركم شعار الإقليميين، لا تنصتوا لمراهقات الهاربين من المواجهة، فأنتم الذين أخترتم هذه المواجهة، وأنتم الذين عريتم صدوركم للسهام، وأنتم تدركون بأن المحصنين بدرع الإنتماء، لا تضره نبال المهزومين، إرفعوا رؤوسكم عاليا بجبهتكم الديمقراطية، التي تختار المواجهة في قلب العاصفة والقرار الصعب، ولا ترتضي المديح من خلف الزجاج، ثقوا بأن قيادتكم الحكيمة، أخذت على عاتقها، أن تقود ركب المعارضة الوطنية المشروعة، بوجه من دمروا مشروع شعبنا الوطنية، ومن إستفردوا بقرارنا الكفاحي، من داخل مؤسسات شعبنا الشرعية، وثقوا أن الإمتيازات لا تغري من إعتاد مواجهة الرياح، ومن وقف على أبواب المخيمات وفي ساحات المواجهة، وفي ميادين الشعب الصارخ بمسيرة النضال والكفاح الطويل، وأعلموا أن المناضلين والثوريين الشرفاء، هم من يتمكنون في كل مرحلة من مراحل الصراع، وفي كل محطة من محطات المواجهة، من إتخاذ المواقف الصائبة، التي تخدم مصالح شعبنا ومستقبله، دون الإنحراف عن مبادئه الثورية، ثقوا بأن رايتكم الحمراء، ستبقى عالية لا تلين، وستبقى ترفرف بسواعد المناضلين والثوريين، حتى تحقيق مشروعنا الوطني، الذي دافعنا وسندافع عنه، مهما إشتدت المحن وتعاظمت المؤامرات..