عندما يغير النظام بارشوكاته
عندما يغير النظام بارشوكاته
عرف عن نظام الحسن الثاني مهارته في صناعة البارشوكات السياسية وكان قد استنبت العديد منها في دهاليز وزارة الداخلية. كان لكل بارشوك مدة صلاحية معينة، فكلما انتهت صلاحية أحدها سارع إلى غيره. لكن وكما كشفت التجربة فإن هذه الصناعة لا تحل أي مشكل بل هي فقط تؤجل الانفجاره لأمد معين. شعر الحسن الثاني بأن الأزمة وصلت لمستوى لن تنفع فيه البارشوكات وهي خطر ما سماه بنفسه بالسكتة القلبية لذلك لجأ إلى أحزاب الحركة الوطنية في صفقة تاريخية تلعب فيها هي دور البارشوك الأخير. إنها لعبت ذلك الدور بجدارة واقتدار، بل ساعدت على الانتقال من نظام ملك مستبد إلى نظام “ملك الفقراء”.
استعمل النظام الجديد-القديم ما تبقى من رصيد البارشوكات القديمة وفي ذات الوقت حاول صناعة بارشوك على المقاس بنفس مواصفات بارشوكات الحسن الثاني المتمثل في حزب البام. لكن لم يكتب لهذا المسعى النجاح بسبب اندلاع حركة 20 فبراير، فتحطم البارشوك وهو قيد الصنع. رغم ذلك وجد النظام في متلاشيات العهد القديم من صناعة إدريس البصري، أحد البارشوكات جاهزا وهو البيجيدي، فاستعمله بإسراف حتى استنزفه بالتمام والكمال.
انتهت صناعة البارشوكات السياسية ولم يعد هناك ما ينفع، لأن الأحزاب المخزنية تحولت إلى مزبلة للمتلاشيات. لكن النظام لا زال في حاجة ماسة لربح الوقت وإبعاد لحظة انفجار أزمته البنيوية. هكذا اعتمد خطة جديدة تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي وصناعة النجوم ومشاهد الفرجة الرخيصة. اعتمد النظام هذه الوسائل ووظفها في تدبير الوضع الاجتماعي والسياسي العام بما فيه قمع الأصوات المناضلة وتشتيت صفوف المعارضة. لم يفوت “خبراء” النظام أي حدث مهما كان لإشاعة الإلهاء وخلق الانتظارات الزائفة. هكذا استعمل مأساة الطفل ريان العالق في الجب ميتا بينما استمر الإعلام يسوق بإشراف من الدولة على انه حي. بعد هذا الحادث استفاق الرأي العام الوطني على فضيحة الإلهاء والكذب. وصلت صناعة البارشوكات السياسية ومسلسلات الالهاء الى الباب المسدود ولم تعد تحظى بنفس الاهتمام السابق؛ لكن النظام لم يستسلم فانتقل مجبرا إلى بارشوك من نوع جديد.
اخرج النظام بارشوكا جديدا يتمثل في تسخير احد أهم رموز الاحتكار في رئاسة الحكومة. استعمل ولا زال هذا القرش في تمرير أقصى ما يمكن من السياسيات الاقتصادية والاجتماعية الظالمة. بدأت هذه المبادرة الماكرة تعطي أكلها واتجهت أنظار المحتجين والمتضررين إلى تحميل اخنوش وزر كل ما يعرفه المغرب من أزمات تطالب برحيله وقد يحدث ذلك. بات النظام يحرق أوراقه، وصار مثل الحمار الذي يأكل من بردعته كما يقال. أن يضطر الحاكمون لمثل هذه السياسات، فذلك يؤشر على أنهم دخلوا بقوة في مرحلة متطورة من أزمتهم البنيوية.