من وحي الأحداث: هل استيقظ ضمير المخزن لمحاربة الفساد؟
هل استيقظ ضمير المخزن لمحاربة الفساد؟
فجأة داع خبر اعتقال وزير سابق ونائب برلماني، على خلفية التحقيق معه في جرائم فساد مالي. ما كان ليتم هذا الاعتقال، لو لم يخرج السيد النائب البرلماني من مخبئه السري بالبرلمان إذ كان يحتل مقعدا برلمانيا وسط قاعة المجلس نائما مثله مثل بقية النواب. لكنه لسبب ما تجرأ ورشح نفسه لرئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس. وقد نال 250 صوتا من مجموع 255 صوتا، فيما بلغ عدد الأصوات الملغاة 5، والله وحده يعلم سبب هذا الإلغاء؛ هل هو الجهل والأمية في القيام بمثل هذه العملية أم شيء أخر؟
طبعا ثارت زوبعة حول هذه الفضيحة. وتذكرت وزارة العدل أن للنائب المحترم ملفا كبيرا في أدراج المحاكم لم يتم البث فيه، وحان وقت تحريكه، فأرسلت من يعتقل النائب المحترم، ويذهب به إلى سجن عكاشة بالدار البيضاء.
إنه فِلْم فاسد وغبي الإخراج، ولا يمكن تصديق حلقاته منذ الإيعاز للنائب بالترشح لمنصب رئيس اللجنة البرلمانية، إلى تفجير الحملة الإعلامية ضده الى… والى… كل المؤشرات تدل على أننا أمام حملة جديدة للإلهاء والتضحية بكبش فداء قدم للمحرقة حتى يغطى دخان التخلص منه على بنية الفساد المتواصلة التمدد واكتساح كل الفئات الاجتماعية. لقد اختارت ورعت الكتلة الطبقية السائدة الفساد وجعلته آلية توسعها الطبقي واستقطاب النخب، وجعلت منه أيضا وسيلة تجديد شرعيتها بالتخلص من بعض الفاسدين المعينين لهذه الخدمة.
هكذا تعاملت الدولة الحديثة منذ السنوات الأولى على الاستقلال الشكلي، وقد اكتسبت تجربة ميدانية، وبات لها مهندسوها ومنظروها داخل أجهزة الدولة، ومارسوا عملية إنزال العقوبات السياسية بهؤلاء الخدام على طريقة التتريك التي كان يمارسها المخزن العتيق.
نقدم هذه الملاحظات الجوهرية حتى ننبه بعض الأصوات التي تعتقد أن على الدولة المسارعة بالقضاء على الفساد وإلا فإنها ستكون هي الخاسر الأكبر نتيجة فقدان المؤسسات للمصداقية، ونتيجة ما سيصيب المواطنين من اليأس والإحباط.
هذه الأصوات تعتقد خاطئة بان خطاب الأخلاق وإعلاء شأن القيم النبيلة، سيجر الدولة ومن وراءها الكتلة الطبقية السائدة إلى جادة الصواب. مثل هذا الخطاب ترغب فيه المافيا المنظمة والراعية للفساد، لأنه يساعدها في حملات التخلص من أكباش الأضحية التي ترمي بها للجمهور.
إذا أردنا حقيقة مواجهة الفساد، فعلينا كشف وتعرية هذه البنية التي ترعاه وتنتجه، وفضح الغايات منه، وتوضيح أن القضاء على الفساد لن يتحقق بمواجهة مظاهره ونتائجه؛ بل باقتلاع أسبابه المادية والفكرية والسياسية.