عندما توظف حركات الإسلام السياسي لإجهاض الثورة
عندما توظف حركات الإسلام السياسي لإجهاض الثورة
منذ نهاية سنة 2018 انطلقت الموجة الثانية من السيرورة الثورية في منطقتنا، ولهذه الموجة خصائص تميزها عن الموجة الأولى؛ فإذا استطاعت الشعوب أن تنتفض من أجل التعبير عن غضبها ضد الاستبداد والحكرة وأن توجه حراكها تحت شعار “الشعب يريد” الذي نتج عنه إسقاط رؤوس الأنظمة الفاسدة؛ فإن تلك الموجة تعرضت لردة فعل قمعية قوية شاركت فيها فلول الأنظمة المستبدة المستهدفة، متحالفة مع الامبريالية والأنظمة الجهوية وقوى أنيطت بها مهمة اللجم والالتفاف والكبح. واستطاعت حركات الإسلام السياسي أن تتولى قيادة الانتفاضات وان تبرم صفقات التسوية مع أطراف من الأنظمة المستبدة – الجيش وأجهزة الدولة الرئيسية ومع الامبريالية وحلفائها الجهويين، كما أن طبيعة حركة الإسلام السياسي باعتبارها قوى قابلة لاقتسام السلطة مع الأنظمة المستبدة ولا تشكل أية قطيعة جذرية معها هي التي سهلت عقد هذه الصفقات. إن تلك الموجة الأولى من السيرورة الثورية بمنطقتنا شكلت فرصة للإسلام السياسي لينصب نفسه أو يقدم مشروعه كمشروع لقيادة المنطقة ولكن في ذات الوقت ظهر على السطح طموح الهيمنة والقيادة الذي تحولت بموجبه التناقضات الداخلية وسط هذه الحركة من تناقضات ثانوية إلى تناقض رئيسي بين حركة الإخوان المسلمين وحركة الوهابية، حيث يسعى كلا الطرفين إلى الهيمنة وقيادة المنطقة في إطار الوكالة عن المشروع الأمريكي الصهيوني.
كان المطلوب لإنجاح هذه السيادة والهيمنة أن ينجح كل طرف في لجم الثورة وكبح الانتفاضة ومنع تجذرها حتى لا تطالب الشعوب بالتحرر من الامبريالية والوجود الصهيوني وطبعا الإطاحة الكاملة بالأنظمة الرجعية. تطلب تحقيق هذا الهدف إغراق المنطقة في حمام من الدم لإخافة الشعوب وجعلها تتراجع وتسلم إرادتها لهذه القوى العميلة الجديدة.
لكن الشعوب الثائرة كان لها رأي آخر وإرادة وعزيمة استكمال مهام ثورتها مهما كان الثمن. لقد حصل تراجع نسبي يمكن اعتباره تراجعا تكتيكيا لم يستغرق وقتا طويلا، لتنفجر الموجة الثانية من السيرورة بخصائص جديدة يمكن إجمالها في:
+ تطور كبير في وعي الشعوب المنتفضة حيث لم يعد الأمر ينحصر في التعبير عن إرادة الشعب في إسقاط الأنظمة، لكن تجاوز ذلك إلى ما الذي تريده وكيف سيتم إسقاط هذه الأنظمة. وتعتبر الثورة السودانية أول تجربة تشق هذا الطريق الجديد ولو بصعوبات كبيرة للغاية.
+ توسع الرقعة المنتفضة لتشمل بلدانا جديدة وبذلك تظهر الموجة الجديدة أنها عميقة وواسعة جدا مما يهدد المشاريع الامبريالية- الصهيونية بهذه الرقعة من العالم.
هذه هي الأسباب التي تفسر ردة الفعل الحالية. من جديد تتولى الحركة الإسلامية بشقيها : حركة الإخوان المسلمين ومشتقاتها والوهابية ومشتقاتها، مهمة المواجهة والقمع. ضمن الخطة الحالية يتم تحويل ليبيا إلى ساحة الحشد العسكري للإخوان المسلمين بقيادة تركيا وتمويل قطر وتسويغ محلي ليبي عبر السراج وترحيب تونسي؛ ومن جهة أخرى حضور سعودي إماراتي بتسويغ ليبي حفتر وترحيب مصري. الأمر الذي سيحول الساحة الليبية إلى منصة انطلاق من اجل الانتشار غربا لتهديد انتفاضة الشعب الجزائري ونضالات الشعب المغربي، وجنوبا عبر التمدد الإرهابي في الصحراء الكبرى ومنها توطين الفزاعة الجديدة ضد الشعوب المناضلة.
أما في منطقة الشرق الأوسط فالسعودية بتحالف مع الولايات المتحدة ستتولى أمر انتفاضات مندلعة للشعبين اللبناني والعراقي وهي انتفاضات ضد الطائفية والاستبداد والتبعية تقودها قوى علمانية وتقدمية.
الموجة الثانية للسيرورة الثورية بمنطقتنا تضع وجها لوجه الشعوب المنتفضة وقواها التقدمية وبشكل صريح مع قوى الإسلام السياسي التابعة والمتحالفة مع الامبريالية ومشروعها بالمنطقة. السيرورة الثورية وصلت من النضج الذي يلزم جميع من يريد أن ينخرط إلى جانب الشعوب أن يختار الجبهة التي سيقف فيها. الموجة الحالية تكشف حقيقة كل المشاريع السياسية والمجتمعية وكونها مشاريع متناحرة حد العداء. وهذا ما تكشفه محاولات إجهاض الثورة السودانية وعزل الشعب عن القوى الثورية الحقيقية ومنع استكمال مهمة تفكيك النظام الديكتاتوري وتصفيته.