من وحي الأحداث: لكي نستعيد المكون الأفريقي في هويتنا وجب التخلص الواعي من الرق والعبودية
إن موضوع الرق أو العبودية لا زال ينبعث من رماده في منطقتنا. إن تاريخ العلاقة بين الدولة المغربية والشعوب الأفريقية ملطخة بوصمة العار هذه وطبعا لن تطوى هذه الصفحة المشينة إلا بالاعتذار الرسمي باسم الشعب المغربي للشعوب الأفريقية التي تعرضت للاستعباد والرق من طرف مغاربة ظالمين.
يكتسي موضوع الرق والعبودية أهمية بالغة، عندما يتعلق الأمر بموضوع الهوية المركبة لشعوب المغرب الكبير عامة والشعب المغربي خاصة. ذلك أن موضوع الرق والعبودية في موريتانيا ينسحب أيضا على الدول المغاربية بمختلف سلالاتها لحاكمة. إنها كانت تمارس الرق والاتجار في البشر.
وبفعل التراكمات التاريخية أصبحت هوية شعوبنا المغاربية تستدمج العنصر الأفريقي لتصبح في الواقع هوية مركبة. لكن هذا المكون الأفريقي في هوية شعوبنا بقي مكونا مظلوما تاريخيا وجب رد الاعتبار التاريخي له.
من يناقش هوية شعبنا بمعزل عن هذه الأمور فإنه عمليا يلغي هذا المكون وكأنه يحتقره ويتبنى المظالم العنصرية التي تعرضت لها شعوب وقبائل افريقية على يد سلالات مغاربية.
لكي نبني هوية ناضجة لشعوبنا المغاربية علينا أن ننصف هذا المكون الأفريقي وأن نضعه في المرتبة المعتبرة، ونعيد له الاعتبار الواجب. هكذا، سنبني هوية غنية متعددة الأبعاد، عادلة، ترفع راية الحرية والمساواة بين جميع الكادحين بغض النظر عن أصلهم وفصلهم.
وبالعودة إلى ضرورة دراسة موضوع الرق والعبودية ببلادنا بالاعتماد على دراسة التطور التاريخي لمختلف أنماط الإنتاج الماقبل الرأسمالية بما فيها تلك التي اعتمدت على اليد العاملة المنحدرة من الرق والعبودية. ما هو متوفر اليوم هو تلك المراجع التي تهم النوازل الفقهية أو المساطر القانونية التي تنظم تجارة العبيد والإماء أو الأخبار والحوادث المتعلقة بشهادات عن حياة مالكي العبيد والإماء وتعاملهم مع ممتلكاتهم البشرية.
من بين هذه المراجع التي تذكر أنواع المعاملات يمكن الاطلاع على الكراسة الموجزة تحت عنوان «الإماء والمجتمع في مغرب العصر الوسيط من المعاناة إلى الإباق» الصادرة عن أعمال ندوة: تاريخ النساء المغاربيات: الإقصاء وردات الفعل الناشر: كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة. المؤلف الرئيسي: عبد الإله بلمليح. يصبح الحديث عن الرق والعبودية حديثا عن السياسية والأحداث الاجتماعية لما يستعرض حالات العبيد الذين استطاعوا التحرر من العبودية وفروا أو هربوا من سطوة النخاسين أو مالكي العبيد. فهؤلاء العبيد الفارين، يتعرضون للملاحقة وهم مهددون بالقتل، لأنهم تمردوا على قانون ملكية الأقنان والإماء، المعمول به في المجتمع. وتتحدث النوازل في هذا الإطار عن العبيد الآبقين وهناك العديد من الأحكام والفتاوي في قضية الإباقة. (انظر «الإماء والمجتمع في مغرب العصر الوسيط من المعاناة إلى الإباق»).
فإذا لم يستطع العبيد تشكيل حركة مجتمعية قائمة الذات والتعريف بمظالمهم وقيادة نضالهم من أجل انتزاع حريتهم والاعتراف بهم وفرض رد الاعتبار لهم كبشر وكضحايا جرائم ضد الإنسانية، نظرا لأسباب موضوعية وذاتية يعوزنا الوقت والمجال لتناول بعض جوانبها أو على الأقل طرح الأسئلة الضرورية لتوجيه البحث؛ فإننا نريد أن لا نفوت الفرصة للإشارة إلى قضية هامة ربما ستكون من بين الأجوبة التاريخية الأساسية التي ستسمح بتحقيق جبر الضرر وفتح الأفق لمجتمع جديد، وقد تخلص من كل ما علق به من شوائب وكوابح طيلة العصور الماضية.