في مخاطبة العقل أو المشاعر
من وحي الأحداث
جريدة النهج الديمقراطي العدد 542
في مخاطبة العقل أو المشاعر
في العمل الدعائي والتحريضي يمكننا التمييز بين منهاجين وأسلوبين حسب الأطراف الفاعلة وسط الحركة الجماهيرية والحركات الاحتجاجية. والطرفان المعنيان عندنا هنا هما: الشعبوية بواجهتيها اليسارية واليمينية، والطرف الثاني الحزب السياسي المستقل للطبقة العاملة أو التيارات الساعية لبنائه.
تعتمد الشعبويتان اليمينية واليسارية على تهييج المشاعر. إنهما توظفان الكذب وأنصاف الحقائق في خطاباتهما، مما يسمح لهما بالانتشار السريع. بينما يعتمد الحزب السياسي المعبر عن مصالح الطبقة العاملة على التحليل المادي الجدلي، يخاطب العقل وبأسلوب يحرك المشاعر. يوظف هذا الحزب الحقيقة والصدق والنزاهة، ولذلك يسري خطابه في الجموع بصعوبة، خاصة لما تكون هذه الجموع خاملة ولم تستيقظ بعد.
عند تقييم نجاعة الخطاب وتأثيره المباشر وعلى المستوى البعيد غالبا ما يسارع الفاعلون السياسيون المنشتغلون في مجال الدعاية والتحريض إلى الأساليب الشعبوية اعتقادا منهم أنها الطريقة الأسرع لبلوغ الهدف. وبالتبعية يعتبرون ان سرعة الانتشار هذه تغني عن مشاق بناء الحزب الطبقي. لكن بعد انتهاء المعارك وخفوت المشاعر أمام حجم التضحيات والخسائر، تظهر فداحة تغييب خطاب العقل وضرورة اعتماد الحقيقة الثورية في تصليب القناعات وتوضيح الأفق وما يتطلبه من طول نفس. إن الشعبوية باتت تفضل مخاطبة المشاعر لأنها سهلة التهييج وتمكن من اقتياد أوسع جمهور للتعبير عن موقف يجيب على اللحظة وتوظفه الجهة التي سعت إليها الى جني النتائج من الأصوات في الانتخابات أو في تسخين الأجواء والظروف المحيطة بالحوار والمفاوضات.
على نقيض كل ذلك يعتبر الحزب السياسي المستقل للطبقة العاملة ان الجماهير هي صانعة التاريخ وبانها هي من تتحمل مسؤولية قيادة التغيير عبر التنظيمات الجماهيرية والطبقية المناسبة وعبر اكتساب الوعي السياسي بالقوى التي تقود التغيير وبطبيعة العدو والخصوم. ولذلك يعتبر الحزب العمل الدعائي ينبني على مخاطبة العقل والمشاعر يحترم عقل ووعي هذه الجماهير ويتحمل مسؤولية تنمية ورفع هذا الوعي من مستواه الحسي الى المستوى العلمي الرفيع.
النسخة الإليكترونية لجريدة النهج الديمقراطي العدد 542