ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في العدل الدولية؟

ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في العدل الدولية؟
الجلسة الأولى لمحكمة العدل الدولية لمحاكمة كيان الاحتلال على جرائمه بلاهاي 11 يناير 2024




ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا…
فما مصير الدعوى في العدل الدولية؟





فؤاد بكر

تتوقع مراكز الابحاث والدراسات الاوروبية والاميركية حدوث تغيير جذري في الانتخابات العامة السابعة لجنوب أفريقيا التي ستجري في 29 أيار/مايو 2024، حيث بلغت نسبة المنافسة عالية جدا بين المؤتمر الوطني العام الحاكم وأحزاب المعارضة، والتي بعدها يتم انتخاب رئيس الجمهورية بشكل غير مباشر من قبل أعضاء الجمعية الوطنية، وهنا يطرح سؤال هل هناك دعم أميركي وإسرائيلي لتغيير النظام في جنوب أفريقيا أو الضغط عليه من أجل التراجع عن الدعوى التي قدمتها ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية والمتعلقة بالابادة الجماعية؟

على الرغم أن المؤتمر الوطني الافريقي يعد أقوى الاحزاب السياسية الحاكمة والذي يتولى الحكم منذ العام 1994، ومازال في الحكم منذ 30 عاما، ويرفض التحالفات والائتلافات مع القوى الاخرى على الرغم من أن نسبة المؤيدين له عالية جدا وتحديدا من الحزب الشيوعي والنقابات العمالية، ويقوم بتشكيل الحكومة بشكل منفرد. ومقارنة بالسنوات الماضية، شهد تراجعا كبيرا في الانتخابات عام 2019، حيث حصل على 57% من نسبة الاصوات، بسبب ارتفاع معدلات الفقر، وتدني مستوى المعيشة، اضافة الى محاولات الانقلاب التي عصفت في مختلف الدول الافريقية.

اما التحالف الديمقراطي فهو من أشد المنافسين للحزب الحاكم، ويقوم حاليا بتأسيس تحالفات مع ستة أحزاب من المعارضة وهو ما يعزز نجاحه على المؤتمر الوطني الافريقي، وهناك ايضا حزب “المقاتلون من اجل الحرية الاقتصادية” وهو ثالث اكبر حزب في جنوب افريقيا نتيجة خطابه السياسي اليساري والمناهض للرأسمالية، والذي يشدد على توفير وحدات سكانية وتأميم المناجم، والاصلاحات الاقتصادية… كما أن هناك أحزاب معارضة ذات التوجهات اليمينية المتطرفة مثل جبهة الحرية وحزب انكاثا اللذين يتبنيان سياسات اقتصادية واجتماعية محافظة.

وبعد أن وقع رئيس جنوب افريقيا “سيريل رامافوزا” على قانون يسمح للمستقلين بالمشاركة في ترشيحهم للانتخابات، بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية بعدم قانونية منع الممستقلين من الترشح، حيث أصبح المستقلون يتنافسون على 200 مقعد والاحزاب السياسية على 400 مقعد، الأمر الذي سيخلق ارباكا للحزب الحاكم وخصوصا في القضايا التي تتهمه فيها المعارضة المتعلقة بالفساد الاداري والمالي.

ويعود تراجع الحزب الحاكم نتيجة الخلافات الداخلية تحت قاعدة التنحي التي تبنتها اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الافريقي عام 2020، خصوصا الشخصيات التي عليهم شبهات فساد داخل الحزب، ما أدى الى تعالي الاصوات المعارضة لهذه القرارات، الى جانب معارضة تسمية رئيس الحزب خلال المؤتمر الخامس الذي عقد عام 2022، حيث انقسمت الاصوات بين الداعمين للرئيس السابق جاكوب زوما وبين المؤيدين للرئيس الحالي رامافوزا.

ولعل أبرز الاسباب التي تهدد استكمال المؤتمر الوطني الافريقي في الحكم بحسب مراكز الدراسات والابحاث الاوروبية والاميركية، هي توجه الحزب الى الشرق مثل روسيا والصين، وفقدان حلفائه الغربيين، وتحديدا بعد الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة الابادة الجماعية.

وانطلاقا من هذا المشهد، يمكن استخلاص ثلاثة سيناريوهات، الاول نجاح المؤتمر الوطني الافريقي بعد تسوية الخلافات الداخلية والاستنهاض بوضعه الداخلي، واعادة بيئته الحاضنة الشعبية، والثاني هو نجاح الاحزاب المعارضة وتحديدا التحالف الديمقراطي الذي يتبنى الخطابات الشعبوية ويتحالف مع القوى اليمينية فيما يتعلق بالشق الاقتصادي وعلاقات جنوب أفرقيا مع الغرب، أو تشكيل حكومة ائتلافية مع القوى والاحزاب الاخرى.

من المؤكد ان الدول الامبريالية والرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية والدول الحليفة لإسرائيل ستضغط بشكل كبير من أجل تغيير النظام في جنوب أفرقيا بهدف التراجع عن مبادئه ووقوفه الى جانب الشعب الفلسطيني، حيث استطاع هذا النظام ولأول مرة أن يضع اسرائيل تحت المساءلة والمحاكمة في قفص اتهام يصعب على اسرائيل تبريره.

وبعد تأخر جنوب أفريقيا بردها على التقرير الاسرائيلي السري الى محكمة العدل الدولية المتعلق بالتدابير الاحترازية، يؤكد تعرض النظام الحاكم الى مجموعة من الابتزازات والضغوطات السياسية للتراجع عن الدعوى وعدم التقدم بها.

تحاول اليوم “اسرائيل” والولايات المتحدة الاميركية بدعم المعارضة وتحديدا الاحزاب اليمينية المتطرفة في جنوب افريقيا الى جانب بعض المستقلين من اجل ارباك نظام جنوب افريقيا والهائه عن خياراته الداعمة للتوجه شرقا والتي ابعدته عن الدول الغربية ومصالحها.

إن تغير النظام في هذا الوقت الحالي وفي هكذا مشهد مربك، من شأنه ان يؤثر بشكل كبير على مستقبل الدعوى ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية، خصوصا وانه ليس هناك سوى دولتين إضافيتين أصبحت طرفا في الدعوى، ولكن من المؤكد لن تستطيع الحكومة في حال سيطرت المعارضة عليها ان تنسحب من الدعوى والا لن تتمكن جنوب افريقيا من رفع اي دعوى اخرى في محكمة العدل الدولية بحسب نظام المحكمة، ولكنها بالتأكيد ستتأثر القضية بشكل كبير أو ربما التفاف المحكمة حول المضمون والخروج بصيغة معينة، ولاسيما ان الدعوى تحتاج لوقت طويل من الزمن حتى صدور القرار النهائي.

من هنا يجب علينا دعوة أكبر عدد ممكن من الدول للانضمام كطرف في الدعوى قبل تموز 2024، بعد أن عدلت المحكمة في نظامها الداخلي لجهة قبول الاطراف في الدعوى، والتحرك العاجل لعدم سماح اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية إشغال الرأي العام في جنوب افريقيا بضرورة تخلي جنوب أفريقيا عن هذه الدعوى تحت التهديد بالعقوبات الاقتصادية او بالحصار الاقتصادي بحجة الفساد وغيره.