في الذكرى 39 للتأسيس: حزب العمال مع الشعب وفي مقدّمته من أجل التحرّر من الاستبداد والتبعيّة والاستغلال والتفقير

في الذكرى 39 للتأسيس: حزب العمال مع الشعب وفي مقدّمته من أجل التحرّر من الاستبداد والتبعيّة والاستغلال والتفقير




في الذكرى 39 للتأسيس:
حزب العمال مع الشعب وفي مقدّمته من أجل التحرّر من الاستبداد والتبعيّة والاستغلال والتفقير




يمرّ اليوم 39 عاما على إعلان تأسيس حزب العمال الشيوعي التونسي (حزب العمال اليوم). كان ذلك يوم 3 جانفي 1986 تخليدا للذكرى الثانية “لانتفاضة الخبز” التي أغرقها نظام بورقيبة في الدم. لقد خرجت الجماهير الشعبية تحتج على رفع الدعم عن العجين ومشتقاته وفي مقدمتها الخبز. وقد فرضت تلك الانتفاضة على النظام إلغاء قراراته، لكنّها بقيت في هذا الحدّ ولم تطرح على نفسها التخلّص بشكل جذري وحاسم من الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتّبعة من قبل دولة بورقيبة وحزبه بسبب غياب قيادة سياسية وبرنامج تلتف حولهما الجماهير المنتفضة.
لقد كان تأسيس حزب العمال خطوة ضرورية للاستجابة إلى هذه الحاجة والاضطلاع بمهمّات الثورة الوطنية الديمقراطية ذات الأفق الاشتراكي، وهي مهمة تاريخية لا تتحقق دون وعي الجماهير الواسعة بها ودون تنظيم صفوفها، وهو ما يقتضي توفّر الأداة التنظيمية وفي مقدمتها الحزب المستقل للطبقة العاملة والفلاحين وعموم الكادحين. لقد عمل حزب العمّال منذ تأسيسه على صياغة خط فكري وسياسي وبرنامج عمل مناضل ومكافح، كما عمل على الالتحام بالشعب في ظروف السرّية القاسية لإيصال أفكاره ومقترحاته وكانت الضريبة تعرّض مناضلاته ومناضليه لشتّى صنوف القمع من اعتقال وسجن ومحاكمات جائرة وأحيانا للتعذيب حتى الموت كما حصل لشهيد الحرية نبيل بركاتي.

لقد صمد حزب العمّال في وجه هذا القمع وواصل نضاله مع كافة القوى المعادية للدكتاتورية ووقف باستمرار إلى جانب النضالات الشعبيّة ولم يعتريه الشكّ حتى في أصعب الظروف في أنّ تلك النضالات ستتطوّر تدريجيّا لتشكّل في لحظة من اللّحظات تيّارا ثوريّا جارفا يخلّص بلادنا ومجتمعنا من الدكتاتورية. وهو ما أنجزه الشعب التونسي في ثورة 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011. لكنّ هذه الثورة لم تذهب بعيدا، كما هو حال العديد من الثورات في التاريخ، إذ تمكنت القوى الرجعية من احتوائها والالتفاف عليها وحصرها في إطار تغيير شكل الحكم فاستمرت التبعية والاستغلال والنهب والفساد في تعدّ صارخ على مطالب الشعب وطموحاته، وهو ما فسح المجال، في غياب بديل ثوري واضح المعالم وجاهز للحكم، أمام الشعبوية اليمينية المتطرّفة كي تنقضّ على الحكم عبر انقلاب 25 جويلية 2021 مستغلة النقمة الشعبية وحالة الإحباط العامة ومتستّرة بشعارات ديماغوجية للتضليل. وقد بيّنت السنوات المنقضية أن نظام سعيّد لم يكن له من دور في النهاية سوى إنقاذ النظام القائم من الانهيار عبر تصفية المكاسب الديمقراطية للثورة والعودة بالبلاد إلى مربّع الاستبداد والدكتاتورية، وهو ما تشهد به اليوم حالة الحريات والقمع الذي طال الجميع. وقد كان حزب العمّال من أوّل المنبّهين إلى هذا المآل الخطير الذي يهدّد بلادنا ومجتمعنا بالانهيار العام في ظروف إقليمية ودولية شديدة الاضطراب.

إن حزب العمال، إذ يحيي الذكرى 39 لتأسيسه وإذ ينحني أمام ذكرى شهداء انتفاضة الخبز وكل شهداء الشعب التونسي في مختلف المراحل، وإذ يجدّد العهد على الثبات على المبادئ الثورية المنتصرة للعمّال والشعب ويؤكّد وقوفه الدائم إلى جانب مطالبهم ونضالاتهم المشروعة من أجل الشغل والحرية والكرامة الوطنيّة، فإنّه:

– يجدّد بهذه المناسبة قناعته العميقة بأنّ تحرّر شعب تونس وتحقيق مطالبه في الكرامة الوطنيّة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية لن يكون بقبول الشعبوية والخضوع لها، وقد عمّقت كلّ مآسي بلادنا ومجتمعنا في كافة المجالات، بل بالتصدي لها والنضال ضدها والقطع مع خياراتها والبناء على أنقاضها وفي نفس الوقت سدّ الطريق أمام رجوع أنظمة الاستبداد والتبعية والاستغلال والفساد التي عرفتها تونس سواء ما قبل الثورة أو ما قبل انقلاب 25 جويلية 2021.
– يعتبر أنّ الأوضاع المتدهورة التي يعيشها شعبنا هي نتيجة حتمية لاستمرار سيطرة نفس الفئات الطبقيّة، اللاوطنية واللاشعبية، التي لا همّ لها سوى مراكمة الأرباح في ظلّ الحماية التي يوفّرها لها نظام الاستبداد الشّعبوي الذي طال قمعه كل النزعات الفكرية والسياسية كما طال حرية التعبير والإعلام والعمل النقابي والحقّ في الاحتجاج تحت غطاء الجمل الخاوية والشعارات الرنّانة التي ما انفكّت تفتضح أمام التدهور المريع، المادي والمعنوي، لحالة غالبية المجتمع التونسي. وهو ما يتطلّب رصّ الصّفوف للدفاع اليومي عن المطالب الاجتماعية والمادية للشعب التونسي لتوفير الحدّ الأدنى المعيشي أجورا وخدمات عامة وعن الحريات الفردية والعامة والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين بسبب آرائهم ومواقفهم وأنشطتهم المدنية الخ…
– يؤكّد أنّ تدهور أوضاع البلاد والشّعب يعزّز إمكانيات التأثر السلبي بالتحوّلات المتسارعة في المنطقة والتي تتجه فيها الامبريالية والكيان الصهيوني وأنظمة العمالة إلى تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الخطير الذي يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة على أسس دينية وطائفيّة وأثنية وثقافية وتمزيق وحدة شعوبها ومجتمعاتها اعتمادا على أكثر القوى رجعية وفي مقدمتها المجاميع التكفيرية الإرهابية ومثيلاتها التي تتأهّب في إقليمنا لكى تلعب أقذر الأدوار داخليا وخارجيا، وهو ما يشهد به ما حصل أخيرا في سوريا على حساب الطموحات الوطنية والديمقراطية والاجتماعية للشعب السوري الشقيق.
– يجدّد انحيازه لفلسطين، شعبا ومقاومة وقضية، داعيا إلى مضاعفة الجهد وطنيا وإقليميّا ودوليّا لوقف حرب الإبادة في غزة والضفّة. كما يجدّد إسناده لشعب لبنان ومقاومته وإكباره لليمن الذي لم تثنه لا الأساطيل ولا الاعتداءات المستمرّة عن مواصلة دعم فلسطين ومقاومتها ويدعم نضال الشعب السّوداني من أجل وضع حدّ للاحتراب الداخلي الرجعي الذي تغذّيه قوى إقليمية ودولية. كما يدعم حق الشعب السوري في تقرير مصيره والحفاظ على وحدة أرضه وفي إقامة النظام السياسي المدني القائم على مبدأ المواطنة والذي يضمن الحرية لكافة أفراده وحقوقهم ويحترم تنوّعه الديني والطائفي والأثني والثقافي.
– كما يجدّد وقوفه جنبا إلى جنب مع كافة عمال العالم وشعوبه وقواه الحيّة المناهضة للامبريالية والرأسمالية والتي تتصدى لنزعاتها الفاشية وسباقها نحو التسلّح وإثارتها للحروب وتناضل من أجل التّحرر والانعتاق والاشتراكية والسّلم.
حزب العمال
تونس، في 3 جانفي 2025