كفى عبثا .. يجب إنقاذ الاتحاد العام التونسي للشغل
كفى عبثا .. يجب إنقاذ الاتحاد
جيلاني الهمامي
قدم اليوم نور الدين الطبوبي رسميا استقالته من الأمانة العامة للاتحاد واضعا بذلك حدا فاصلا وواضحا لطور من الازمة التي هزت المنظمة الشغيلة ومعلنا انطلاق طور جديد قد يؤدي في ضوء المعطيات الراهنة إلى انفجار الاتحاد وتفككه وربما أيضا اندثاره.
مازلنا لا نعلم هل استقال الطبوبي من الأمانة العامة على أن يستمر كعضو في القيادة النقابية أم أنه تخلى عن كل مسؤولية نقابية ولكن وبصرف النظر عن هذه التفاصيل فإن هذه الاستقالة التي سبق أن لوح بها أكثر من مرة أصبحت الآن عنصرا له تداعياته المتأكدة على المشهد. وهو ما خلق حالة من الصدمة في الأوساط النقابية التونسية.
إن المغزى العميق لهذا التطور في الساحة النقابية هو العلامة النهائية لفشل النمط البيروقراطي النقابي التونسي الذي ساد لأكثر من نصف قرن. ما “أنجزه” الفريق القيادي الحالي وعلى رأسه نور الدين الطبوبي لم يفلح في تحقيقه لا بورقيبة ولا بن علي ولا حكومات النهضة. لقد تعرض الاتحاد منذ منتصف الخمسينات إلى سلسلة غير منقطعة من الازمات كانت كلها تهدف إلى تدجينه وإخضاعه لسلطة الحكومات المتعاقبة وخرج منها في كل مرة منتصرا. ويبدو أن استراتيجية التهميش والتحييد التي اعتمدها قيس سعيد هذه المرة أثبتت فعاليتها مقارنة باستراتيجيات الاحتواء والتدجين السابقة.
بدأت الازمة الحالية منذ أن أقدمت القيادة النقابية على تنفيذ خطة الانقلاب على النظام الداخلي وتحديدا على الفصل 20 (الفصل العاشر بتقويم مؤتمر جربة 2002) الذي جسم خطوة ديمقراطية ذات معنى في تاريخ اتحاد الشغل. ولم تنتظر البيروقراطية النقابية كثيرا بعد انقلابها حتى تسدد الثمن غاليا وتغرق في أزمة حادة ما انفكت تتفاقم وتتعقد وتتعفن.
ورغم أن الاتفاق على عقد المجلس الوطني في سبتمبر من السنة الماضية 2024 شكل فرصة ثمينة للخروج من الازمة إلا أن الحسابات الصبيانية لبعض العناصر التي تضخمت لديها مشاعر العظمة والزعامة الكاذبة زجت بالاتحاد في حالة من الصراع العبثي.
لم يسبق ان عرف الاتحاد اعتصام جزء من المكتب التنفيذي احتجاجا على المكتب التنفيذي نفسه. ولم يشهد الاتحاد أن اتخذت هيئته الإدارية الوطنية قرارا بعقد المؤتمر الوطني ثم ينقلب عليه جزء من المكتب التنفيذي بتعلات أقل ما يقال عنها أنها محض دمغجة وسفسطة.
كان من الممكن أن يمثل المؤتمر الاستثنائي الذي قررته الهيئة الإدارية في جلسة أولى (ماي 2025) وثبتته في جلسة ثانية (سبتمبر 2025) وأذنت بتشكيل لجانه التحضيرية، كان يمكن أن يمثل الفرصة الأخيرة لإنقاذ الاتحاد والخروج من المأزق. ولكن جماعة “التسعة” بقيادة سامي الطاهري لم تلتقط الرسالة التي كانت توحي بها اللحظة تحت ضغط الحسابات الانانية الضيقة والتعامي عنوة عن استحقاقات الوضعية الخطيرة التي يعيشها الاتحاد.
يدرك “التسعة” حق الادراك ان الاتحاد مستهدف من طرف سلطة الحكم هذه المرة ليس فقط بتدجينه وإنما بمحوه من الوجود تماما.
إن استقالة الطبوبي بعد استقالة أنور بن قدور أعطت الدليل القاطع انفراط عقد القيادة وما عاد من الممكن أبدا أن تستعيد وحدتها وعافيتها. لقد تهشمت الصورة وبات لازما استبدالها تماما.
بصرف النظر عما يمكن ان يحصل في الأيام القليلة القادمة في علاقة بما يمكن أن يترتب عن الإجراءات القانونية في معالجة الاستقالة ومسار قبولها او تجاوزها فإن القيادة الحالية قد أصبحت وبما لا يدع مجالا للشك عبئا على الاتحاد وسببا مباشرا ورئيسيا في مصاعب المنظمة النقابية ومساوئها.
لقد بات مطلوبا من كل أعضاء المكتب التنفيذي الاستقالة إن كانت لهم ذرة من المروءة والضمير. وبات مطلوبا من كل هياكل الاتحاد وفي المقام الأول الهيئة الإدارية الوطنية وعموم الإطارات النقابية القيادية في القطاعات وفي الجهات ان يكفوا عن سلبيتهم حيال عبث المكتب التنفيذي وخاصة جماعة “التسعة”. لا ينبغي أن يظل الاتحاد “رهينة” لحسابات سامي الطاهري ومن معه و”شهواته” بتمكين أنصاره و”تنصيب الأمينة العامة” الموعودة على رأس الاتحاد.
هذه القيادة لم تعد جديرة بالبقاء في المكانة التي احتلتها واستؤمنت عليها ولكنها أساءت استغلالها وأخضعتها لأطماعها وشراهتها. عليهم تسليم سيارات الاتحاد ومفاتيح مكاتبهم في أقرب وقت من تلقاء أنفسهم قبل أن يفكر النقابيون في إزاحتهم بأشكال مهينة.
إن أعضاء الهيئة الإدارية الوطنية مطالبون بتحمل مسؤولياتهم حيال هذا الوضع حتى لا يضعهم التاريخ في خانة المتواطئين مع جريمة تفكيك الاتحاد وتدميره.
جيلاني الهمامي
23 سبتمبر 2025

