أزمة المخزن، أزمة البديل اليساري الديمقراطي
معاد الجحري
سبق للمسؤولين عن حرة بريس والمركز الاوروربي للاعلام الحر بلندن ان اتصلوا بالنهج الديمقراطي قصد تنظيم ما سموه بحوارات المستقبل بيين احزاب اليسار المغربي وقد ابدينا تجاوبنا مع المبادرة لكننا فوجئنا بإلغائها دون اخبارنا بقرارهم.
نقدم هنا مداخلة الرفيق معاد الجحري المعدة لجلسة 22 يوليوز الملغاة.
أزمة المخزن، أزمة البديل اليساري الديمقراطي
أولا: عناصر في أزمة المشروع المخزني
من أكبر علامات أزمة المخزن إعلانه عن فشل نموذجه التنموي وإقراره لنموذج تنموي لا يختلف عنه في شيء أي مواصلة نفس الاختيارات التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه أي سياسات التقويم الهيكلي.
وسيتم تمويل النموذج التنموي عبر المزيد من الاستدانة أي المزيد من إغراق البلاد في المديونية التي تفوق 92 في المائة من الناتج الداخلي الخام وهذا في غياب أي إصلاح ضريبي يقوم على إقرار ضريبة تصاعدية على الثروة وعلى الإرث الذي ترفضه الكتلة الطبقية السائدة جملة وتفصيلا.
ومصير بلادنا وشعبنا في يد المؤسسات الدائنة التي تمثل مصالح الامبريالية والبرجوازية الكبيرة التابعة.
ونتيجة هذه الاختيارات توجد بلادنا في وضعية تبعية غذائية مطلقة. فالمغرب يستورد حوالي 60 في المائة من القمح و أزيد من 50 في المائة من السكر و 98 في المائة من الزيوت النباتية.
ولامتصاص النقمة الشعبية وتجديد قاعدته الاجتماعية، أطلق النظام مشروع الحماية الاجتماعية سيتم تمويله من خلال تصفية صندوق المقاصة وعلى الأرجح من خلال الزيادة في الاقتطاعات وفي السن الأقصى للتقاعد. أما المستفيدون الرئيسيون من هذا المشروع فهم المركب الصناعي للأدوية والقطاع الخاص الصحي وكذلك عدد محدود من الشركات الكبرى المتحلقة حول القصر.
ولترميم الواجهة الديمقراطية وتجديد وإدماج النخب يستعد النظام لإجراء الانتخابات الجماعية والبرلمانية لا معنى فيها لبرامج الأحزاب والتنافس بينها بما ان النموذج التنموي محسوم والية تصريفه محسومة والسياسات القطاعية محسومة سلفا. وهذه المرة تم اختراع فكرة القاسم الانتخابي القائم على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس الأصوات المعبر عنها. في جميع الأحوال أحرق المخزن كل أوراقه، فالعدالة والتنمية أيا كان موقعه مستقبلا فهو فقد شعبيته بسبب سياسات التقشف التي ساهم فيها بحماس وبسبب التوقيع على اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني. وكل الأحزاب والمنظمات الملتفة حول القصر ضعيفة لدرجة الهزال وتعاني من العزلة وليس لها أي اعتبار لدى الشعب.
وأمام اندحار وسائطه فان الحركات الشعبية والحركات الاجتماعية توجه مطالبها لرأس النظام وبالنتيجة تجد نفسها في صراع مباشر معه.
ولا زال النظام تائها في رمال الصحراء ولم ينفعه في شيء اعتراف ترامب بسيادة المغرب عليها. فالرئيس بايدن لم يلغي قرار سلفه ولكن لا يتصرف على ضوئه. والدولة تدخل في مشاحنات وأساليب بلطجية مع دول كبرى مثل اسبانيا وألمانيا. والأمم المتحدة تعتبر الصحراء الغربية منطقة في طور تصفية الاستعمار. والمجهود المخصص لهذا الملف يكلف بلادنا في الإجمال على الأقل 7 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنويا.
ونتيجة لهذه السياسات، يعيش الشعب المغربي بؤسا خطيرا: حوالي 23 مليون نسمة في الفقر والهشاشة. ومن سقط في مستنقع الفقر يصعب عليه الخروج منه ومن أفلس من المقاولين الصغار يقول عنه والي بنك المغرب “الذي يجب أن يموت، اتركه يموت”. هذه هي عقيدة الافتراس، عقيدة الرأسمالية الهمجية.
لكن العشرية الأخيرة هي عشرية كفاح شعبي غير مسبوق في تاريخ بلادنا، عشرية حركة 20 فبراير المجيدة والحراكات الشعبية الشجاعة والرائعة التي تم قمعها بالحديد والنار.
نحن الآن بصدد دولة بوليسية مكتملة المعالم والبنيان وقد انفرد الجناح الأمني بممارسة السلطة. قمع مسترسل يطال كل الفئات المناضلة والأصوات المعارضة ومناضلي القوى الحية التي تسند تلك النضالات، هذه القوى التي تحرم من وصولات الإيداع ومن القاعات العمومية والإعلام العمومي والخاص.
خلاصة القول هو أن الأوضاع قابلة للانفجار في أي لحظة وأننا نتجه في الإجمال نحو أزمة ثورية بالنظر:
1) لتفشي حالة البؤس وسط الشعب
2) لوجود نضالات واسعة لكل الفئات الشعبية التي ما عادت تقبل العيش في مثل هذه الشروط.
ولكن نقطة الضعف هي غياب جبهة شعبية بمثابة قيادة موحدة وحازمة للنضال الشعبي لإسقاط المخزن وبناء نظام ديمقراطي وبسبب هذا أهدر اليسار فرصة تاريخية لإحداث التغيير المنشود ألا وهي حركة 20 فبراير.
ثانيا: عناصر في أزمة البديل اليساري الديمقراطي
تكمن هذه الأزمة على الأقل في الأعطاب التالية:
1+ اندماج جزء من اليسار في البنيات السائدة وبالتالي وضع نفسه بنفسه خارج اليسار ويتعلق الأمر بكل من الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وزاد الطين بلة موافقتهما ومدحهما للتطبيع الرسمي مع العدو الصهيوني.
2+الترويج داخل أجزاء من اليسار الديمقراطي لمفهوم الانتقال الديمقراطي وهو من أخطر المفاهيم التي من شانها تغليط الشعب وزرع اللخبطة وسط المناضلين. فوضعية بلادنا لا تقارن بجنوب إفريقيا في عهد الأبارتايد البغيض ولا ببلدان مثل اسبانيا والبرتغال واليونان التي راكمت وأصبحت بلدانا رأسمالية متطورة مما دفع ببرجوازياتها إلى الرغبة في الالتحاق بالسوق الأوروبية المشتركة أما برجوازيتنا نحن فنمت فوق وسادة المخزن.
3+ المراهنة من طرف أجزاء من هذا اليسار على اتجاه ديمقراطي مفترض وسط السلطة
4+ المراهنة أيضا على الاتحاد.ش.ق.ش والسعي إلى إقامة تحالف استراتجي معه ومع حزب ت.ش وبناء الحزب الاشتراكي الكبير معهما.
5+ وجود وهم لدى أجزاء من هذا اليسار بتحقيق الديمقراطية عن طريق التوافق مع المخزن أدى شعبنا ثمنها غاليا:الانخداع بشعارات الوحدة الوطنية والإجماع الوطني والمسلسل الديمقراطي.
6+ تركيز أجزاء من هذا اليسار على الانتخابات والتواجد بالمؤسسات على حساب النضال الجماهيري اليومي ضد النظام.
7+ ضعف صلة اليسار المناضل بالجماهير وضعف عمله النقابي العمالي رغم قيادته لمركزية الكدش ولنقابات ديمقراطية ومكافحة داخل الامش.
8+ سيادة الحلقية وعدم تحمل المسؤولية في بناء حزب الطبقة العاملة كمهمة عاجلة من طرف الطاقات الماركسية المناضلة في بلادنا.
في الإجمال هناك نزعة استسلامية وسط اليسار لا بد من تصفيتها للتقدم نحو الهدف المنشود.
أعتقد أن الظروف الموضوعية مواتية:كفاحات شعبية هامة في منطقتنا وفي أمريكا اللاتينية ومختلف بقاع العالم وقد عرت الجائحة عن الوجه القبيح للرأسمالية مما يفرض الدفاع عن الاشتراكية: لنرفع عاليا شعار الاشتراكية هي الحل.