تقرير “هيومن رايتس ووتش”: عمر الراضي حُرم من محاكمة عادلة
المغرب: صحفي في السجن عقب محاكمة جائرة
خروقات، أدلة واهية، وتكهنات أدت إلى حكم بست سنوات
• نيويورك – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم، بعد مراجعة مستفيضة للقضية، إن الصحفي الاستقصائي المغربي عمر الراضي حُرم من محاكمة عادلة وحُكم عليه بست سنوات في السجن بتُهمتَي “التجسس” و”الاغتصاب”. من المقرر عقد جلسة استئناف في قضيته في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
نفى الراضي، الذي يعاني منذ سنوات من مضايقات السلطات، جميع التهم المنسوبة إليه. شابت محاكمته أمام المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء خروقات عديدة لمعايير المحاكمة العادلة، منها رفض المحكمة غير المبرر لفحص أدلة والاستماع إلى شهود لصالح الراضي، وعدم السماح لمحاميه باستجواب شاهد الادعاء. استند الحكم المكتوب، الذي اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، على تكهنات وحجج تخمينية بشكل كبير.
قال إريك غولدستين، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “بعد سنوات من مضايقات الشرطة التي تُوجت بمحاكمة أشبه بالمهزلة، يقضي عمر الراضي الآن سنته الثانية وراء القضبان بدل أن يقوم بعمله، أي إعداد تقارير صحفية عن الفساد في الدولة. تزعم السلطات المغربية أن هذه قضية ‘تجسس’ وليست مجهود لإسكات أحد آخر الصحفيين المعارضين في البلاد، لكن الخطة مكشوفة أمام الجميع”.
نشر الراضي، وهو صحفي وناشط حقوقي حائز على جائزة في التحقيق الاستقصائي، مقالات عدة حول استيلاء مُضاربين على أراض عمومية، وفجّر فضيحة الفساد المعروفة بـ “خُدام الدولة”، التي فضحت حوالي 100 شخص، بينهم مسؤولون سامون، يُزعم أنهم حصلوا على أراضي الدولة بجزء ضئيل من قيمتها السوقية. خلال برنامج حواري عام 2018، انتقد الراضي مسؤولا أمنيا كبيرا بالاسم، وقال إن وزارة الداخلية احتضنت “أكبر عملية رشوة على الإطلاق” في المغرب، و”ينبغي حلها”.
قبل اعتقاله ومحاكمته بتهمتَي التجسس والاغتصاب، تم احتجاز الراضي ومحاكمته وإدانته بسبب تغريدة، واختُرق هاتفه المحمول بواسطة برنامج تجسس، وتعرض لحملة تشهير شرسة على مواقع مرتبطة بأجهزة الأمن، وكان ضحية اعتداء جسدي مشبوه.
قابلت هيومن رايتس ووتش الراضي قبل اعتقاله في يوليو/تموز 2020، وكذلك والديه، وثمانية من محاميه، وأربعة من زملائه، وخمسة شهود في واقعتين كان يُحاكم بسببهما. كما حضرت هيومن رايتس ووتش خمس جلسات من محاكمته وقرأت أكثر من 500 صفحة من ملف قضيته، منها الحكم المكتوب في 239 صفحة الذي يُفصّل المنطق الذي استندت إليه المحكمة في إدانته، وعشرات التقارير الإخبارية عن قضيته.
أمضى الراضي عاما رهن الاعتقال الاحتياطي، وهو الحد الأقصى بموجب القانون المغربي. رفض قاضي التحقيق الذي نظر في قضيته، ثم قاضي الموضوع، ما لا يقل عن 12 طلبا بالسراح المؤقت للراضي، دون تقديم أي أسباب مشخصنة وموضوعية، كما تقتضي المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
أدين الراضي بالمس بسلامة الدولة الداخلية والخارجية من خلال أعمال “تجسس” لصالح شركات ومنظمات ودول أجنبية، منها هولندا وبريطانيا. استند حكم الإدانة في المقام الأول إلى رسائل نصية تبادلها الراضي مع دبلوماسي هولندي، وإلى عقود وقعها مع شركات بريطانية للاستشارات الاقتصادية لإجراء أبحاث حول القطاع الخاص المغربي.
نسجُ علاقات صحفية أو جمع وتبادل معلومات غير سرية هي أنشطة محمية بموجب القانون الدولي. لم تجد هيومن رايتس ووتش في مراجعتها لملف القضية أي دليل على أن الراضي قام بأي شيء سوى أعمال صحفية وأبحاث اقتصادية عادية والتواصل مع دبلوماسيين، كما يفعل العديد من الصحفيين والباحثين بشكل روتيني. لا يتضمن الملف أي دليل على أن الراضي قدم معلومات سرية إلى أي شخص، أو حتى حصل على مثل هذه المعلومات أصلا.
خلال المحاكمة، نفى رجل في رسالة إلى المحكمة ادعاء وكيل الملك بأنه “جاسوس أجنبي” مكلف بـ “الحصول على معلومات سرية” من عند الراضي، وطلب الإدلاء بشهادته دفاعا عن الراضي. تجاهل القاضي دون مبرر نفي الرجل وطلبه بالشهادة.
تضمن حكم المحكمة عدة أدلة واهية لتبرير إدانة الراضي بالتجسس.
شملت تلك الأدلة أن التواصل حصرا عبر رسائل نصية مع جهة في السفارة الهولندية كان “احتياطا أمنيا” “يثبت وعي [الراضي] بخطورة الدور الذي يلعبه وطبيعة المهام المشبوهة الموكلة إليه”. كما جادل الحكم بأن عدم نشر الراضي مقالات بعد تواصله مع “عملاء” السفارة الهولندية كان “دليلا” على أن التواصل المذكور “لا علاقة له بالعمل الصحفي” بل كان في الواقع “عملا استخباراتيا”.
كما أدين الراضي بتهمة اغتصاب زميلة له في “Le Desk”، وهو موقع إخباري كان يعمل به. نفى الراضي التهمة وقال إن العلاقة كانت رضائية. رغم أن جريمتَي الاغتصاب والتجسس المزعومتين غير مرتبطتين، فقد ضمتهما المحكمة معا في قضية واحدة.
تلاحق السلطات المغربية قضايا العنف الجنسي بوتيرة منخفضة. ينبغي التحقيق بجدية في جميع ادعاءات الاعتداء الجنسي، وتقديم المسؤولين عنها أمام العدالة، وتوفير محاكمة عادلة لكل من صاحب الشكوى والمتهم.
إلا أن المحكمة حرمت الراضي من “تكافؤ الفرص” الذي يمنح الطرفين نفس السبل لعرض قضيتهما، وهو شرط أساسي لمحاكمة عادلة بموجب المعايير الدولية. منعت السلطات الراضي من الحصول على ملف قضيته لمدة 10 أشهر. كما استبعدت شهادة شاهد الدفاع الرئيسي في قضية “المشاركة في الاغتصاب”، رغم أن صاحبة الشكوى لم تتهم الشاهد بالمشاركة، ولم تُقدَّم أي أدلة ضده إلى المحكمة. كما رفضت المحكمة السماح باستجواب شاهد الادعاء، ورفضت سماع أحد شهود الدفاع الرئيسيين في قضية التجسس.
قالت هيومن رايتس ووتش إن قضية الراضي جزء من نمط اعتقال واحتجاز ومحاكمة السلطات المغربية لصحفيين، أو نشطاء، أو سياسيين مستقلين بسبب كتاباتهم النقدية وعملهم، بموجب تهم مشكوك فيها تشمل الجرائم الجنسية، و”غسل الأموال” و”خدمة أجندة أجنبية”.
قال غولدستين: “الاغتصاب والاعتداء الجنسي جريمتان خطيرتان تستحقان تحقيقات جادة وإجراءات عادلة. إذا أرادت السلطات المغربية أن تُثبت أنها تُحاسب عمر الراضي مثل أي مواطن آخر، وإبعاد الشكوك بأنها توظف المحاكم لسجن معارض تحت تهم واهية، فعليها أن تمنح الراضي المحاكمة العادلة والمحايدة التي حُرم منها حتى الآن”.
في 19 يوليو/تموز 2021، أدانت محكمة الدار البيضاء الابتدائية عمر الراضي بتهمتَي الاغتصاب والتجسس، وحكمت عليه بالسَّجن ست سنوات. كما تم تغريم الراضي بـ 200 ألف درهم (20 ألف دولار أمريكي) كتعويض لصاحبة شكوى الاغتصاب. وحُكم على عماد ستيتو، وهو صحفي زميل للراضي حُوكم معه بوصفه “مشاركا” في قضية الاغتصاب، بعام في السجن، بما في ذلك ستة أشهر موقوفة التنفيذ. استأنف الاثنان الحكم.
لا يزال ستيتو حرا في انتظار صدور حكم الاستئناف. مثُل الراضي، الذي يقبع في سجن عكاشة بالدار البيضاء منذ اعتقاله في 29 يوليو/تموز 2020، أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، الجلسة تأجلت إلى 25 نوفمبر/تشرين الثاني.
أدلة على المحاكمة غير العادلة
منع المدعى عليه من الحصول على ملف القضية
منعت إدارة السجن مرارا محامي الراضي من تسليم موكلهم نسخة من ملف قضيته، ما حرم الراضي من حقه في إعداد دفاعه من زنزانته. لم تسمح له إدارة السجن بالحصول على ملف قضيته الكامل إلا بعد أن أمر القاضي بذلك، ردا على شكايتين من المحامين، في 3 يونيو/حزيران 2021، أي بعد 10 أشهر من اعتقال الراضي وشهرين بعد بدء محاكمته – ما حرمه من الوقت الكافي لإعداد دفاعه.
بينما اضطر الراضي للصراع لأشهر طويلة من أجل الحصول على ملف قضيته، نشر برلمان.كوم، وهو موقع إلكتروني له ارتباطات وطيدة بأجهزة الأمن، تحليلا مطولا لقضية الراضي بعد أربعة أيام فقط من اعتقاله، في 29 يوليو/تموز 2020. وكان من الواضح أن مقال “برلمان” مبني على اطلاع مستفيض على ملف القضية، وأشار بقوة إلى أن الراضي مذنب بالتهم الموجهة إليه.
استبعاد شاهد دفاع رئيسي
اتهمت السلطات الراضي بالاغتصاب وهتك العرض بعد أن قدمت زميلته في موقع Le Desk الإخباري حفصة بوطاهر اتهاما ضده في 23 يوليو/تموز 2020.
استند الاتهام إلى أحداث وقعت في الساعات الأولى من يوم 13 يوليو/تموز 2020 في منزل يملكه مدير Le Desk، حيث كان الموظفون يعملون أحيانا. أنكر الراضي التهمة وقال إنه مارس الجنس بالتراضي مع صاحبة الشكوى.
أدلى عماد ستيتو، وهو صحفي آخر في موقع Le Desk وصديق للراضي، بشهادته أمام الدرك وقاضي التحقيق، قائلا إنه قضى أيضا نفس الليلة على أريكة مختلفة في نفس غرفة المعيشة الواسعة. كانت شهادته متوافقة مع رواية الراضي.
إلا أنه، في 18 مارس/آذار 2021، وُجهت إلى ستيتو تهمة “المشاركة في الاغتصاب”، رغم أن صاحبة الشكوى لم تتهمه بالمشاركة في الاعتداء المزعوم، لا بدنيا ولا لفظيا.
في تصريحاتهما للدرك ووكيل الملك وقاضي التحقيق المسؤول عن القضية، وأمام المحكمة، أيد كل من الراضي وصاحبة الشكوى تصريح ستيتو بأنه لم ينهض قط من أريكته في تلك الليلة. وقال كل من الراضي وصاحبة الشكوى إنهما اعتقدا أن ستيتو كان نائما، قبل أن يخبر السلطات أنه كان مستيقظا.
بعد أن اتُهم ستيتو بـ “المشاركة في الاغتصاب”، تجاهلت المحكمة شهادته. وكتبت المحكمة في حكمها: “تصريحات المتهم عماد ستيتو على كون الرضائية كانت متوافرة (…) لا يمكن الركون إليها لأنه متهم بالمشاركة (…) ومن صالحه دفع التهمة عنه”.
في بيان مشترك صدر في 5 أبريل/نيسان 2021، قالت 11 منظمة حقوقية دولية إن “اتهام عماد ستيتو من طرف السلطات يلغي عمليا القيمة الاستدلالية لتصريحه كشاهد للدفاع”، مضيفة أن على المحكمة أن “تُوفر لأي متهم جنائي جميع الوسائل المتاحة للدفاع عن نفسه”.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يجب السماح للمتهمين بجرائم بتقديم شهود لصالحهم أمام المحكمة على نفس الأساس الذي يتم تقديم شهود ضدهم.
تجاهل الأدلة ورفض شاهد الدفاع
بخصوص تهم التجسس، يبين ملف القضية بوضوح أن وكيل الملك اعتمد بشكل كبير على تصريح أدلى به الراضي للشرطة، قال فيه إنه كان على اتصال عام 2013 بأرنو سيمونس (Arnaud Simons)، وهو موظف سابق في السفارة الهولندية في المغرب.
جاء في تقرير الشرطة في القضية أنه بما أن الاسم (المكتوب خطأً) “أرنولد سيمون” (Arnauld Simon) لم يرد في قائمة وزارة الخارجية للدبلوماسيين المعتمدين في المغرب، فإن ذلك “يكرس الاحتمال” أنه ليس اسم شخص حقيقي. قالوا إنه الاسم المستعار لعميل سري في الاستخبارات الهولندية كان يأخذ معلومات سرية من الراضي حول احتجاجات الريف عام 2017. ويشير نص الحكم إلى أن النيابة العامة أيدت هذا الاحتمال أثناء المحاكمة و”استنتجت” أن سيمونس هو “إسم حركي” لعميل سري لهولندا.
اتصل سيمونس بـ هيومن رايتس ووتش في أوائل 2021، وقدم صورا لوثائق هوية ووثائق أخرى تثبت أن أرنو سيمونس هو اسمه وأنه مواطن بلجيكي عمل متعاقدا لصالح السفارة الهولندية في المغرب بين 2013 و2015.
صرّح سيمونس في اتصالات مع هيومن رايتس ووتش وفي رسالة مفتوحة نشرها لاحقا على الإنترنت أن اتصالاته مع الراضي اقتصرت على مناقشة أمور ثقافية، بما يتطابق مع وظيفته كملحق ثقافي في السفارة. وأضاف سيمونس أن احتجاجات الريف عام 2017 لم تندلع إلا بعد عامين من مغادرته المغرب، وأنه لم يكن على اتصال مع الراضي منذ مغادرته.
في رسالة قدمها أحد محامي الراضي إلى القاضي أثناء جلسة المحكمة التي عُقدت في 29 يونيو/حزيران وحضرتها هيومن رايتس ووتش، أدرج سيمونس تلك الوثائق وطلب أن يكون شاهد دفاع. أضاف القاضي الرسالة إلى ملف القضية، لكنه رفض طلب سيمونس أن يكون شاهدا “لأن من شأن القيام بذلك إطالة زمن المحاكمة”.
التفسير الذي قدمه الحكم لإدانة الراضي بالتجسس لم يذكر رسالة سيمونس. بدلا من ذلك، ردد نص الحكم “استنتاج” المحكمة بأن “أرنولد سيمون” هو “إسم حركي يستخدمه شخص كان يعمل سابقا بالسفارة الهولندية في الرباط”.
رفض فحص شاهد الادعاء
في رسالة مؤرخة في 10 أغسطس/آب 2020 أُرسِلت إلى قاضي التحقيق، طلب أحد محامي المشتكية الاستماع إلى حسن آيت برايم، وهو مواطن مغربي-أمريكي يعيش في الولايات المتحدة لكنه “يوجد حاليا بالمغرب”، كشاهد في قضية الراضي.
كان الطلب مصحوبا برسالة قصيرة من آيت برايم قال فيها إنه كان يجري مكالمة فيديو مع المشتكية في 13 يوليو/تموز 2020، فرأى “رجلا يرتدي تبانا يمر من وراء الأريكة، فانقطع الخط بشكل مفاجئ”. قال آيت برايم في الرسالة إنه “لا يعرف حقيقة ما وقع [بعد ذلك]”.
وجه قاضي التحقيق في 12 أغسطس/آب 2020، وهو نفس اليوم الذي تلقى فيه طلب محامي المشتكية للإدلاء بشهادة آيت برايم، (وجه) رسالة إلى الوكيل العام للتشاور معه بشأن ذلك. بعد أن وافق الوكيل العام على الطلب كتابيا، أرسل قاضي التحقيق استدعاء مكتوبا إلى آيت برايم. تم إرسال هذه الرسائل واستلامها ومعالجتها في 12 أغسطس/آب، وهو اليوم نفسه الذي حضر فيه آيت برايم للإدلاء بشهادته في مكتب قاضي التحقيق.
قال العديد من المحامين المغاربة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم “في حيرة” من هذه السرعة، التي قالوا إنها نادرة للغاية إن لم تكن غير مسبوقة في المحاكم المغربية، خاصة في شهر أغسطس/آب، حين تكون الإدارة القضائية المغربية في عطلة صيفية. بسبب هذه العطلة، أخبر محامو الراضي المحكمة أنهم في أغسطس/آب 2020 لم يتمكنوا من العثور على أي شخص في جهاز القضاء برمّته ليقدموا إليه طلبا للإفراج المؤقت عن موكلهم. كان ذلك هو الشهر نفسه الذي تم فيه التعجيل بجلسة الاستماع إلى آيت برايم.
قال محامو الراضي لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يتلقوا إخطارا بشهادة آيت برايم إلا بعد عدة أشهر، بعدما عاد إلى الولايات المتحدة حيث يعيش بحسب الزعم.
طلب دفاع الراضي خلال المحاكمة استدعاء آيت برايم لفحص شهادته، لكن الطلب قوبل بالرفض لأسباب زائفة. ورد في الحكم المكتوب، الذي اعتمد جزئيا على أقوال آيت برايم، أن “القاضي الجنائي [لا يستوجب عليه استدعاء شاهد] متى [اطمأن] إلى صدق شهادة[ه]”. لضمان محاكمة عادلة وفقا للمعايير الدولية، يحق للدفاع استجواب أي شاهد يستند الادعاء إلى شهادته.
استدلالات المحكمة مبنية على تكهنات
يبدو أن العديد من أوجه الاستدلال التي اعتمدت عليها المحكمة في إدانتها للراضي تستند إلى “استنتاجات” أو “خلاصات” تخمينية بدلا من وقائع.
بخصوص تهمة التجسس، لم يحدد الحكم أي مواد سرية قد يكون الراضي وفرها عن علم إلى عميل أجنبي، ما قد يشكل جريمة تجسس. بدلا من ذلك، ينسج الحكم سلسلة من التكهنات للوصول إلى حكم الإدانة.
على سبيل المثال، جاء في الصفحة 230: “الاحتياطات الأمنية التي كان ينهجها المتهم مع دبلوماسي سفارة هولندا بالمغرب تثبت وعيه بخطورة الدور الذي يلعبه وطبيعة المهام المشبوهة الموكلة إليه […] بدليل تواصله مع الدبلوماسي الهولندي التي كانت تتم فقط عبر رسائل نصية”.
لا يبدو أن اعتماد شخص ما على الرسائل النصية كقناة اتصال أساسية دليل على أنه يزاول أي نشاط سري أو أنه مذنب بأي جرم.
يضيف الحكم في الصفحة 232: “يُستخلص […] أن تواصل المتهم مع عملاء السفارة الهولندية بالمغرب لا علاقة له بعمله الصحفي بدليل عدم نشره لأي مقال أو عمل صحفي [يتعلق بذلك التواصل] بل إن الأمر بالنتيجة يتعلق بعمل استخباراتي”.
إن مناقشة مواضيع مختلفة مع أشخاص مختلفين، بما في ذلك دبلوماسيون، دون القيام بالضرورة بنشر مقالات تستند إلى تلك المحادثات، هو عمل روتيني للصحفيين. إن “استنتاج” المحكمة تخميني ولا يبدو أنه دليل على جرم.
فيما يتعلق بتهمة الاغتصاب، جاء في الصفحة 224 من الحكم أن “ادعاء المتهم عمر الراضي بكونه مارس الجنس بطريقة عادية مع [المشتكية] وبرضاها يرفضه المنطق السليم ذلك أنه إذا كانت الضحية راغبة في ممارسة الجنس مع المتهم لسطرت لذلك برنامجا محكما ولحددت لذلك وقتا مناسبا […] أما وأنها بمسكن مشغلها وبحضور زميل لها كان شاهدا على الاعتداء […] فذلك لن يكون إلا من باب العبث الذي لا مكان له في العقل السليم”.
إن منطق المحكمة بشأن كيفية تخطيط “عقل سليم” للقاء جنسي لا يعدو كونه تخمينا، وذا قيمة مشكوك فيها في إثبات التهمة. كما أنه يقوم على صور جندرية نمطية.
كما أن الحكم يحرّف بشكل فج تصريحات ستيتو، بشكل يضره ويضر الراضي. في الصفحة 237، يذكر الحكم أن ستيتو “لا ينكر” سماع الراضي يوجه تعليقا معينا إلى المشتكية، وهو تعليق يشير إلى ذنب الراضي وتواطؤ ستيتو. في الواقع، وكما هو واضح في المحضر الرسمي لأقواله أمام الدرك وقاضي التحقيق، نفى ستيتو بشدة أنه سمع الراضي يدلي بتعليق من هذا القبيل. كما أنكر ذلك في جلسة محاكمة حضرتها هيومن رايتس ووتش، ومرة أخرى في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
مضايقات سابقة للراضي
قبل إلقاء القبض عليه في هذه القضية، ضايقت الشرطة والسلطات القضائية المغربية الراضي لسنوات وبطرق متعددة. سُجن الراضي لفترة وجيزة بسبب تغريدة انتقد فيها قاضيا؛ وأفادت تقارير أن هاتفه الذكي اختُرق باستخدام برنامج تجسس قوي يُباع للحكومات فقط؛ كما تعرّض للتشهير بلا هوادة من قبل مواقع مرتبطة بشكل وطيد بأجهزة الأمن المغربية.
قدم تقرير لـ هيومن رايتس ووتش نُشر في سبتمبر/أيلول 2020 عدة تفاصيل عن تلك الحوادث السابقة.
بعد شجار مع أشخاص أمام حانة في الدار البيضاء في يوليو/تموز 2020، حوكم الراضي وستيتو بتهم السب والشتم والسكر العلني. في 5 أغسطس/آب 2021، حكمت المحكمة الابتدائية في عين السبع بالدار البيضاء عليهما بالسجن ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ. تم النظر في هذه القضية دون أن يمثل أي من المتهمين أمام المحكمة على الإطلاق. قال محامي ستيتو لـ هيومن رايتس ووتش إن موكله لم يتلق أي إشعار بجلسات المحاكمة التي سُجل غيابه عنها. ولم يتم كذلك إشعار الراضي، الذي كان حينها قد أمضى أكثر من عام في السجن، ولم تأخذه الشرطة من زنزانته إلى قاعة المحكمة.
اعتداء جسدي
في 7 يوليو/تموز 2019 في حوالي منتصف الليل، اعترض سائق دراجة نارية سيارةَ الراضي في عين السبع، إحدى ضواحي الدار البيضاء. قال الراضي لـ هيومن رايتس ووتش إنه عندما حاول أن يتجنب الدراجة النارية، خرج أكثر من 10 رجال آخرين من الظلام وشرعوا في ضرب سيارته بقوة بالعصي والحجارة. كسر المهاجمون نافذة الراكب الأمامي قبل أن يتمكن الراضي من الهروب. قدمت والدة الراضي فيما بعد إلى هيومن رايتس ووتش صورا للأضرار التي لحقت بسيارة ابنها.
صباح اليوم التالي، ذهب الراضي إلى مركز للشرطة في عين السبع وقدم شكاية في الموضوع. وعد ضباط شرطة بإجراء تحقيق في الحادث، وأعطوا الراضي توصيلا يحمل خاتم الشرطة ورقم ملف، وطلبوا منه استخدام ذلك الرقم لتتبع وضع شكايته في محكمة عين السبع. بعد أشهر، وبعد أن اعتُقل الراضي بسبب تغريدة، ذهب محاميه إلى المحكمة للتحقق من وضع الشكاية. قال المحامي لـ هيومن رايتس ووتش إن الرقم التسلسلي المذكور في التوصيل غير صحيح ولا يدل إلى أي ملف قضائي قائم.