تقرير تقصي حقائق مشترك بشأن مقتل نزار بنات

تقرير تقصي حقائق مشترك بشأن مقتل نزار بنات
“الهيئة والحق” تصدران تقرير تقصي حقائق مشترك بشأن مقتل نزار بنات

8/3/2022

اصدرت الهيئة المستقلة ومؤسسة الحق تقرير تقصي حقائق مشترك بشأن مقتل الناشط السياسي نزار بنات بتاريخ 24 حزيران/يونيو 2021.

ويأتي التقرير نتيجة المتابعة التي تمت منذ لحظة الإعلان عن وفاة بنات، فقد قامت الهيئة والحق بالتواصل مع النيابة العامة لطلب وجود أطباء مستقلين لحضور عملية إجراء الصفة التشريحية للمتوفى، ووافقت النيابة العامة على انتداب طبيب ممثل عن الهيئة، وآخر ممثلاً عن العائلة لحضور إجراءات علمية التشريح، علاوة على تواجد ممثل عن الهيئة وممثل عن الحق في معهد الطب العدلي بجامعة القدس- أبود يس، لمتابعة جميع الحيثيات المتعلقة بإجراء الصفة التشريحية. وأيضاً تواجد طواقم من الهيئة المستقلة ومؤسسة الحق في مكان إقامة الناشط بنات والاستماع لروايات شهود العيان.

ويتضمن التقرير بعد المقدمة المنهجية ونطاق عمل فريق التحقيق، الناشط السياسي نزار بنات، أحداث متسارعة سابقة لمقتل نزار بنات، الطريق إلى نزار ، اعتقال ومقتل الناشط بنات، إجراء وتقرير الصفة التشريحية، تحليل الوقائع، رد الفعل الرسمي الأولي وتشكيل لجنة تحقيق، ردود الفعل المحلية والوطنية، ردود الفعل الدولية، الإعلان عن توقيف المشتبه بهم وفتح تحقيق جنائي، تداعيات مقتل الناشط بنات ومزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية، التزامات السلطة القانونية والمسؤولية الجزائية، واجب الحماية والتحذير، المقاضاة وسبل الانصاف وجبر الضرر، الاستخلاصات والتوصيات.

تستند جميع الوقائع الواردة في التقرير بشأن تسلسل الأحداث، وبخاصة تلك التي وقعت داخل الشقة أثناء الاعتداء على الناشط بنات إلى إفادة الشهود الذين كانوا معه في الشقة أثناء الاعتداء عليه واعتقاله، ولم يتسن لفريق التحقيق، التحقق من تلك المعلومات من أية جهات أخرى وبخاصة الجهات الرسمية أو عناصر القوة الأمنية التي تواجدت داخل الشقة.

وعزا تقرير التشريح سبب وفاة الناشط نزار بنات إلى تعرضه لاعتداء شديد شمل مساحات ومناطق عديدة من الجسم، وبالتحديد في منطقة الصدر، حيث أن وجود السائل المدمم داخل النسيج الرئوي يؤدي إلى الاختناق، وبرزت علاماته على جسد بنات من خلال الاحتقان الشديد في الوجه والجفون ووجود البقع النزفية على سطح الرئتين الأمامية والخلفية، ولكل ذلك يعلل التقرير أن نتيجة الوفاة تتمثل بالاختناق لامتلاء الرئتين بالسوائل والافرازات المدممة.

كما تم أخذ عينات نسيجية من جميع الأعضاء الداخلية وسوائل الجسم “الدم، والبول، والعصارة المرارية” لإجراء الفحوصات النسيجية والمخبرية.

تحليل الوقائع

تشير الوقائع التي حدثت داخل مكان إقامة الناشط بنات وأثناء القبض عليه إلى استخدام قوة كبيرة وهائلة للسيطرة عليه، فقد أظهر تقرير الصفة التشريحية تعرض الناشط بنات إلى الاعتداء بأدوات راضة صلبة، وأظهر وجود العديد من الكدمات والجروح والتسحجات في أنحاء متفرقة من جسده، بما يؤكد استخدام العناصر للقوة المفرطة ضد الناشط بنات، ويخالف الضمانات الدستورية والقانونية ومدونات قواعد السلوك التي تحكم عمل المكلفين بإنفاذ القانون، حيث شكل سلوك عناصر القوة انتهاكات جسيمة لمدونة الأخلاقيات وقواعد السلوك العامة لمنتسبي قوى الأمن الفلسطينية.

الاستخلاصات

تعرض الناشط نزار بنات لحالة تحريض كبيرة ضده، قبل وقت قصير من مقتله، من عناصر محسوبة على حركة فتح في مدينة دورا، كذلك صدور بيانات باسم منطقة دورا التنظيمية، تحرض على القصاص تجاهه، ونشر مسؤولون في السلطة الفلسطينية منشورات تحريضية ضده.

وفي ظل ارتفاع وتيرة التحريض إلى ممارسات على الأرض من خلال إطلاق النار على منزله، وتلقيه تهديدات بالقتل عبر وسائل مختلفة من جهات معلومة وأخرى غير معلومة. وقد تصاعدت هذه التهديدات ولغة التحريض بعد قيام الناشط بنات من خلال قائمة “الحرية والكرامة” بتوجيه رسالة للاتحاد الأوروبي يطالب بوقف الدعم عن السلطة الفلسطينية واتهامها بالفساد، وقد شكلت ذلك حالة من الضغط الكبير على أجهزة الأمن الفلسطينية لضرورة وضع حد للناشط بنات، من خلال اعتقاله بالدرجة الأولى ووضعه على قائمة المطلوبين لأجهزة الأمن في مدينة الخليل.

التهمة الموجهة الى الناشط نزار بنات والواردة في مذكرة الاحضار الصادرة عن النيابة العامة بتاريخ 2-4/5/2021 هي “ذم السلطات العامة” وهي تهمة تتعلق بالرأي والتعبير وتصنف جنحة حسب قانون العقوبات الساري المفعول، ومن المستغرب أن الأجهزة الأمنية في اجتماعها المشترك المنعقد بتاريخ 23/6/2021 اعتبرت الناشط نزار بنات من أخطر المطلوبين لها، بل اعتبرته الأخطر، حيث تم وضعه على رأس قائمة من 15 شخصاً مطلوبين للأجهزة الأمنية على تهم مختلفة. بالرغم من أن الناشط بنات لم يشكل خطراً على النظام العام ولم يحمل السلاح أو يهدد الأمن والسلم بما يستدعي وضعه على قائمة المطلوبين الخطرين، وهذا مؤشر أن الأجهزة الأمنية رضخت لحالة التحريض التي تعرض لها الناشط بنات.

اتسمت طبيعة المهمة التي قامت بها عناصر القوة من جهاز الأمن الوقائي، والطريقة التي تمت بها بالدقة العالية والسرعة في التنفيذ، وتشير ضمن حيثياتها إلى وجود عمل استخباراتي على الأرض وتقنيات لوجستية ومعرفة بأدق التفاصيل لمكان تواجد الناشط بنات، والمواعيد المحددة لمكان تواجد الناشط بنات وأوقاتها. وأن استخدام أدوات حادة وسلاح خفيف من عبوات غاز ومسدسات والتمكن من اعتقال الناشط بنات والانسحاب من المكان وتنفيذ المهمة في وقت قصير لم يتجاوز (6) دقائق، ومن ذلك يستنتج بوجود قرار بتنفيذ عملية اعتقال للناشط بنات بأقصر وقت ممكن وبأي ثمن، حتى لو أدى ذلك إلى استخدام القوة المفرطة.

إن ممارسة العنف والقوة المفرطة ضد الناشط بنات باستخدام أدوات حديدية والضرب بها على الجزء العلوي من جسده، وهو نائم غير قادر على مقاومة عناصر القوة، ورش وجهه بالغاز، والسحل وتجمع أكثر من 9 عناصر حوله والقيام بالاعتداء عليه بالضرب بكعب المسدسات، وأداة حادة على أنحاء متفرقة من جسده، من المفترض أنه تشكل لعناصر القوة الأمنية احتمالية الوفاة للناشط بنات نتيجة استخدام ذلك العنف والقوة المفرطة. وبالرغم من هذه الاحتمالية المفترضة، إلا أن عناصر القوة استمرت بالقيام بالاعتداء وباستخدام تلك الأدوات وقبولها بنتيجة تلك الاحتمالية وأثرها، بالنظر لضرورة تنفيذ المهمة في أسرع وقت وبأي ثمن.

يعبر استخدام كل هذا العنف والقوة المفرطة، وطريقة اقتحام مكان إقامة الناشط بنات، والنتيجة التي حدثت، عن مدى التأثر الواضح لعناصر القوة بحالة التحريض التي سبقت عملية اعتقال ومقتل الناشط بنات، بالإضافة إلى الجهد المبذول في عملية المراقبة والمتابعة للناشط بنات، وفشل الوساطات ما بين أقارب الناشط وجهاز الأمن الوقائي، التي كانت تهدف إلى تقديم ضمانات لعدم تعرض الناشط بنات للتعذيب وسوء المعاملة مقابل تسليم الناشط بنات نفسه لجهاز الأمن الوقائي كما حدث في مرات سابقة.

قدوم عناصر القوة، وجميعهم من جهاز الأمن الوقائي، لتنفيذ مهمة أمنية في منطقة تعتبر تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، تتطلب وجود تنسيق أمني للقيام بتلك المهمة مع الاحتلال الإسرائيلي، وقدوم القوة بالزّي المدني واستخدام مركباتهم الشخصية، وهم ظاهرو الوجه، وعدم حمل سلاح الطويل من قبيل الكلاشنكوف المستخدم عادة لدى الأجهزة الأمنية، والاكتفاء بسلاح ناري خفيف من قبيل المسدسات، يرجح امكانية عدم وجود تنسيق أمني لتنفيذ تلك المهمة.

قيام عناصر القوة من جهاز الأمن الوقائي بالدخول لمكان إقامة الناشط بنات عن طريق خلع النافذة واستخدام القوة المفرطة، في ظل عدم وجود أية مقاومة لها من قبل الناشط بنات أو أبناء عمه المتواجدين معه في ذات المكان، يعد انتهاكاً للقوانين والتشريعات النافذة ذات العلاقة، سواء قانون الإجراءات الجزائية لعام 2001 المنظم لأحكام إجراءات القبض والتوقيف أو مدونة الأخلاق وقواعد السلوك لمنتسبي قوة الأمن الفلسطينية والتي حددت إجراءات استخدام القوة.

تشير كافة المتابعات التي قام بها فريق التحقيق لمسار القوة والوقت المستغرق، والتأكد من خروج الناشط بنات على قيد الحياة من مكان إقامته حتى لحظة إدخاله للمركبة التي أقلته، ووصوله إلى مقر جهاز الأمن الوقائي بمدينة الخليل فاقداً للوعي ومن ثم وصوله للمستشفى مغطى والاعلان عن وفاته، أن الناشط بنات قد فارق الحياة أثناء نقله من مكان اعتقاله إلى مقر جهاز الأمن الوقائي داخل المركبة.

يثير عدم قيام عناصر القوة بطلب المساعدة الطبية أثناء النقل، وعدم التوجه إلى المستشفى مباشرة قبل الذهاب إلى مقر جهاز الأمن الوقائي، مجموعة من التساؤلات بشأن عدم اتخاذ القرار بشأنها، حول ما إذا قامت القوة بالإبلاغ عن فقدان الوعي للناشط بنات إلى مستويات أعلى وماذا كان قرارها؟ أم كان القرار ميدانياً لعناصر القوة للتصرف بهذه الطريقة.

وقال التحقيق ان كافة الإجراءات التي قام بها عناصر القوة من جهاز الأمن الوقائي انتهكت القواعد الدستورية الواردة في القانون الأساسي المعدل لعام 2003، وبخاصة الحق في الحرية الشخصية والحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة، وتشكل جرائم موصوفة في القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات ذات العلاقة، وتوجب المساءلة الجزائية والتأديبية والإدارية، كما توجب التعويض عن الضرر الذي لحق بالضحية وعائلته.

بالرغم من افتقاد لجنة التحقيق الرسمية للمرجع القانوني الخاص بتنظيم لجان التحقيق الرسمية، إلا انها لم تتبع في عملها منهجية واضحة بشأن التحقيق في الحادثة، كذلك عدم نشر التقرير ومشاركته مع العائلة بشكل رسمي، حيث تتطلب لجان التحقيق في حالات القتل خارج القانون اعتماد المبادئ التوجيهية الدولية بهذا الخصوص، أو منهجيات عمل معلومة مسبقاً في عمل تلك اللجان، والقيمة القانونية للتوصيات الصادرة عنها، كما هو الحال في الممارسات الدولية الفضلى في حالات مشابهة، والتي تستند إلى منهجيات عمل البروتوكول النموذجي المتعلق بالتحقيق القانوني في عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة، “بروتوكول مينوسوتا”.
الإعلان عن قيام النيابة العسكرية بفتح تحقيق جزائي بالحادثة بعد انتهاء لجنة التحقيق الرسمية من عملها، يشير إلى حالة إرباك في الأطر ذات المسؤولية القانونية التي كلفها القانون في متابعة الجرائم وإجراء التحقيقات الجزائية بشأنها، كذلك استعجال النيابة العامة المدنية بوقف إجراءاتها بالتحقيق في الحادثة وإحالة الملف التحقيقي للنيابة العسكرية بالاستناد إلى شهادة الشهود، كون عناصر القوة من العسكريين، بالرغم من عدم معرفة الشهود لخلفيات جميع عناصر القوة إذا ما كانوا جميعهم من مراتب عسكرية أم لا، وعدم توسع النيابة في التحقيق ليشمل التحريض السابق على الناشط بنات

إعلان المتحدث الرسمي باسم الأجهزة الأمنية عن انتهاء النيابة العسكرية للتحقيق في جريمة مقتل الناشط بنات، وتوجيه الاتهام إلى عناصر القوة التي شاركت في اعتقال ومقتل الناشط بنات دون غيرهم من المسؤولين، والإشارة إلى عدم توجيه اتهام إلى نائب مدير جهاز الأمن الوقائي في الخليل لعدم وجوده في المكان، أو اية إشارة إلى إجراءات استجواب قامت بها النيابة العسكرية أو النيابة المدنية لمسؤولين في مراكز صنع القرار الأمني والسياسي، يشير بوضوح إلى استبعاد المساءلة لمسؤولين رفيعي المستوى، سواء من أعطى التعليمات أو من هم في مواقع صنع القرار، أو من كان يفترض بهم ممارسة الإشراف على القوة، إعمالاً لقانون الخدمة في قوى الأمن، والمعايير الدولية ذات الشأن. كذلك عدم استجوابهم حول الحادثة وغيرها من معلومات لها علاقة بمعرفتهم المسبقة لسلوك القوة وعدم اتخاذهم إجراءات تحول دون ذلك السلوك، أو عدم معرفتهم بشكل أو آخر بأي معطيات بذلك السلوك.

تدلل الظروف السابقة لاعتقال ومقتل الناشط بنات إلى عدم اتخاذ أية إجراءات أو تدابير تتعلق بحماية الناشط بنات أو تحذيره من المخاطر التي كانت محدقة به وبعائلته، بما يرتب مسؤولية على السلطة الفلسطينية عن عدم تنفيذ التزاماتها الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبخاصة الالتزام بالحماية الوارد في المادة (6) من العهد، حيث أن كافة المعطيات التي توفرت لدى الجهات الأمنية، وبخاصة حادثة اطلاق النار على منزل الناشط بنات والقاء قنبلة غاز على منزله أثناء تواجد أفراد اسرته داخل المنزل وما رافقها من حالة تحريض عليه، كانت تستدعي اتخاذ إجراءات وتدابير للحماية والتحذير من مخاطر تتهدد الناشط بنات وعائلته.

إن استخدام العنف والقوة، وإن كانت بشكل أخف في بعض الحالات، تشكل نهجاً متبعاً لدى بعض عناصر الأجهزة الأمنية خلال عمليات القبض والتوقيف، حيث وثقت الهيئة المستقلة ومؤسسة الحق عبر سنوات العديد من انتهاكات ضمانات القبض والتوقيف واستخدام العنف بصوره المختلفة، وخاطبت العديد من الأجهزة الأمنية والنيابة العامة والنيابة العسكرية بشأن تلك الحالات، وكون عدد من تلك الحوادث والحالات الموثقة والمخاطب بها الجهات الرسمية لم تجرِ بشأنها تحقيقات محايدة وفعالة، يؤكد غياب المساءلة الحقيقية عن تلك الانتهاكات، بما يؤشر إلى استمرار تلك الممارسات التي تتطلب معالجة جذرية من خلال توفر إرادة جادة لإعمال المساءلة على كافة المستويات.

هناك العديد من النصوص القانونية الواردة في قانون العقوبات الثوري “العسكري” لسنة 1979، التي تمنح القائد العام لقوى الأمن صلاحيات إصدار عفو خاص، كذلك نصوص قانونية واردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية “العسكري” تمنح القائد العام لقوى الأمن ورئيس هيئة قضاء قوى الأمن صلاحيات وسلطات تقديرية واسعة في إلغاء أو تخفيض، أو وقف تنفيذ العقوبات الصادرة عن المحاكم العسكرية ، وفي حال استخدام هذه الصلاحيات يؤدي إلى الإفلات من العقاب، وهذا ما جعل كافة هيئات معاهدات والصكوك الدولية، بالإضافة إلى أمور أخرى، يمكن أن تأخذ منحى باتجاه مطالبة الدول بعدم اختصاص القضاء العسكري بالنظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل عناصر قوات الأمن.

شكلت الأحداث التالية لمقتل الناشط نزار بنات من تجمعات سلمية رافضة للحادثة ومطالبة بمساءلة المسؤولين عنها والاعتداء على المشاركات والمشاركين فيها، والاعتداء على الطواقم الصحفية، واستخدام عناصر بالزّي المدني، والاستدعاءات الأمنية والاحتجاز التعسفي على خلفيات النشاط السياسي وحرية الرأي والتعبير، استمراراً لذات السلوك الذي تنتهجه قوى الأمن في التعامل مع التجمعات السلمية وممارسة حرية الرأي والتعبير، والذي يؤكد مجدداً على غياب المساءلة الجادة والحقيقية والفاعلة، بما يشكل إفلاتاً من العقاب، يمنح عناصر قوات الأمن الشعور بالحصانة إزاء ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان تضع السلطة الفلسطينية أمام المساءلة الدولية بعد الانضمام للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية.

تعد ظاهرة استخدام عناصر بالزّي المدني سواء كانت تتبع أجهزة الأمن أو تتبع تنظيمات سياسية وما مارسته من انتهاكات بحق المشاركين والمشاركات تحديداً الاناث منهن، من أخطر الظواهر التي تهدد السلم الأهلي والمجتمعي، وتظهر السلطة الفلسطينية ومؤسساتها الرسمية بعدم قدرتها على إدارة الشأن العام، وعدم احتكامها لسيادة القانون كمبدأ ناظم للعلاقة ما بين المواطنين/ات والسلطة التنفيذية بمختلف مكوناتها، الأمر الذي تكرر في أكثر من مناسبة.

أظهرت الظروف التي أحاطت بالناشط بنات قبل مقتله، وتداعيات الحادثة، حالة التداخل والعلاقة غير الصحية ما بين التنظيم والمؤسسة الرسمية، والذي ظهر جلياً من خلال تصريحات بعض السياسيين اتجاه تداعيات مقتل الناشط بنات، وزج عناصر تنظيمية في مواجهة المحتجين/ات سلمياً والاعتداء عليهم/ن في الساحات العامة، واستخدام الإعلام الرسمي بشكل منحاز غير محايد اتجاه تغطية الأحداث.

التوصيات

إصدار السلطة الفلسطينية اعترافاً كاملاً بالمسؤولية بشكل رسمي عن مقتل الناشط بنات، وتقديم اعتذار رسمي لعائلته وأصدقائه، وتوفير سبل الإنصاف وجبر الضرر لعائلته، بما يشمل تقديم التعويضات المادية، ومعرفة الحقيقة، وتقديم كافة المسؤولين عن الحادثة للمحاكمة العادلة والنزيهة، وتوفير ضمانات محاكمة عادلة للمتهمين.

مراجعة كافة الإجراءات والتدابير المتخذة بشأن ملابسات وظروف مقتل الناشط بنات، بما فيها عدم توفير الحماية والتحذير، وعدم القيام بالواجبات القانونية الملقاة على عاتق الجهات المسؤولة اتجاه حماية الحق في الحياة، والتقاعس عن اتخاذ الإجراءات القانونية بما يكفل الكشف عن ملابسات إطلاق النار على منزل الناشط بنات قبل مقتله، والتحريض على القصاص منه، وتوسيع دائرة المساءلة بما يشمل المسؤولين وصناع القرار، وتقديم كل من يثبت تورطه بذلك للمحاكمة العادلة.

تقديم السلطة الفلسطينية ضمانات بعدم التكرار، واحترام الحق في التجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير، واحترام الحق في إقامة التجمعات السلمية وعدم التعرض لها بأي شكل من الأشكال، وفتح تحقيقات جزائية بالانتهاكات التي طالت المشاركات والمشاركين فيها، وعدم استخدام عناصر بالزّي المدني في التعامل مع التجمعات السلمية في أي ظرف كان.

تقديم اعتذار للطواقم الحقوقية والصحفية من صحفيات وصحفيين بمختلف مجالات عملهم/ن، باعتبارهم/ن عين الحقيقة في كافة الساحات، واحتراماً لدورهم/ن وشجاعتهم/ن في الميدان إبان تغطية انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في كافة المواقع والميادين، والتعهد بعدم الاعتداء عليهم/ن تحت أي ظرف كان، وتوفير الحماية لتلك الطواقم كلما تطلبت الحاجة ذلك، وتعويضهم/ن عن الاضرار التي لحقت بهم/ن وبمعداتهم.

قيام النيابة العامة المدنية بمتابعة البلاغ الجزائي المقدم من قبل المؤسسات الأهلية، وفتح تحقيق جزائي بحق العناصر بالزّي المدني الذين تعرضوا للمشاركين والمشاركات في التجمعات السلمية، والاعتداءات التي طالت الصحفيات والصحفيين في الميدان، وتقديمهم للمحاكمة.

قيام النيابة العامة المدنية بصفتها المشرف على مأموري الضبط القضائي بمتابعة كافة الإجراءات المتخذة من قبلهم ومراجعتها للتأكد من التزامها بالضوابط والمعايير الواردة في القانون، وتفعيل الصلاحيات الممنوحة لها إزاء المخالفات المرتكبة من قبلهم.

غياب المساءلة المستمر من قبل الأجهزة المختلفة، ما هو إلا نتيجة غياب إرادة سياسية جادة تجاه إعمال مبدأ المساءلة وفق مبدأ سيادة القانون، وفي الوقت الذي تتوفر الإرادة السياسية لإعمال مبدأ المساءلة لا تحتاج فيه إلا لقرار سياسي يؤكد التزام السلطة الفلسطينية بما هو وراد في القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات ذات الصلة، والإيفاء بالتزاماتها تجاه الاتفاقيات الدولية بموجب انضمامها لتك الاتفاقيات.

وقف حالة التداخل ما بين التنظيمات السياسية والمؤسسات الأمنية والرسمية، من خلال التأكيد على مرجعيات المؤسسات الرسمية السياسية منها والأمنية لمبدأ سيادة القانون، والاحتكام إلى القانون الأساسي والتشريعات في العلاقة ما بين المواطنين والسلطة التنفيذية بكافة مكوناتها، ووقف كافة ظواهر التحريض المتبادل، نحو خطاب وحدوي وطني يساهم في تمتين الجبهة الداخلية في مواجهة المخاطر التي تحدق بالقضية الوطنية.

قيام وزارة الداخلية بإصدار التعميمات الصارمة تجاه ضرورة الالتزام والاحتكام إلى التشريعات الناظمة للتجمعات السلمية، وحماية المشاركات والمشاركين فيها، واعتبار مشاركة النساء في تلك التجمعات مكسباً وطنياً وحضارياً يعتز به، ويشكل مفخرة للشعب الفلسطيني في كافة المحافل.

وقف اية ملاحقات للمواطنين على خلفية الرأي والتعبير، وتعديل التشريعات السارية، خاصة قانون الجرائم الالكترونية وقوانين العقوبات، وإلغاء النصوص التي تجرم بعبارات فضفاضة وواسعة اية انتقادات موجهة للمسؤولين او للسلطات الرسمية أو تتيح الملاحقة الجزائية للمواطنين على خلفية حرية الرأي والتعبير.