محمد علوش: أول أيار يعود .. مرحى للرايات
أول أيار يعود .. مرحى للرايات
محمـد علوش *
يأتي الأول من أيار المجيد، وبأي حال يعود، فهذه المناسبة الأممية ليس مجرد ذكرى احتفالية وعابرة في تاريخ الشعوب وفي تاريخ الحركة العمالية العالمية، بل هي محطة نضالية لتجديد التضامن الكفاحي الأممي لجميع عمال العالم، وميداناً نضالياً لتجديد العزيمة للعمل المتواصل على طريق انهاء الاستغلال والتمييز والقمع والاضطهاد.
ولقد كانت القوى السياسية اليسارية الفلسطينية، ومن ضمنها جبهة النضال الشعبي الفلسطيني طوال تاريخها وما زالت، المدافع الأمين عن مصالح الطبقة العاملة وتطلعاتها، والمنوّه بدورها المجيد في تاريخ شعبنا وطبقتنا العاملة، والذي قدم فيه العمال التضحيات الجسام التي ارتقت الى مستوى استرخاص الأرواح في سبيل نهضة شعبنا وتحرره واستقلاله الوطني في اطار مسيرة النضال والتحرر الوطني.
ان السياسة الاقتصادية الرأسمالية واقتصاد السوق تؤدي في نهاية المطاف الى سحق غالبية العمال تحت عجلة الأزمات المحلیة والعالمية، وتتجلى مظاهر هذه الأزمات في ازدياد الأسعار في السوق وغياب الضمان الصحي وخصخصة القطاع العام في مجال الخدمات وتحویل الواردات الریعیة الی القطاع الخاص، إضافة الى تحول تنامي دور ونفوذ القطط السمان التي تحولت الى كيانات اقتصادية عملاقة في السوق تحتكر الأنشطة الاقتصادية في الداخل والخارج.
مازال العمال والكادحون يتحملون العبء الثقيل للسياسات الخاطئة للحكومات الفلسطينية المتعاقبة، وسوء الإدارة والفساد وتداعيات الأزمات الناجمة عن نهج الانقسامات والصراعات السياسية، والتي عمقت مظاهر الأزمة البنيوية الشاملة التي يمر بها شعبنا، وعجزت عن إيجاد أي حل لإنقاذ واقعنا الاقتصادي مما هو فيه، ولتحسين أوضاع شعبنا والحفاظ على استقلاله وسيادته، حيث تجلى نضال العمال دائماً كطليعة وطنية وتقدمية في الدفاع عن الحقوق والحريات وعن الديمقراطية السياسية والاجتماعية وعن مصالح كافة فئات الشعب في مواجهة التناقض الرئيسي المتمثل في الاحتلال الاسرائيلي وسياساته العدوانية وحربه الارهابية على عموم الشعب الفلسطيني.
ومن أجل مواجهة هذه الأوضاع والظروف والتحديات التي تهدد الطبقة العاملة وکافة الفئات والشرائح الاجتماعية الضعيفة والمهمشة علی مستوی العالم، وهنا في فلسطين، بسبب السياسات التخريبية للرأسمال العالميّ والمحلي، لا بديل عن النضال الصلب والعنيد، والعمل من أجل ربط النضال المطلبي والاقتصادي المشروع للطبقة العاملة بالنضال السیاسي العام والواسع من أجل تحقیق المجتمع الاشتراکي وتأمين العدالة الاجتماعية والمساواة، وهذا هو جوهر الرسالة التاريخية للطبقة العاملة بكافة أذرعها النضالية واتحاداتها ونقاباتها حول العالم من أجل تحرير الإنسانة وازالة كافة أشكال اضطهاد الانسان وكل السياسات والاجراءات المستبدة التي تسعى للنيل من حقوق ومصالح العمال.
ان ما تمر به الطبقة العاملة الفلسطينية وحركتها النقابية اليوم من مصادرة لحقوقها ومكتسباتها، وتشتيت لجهود منظماتها واتحاداتها النقابية، يشير بشكل واضح الى السياسات الليبرالية الجديدة، المتساوقة مع التوجهات الخارجية، ومن أجل إرضاء المؤسسات المالية الدولية وتضخيم أموال أصحاب النفوذ والسلطة، في الوقت الذي يعاني فيه عموم فئات وشرائح الشعب، ومعظمهم من الفقراء والكادحين والمهمشين، من ضنك العيش وسوء وغياب الخدمات، وعدم الشعور بالأمان، وازدياد البطالة والفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية وغياب مشاريع التنمية المستدامة.
ان التركيز على هذه الأولويات، والعمل والضغط لتحقيقها عبر النضالات المتنوعة والمتعددة للطبقة العاملة وممثليها الحقيقين وسائر القوى الوطنية والديمقراطية، سيسهم بشكل كبير في تغيير أوضاع العمال، ويحسن ظروف معيشتهم وعملهم الصعبة الراهنة، وبالتالي يزيد من مساهمتهم في بناء الوطن واستقلال قراره الوطني ورخاء مواطنيه، والسير معا نحو تحقيق أهداف شعبنا وكادحيه في حياة حرة وكريمة، وبناء وطننا واعماره وضمان قراره الوطني المستقل، وسيادة قيم العدالة الاجتماعية والديمقراطية والمساواة.
لم تجلب هذه السياسات الرأسمالية الاغتراب والفقر والبؤس للطبقة العاملة فحسب، بل جلبت الأزمات الاقتصادية والحروب وتلویث البيئة والبطالة والفقر والتهميش للإنسانة جمعاء، حيث تتجلى الهویة الحقيقية للنظام الرأسمالي في نزعة الرأسمالية وتهافتها من أجل تكديس الأرباح والثروات علی حساب مصلحة ومصیر وبؤس حیاة الطبقة العاملة وکافة الكادحين وأبناء الطبقة الوسطى.
ان الأوضاع التي تعيشها الطبقة العاملة الفلسطينية لا یمكن فصلها عن وضع الطبقة العاملة وکافة شغیلة العالم، ولاسيما في بلدان الرأسمالية التابعة، فسياسات الليبرالية الجديدة وفق شروط صندوق النقد الدولي، وتوسیع قطاعات الاقتصاد الریعي في الأنشطة العالمية ولاسيما علی مستوی بلادنا، تصب جميعها في خدمة مصلحة البرجوازية البيروقراطية والطفیلیة وتنعكس أيضا علی مجمل سياسات الحكومة الفلسطينية، ولها تأثير سلبي علی الشعب الفلسطيني بحیث تؤدي الى أفول الطبقة المتوسطة یوماً بعد آخر، وانضمام أوساط واسعة منها بصفوف الجماهير الكادحة طبقياً.
ان مستلزمات النضال الطبقي على المستويات الفلسطينية والعربية والدولية تتطلب رصد ودراسة الاصطفافات الطبقية الجديدة في المجتمع الفلسطيني، والتي أدت الی توسيع صفوف المضطهدين والفقراء والأوساط الاجتماعية المهمشة، من أجل وضع برنامج جديد لنضال القوی والشخصيات الیساریة وحاملي فکر الطبقة العاملة، لبناء حرکة شعبية وجماهيرية لعموم الكادحين، وتنظيم الأوساط المهمشة لغرض النضال الیومي وممارسة الضغوطات علی السلطة لتغيير السياسات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة، وتأمين فرص العمل وایقاف خطوات الخصخصة واقرار قانون العمل بتعديلاته المطلوبة، ووضع قانون الضمان الاجتماعي للحوار العام بين كافة الشركاء الاجتماعيين، وتحقيق حق الحریة والتعددية في العمل النقابي في اطار الاتفاقيات الدولية.
في هذه الذكرى المجيدة من تاريخ الطبقة العاملة العالمية، علينا أن نشحذ الهمم لتعزيز نضالنا من أجل انهاء كافة أشكال استغلال طبقتنا العاملة الفلسطينية ورفع الظلم عن عمالنا، وحقهم في ممارسة حقوقهم النقابية، وانخراطهم الفعلي والملموس في قيادة الحركة النقابية، ودورهم النضالي في الدفاع عن حقوق ومصالح العمال من خلال تطبيق القوانين التي تم اقرارها بالحد الأدنى للأجور، وقانون الضمان الاجتماعي، وتعزيز السياسات العمالية في اطار الشراكة الثلاثية والمتكافئة بين الشركاء الاجتماعيين من أطراف الانتاج الثلاث، وفي ظل تكدس القضايا والأولويات العمالية على جدول أعمال النقابات، وما يجب أن تقوم بهذه هذه النقابات لتحقيق هدف تنظيمها، فأمام الحركة العمالية والنقابية الفلسطينية مهام صعبة ومعقدة تستدعي الوحدة والعمل المشترك، في ظل الأوضاع والتحديات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، وغياب السياسات الاجتماعية والاقتصادية العادلة، حيث وصلت معدلات البطالة في صفوف العمال إلى نسب مرتفعة في المجتمع الفلسطيني، ووصلت معاناة عمالنا وظروفهم القاهرة حداً بات من غير المقبول، بل من المعيب السكوت عنه، حيث باتت بعض النقابات فاقدة لدورها ولمسؤوليتها، وأخشى ما اخشاه أن أضطر لإعادة هجائها، حيث سبق وأن قلت فيها:
ونقابات العمال
شمعوها بالأحمر
ما عادت تستر عورتها !!
ونحن نفتش عن خبزٍ
عن عملٍ يحملنا
من يسمع صرختنا ؟؟