مهام اليسار في حراكات العالم العربي والمغاربي
مهام اليسار في حراكات العالم العربي والمغاربي
جاءت الموجة الجديدة من الحراكات العربية والمغاربية التي شملت السودان والجزائر ولبنان والعراق كاستمرارية للسيرورات الثورية التي بدأت موجتها الأولى سنة 2011؛ وكانت انطلاقة هذه السيرورات بعنفوان فاجأ حتى أكثر المتفائلين بقدرات شعوب المنطقة.
إن لهذه الحراكات سمات خاصة بها؛ إذ اتسعت إلى دول جديدة لم تشملها في موجتها الأولى، وتحولت من المطالب الاجتماعية إلى شعار “اسقاط النظام” لتعبر عن الرفض القاطع لمؤسسات النظام السياسي الحاكم؛ كما ناهضت مختلف التناقضات الدينية والاثنية والطائفية، وركزت على التناقض بين رأس المال وقوة العمل ومواجهة السلطة الحاكمة وفسادها؛ إنها لم تكتف برفض الحكومات والبرلمانات بل عبرت عن عدم الثقة أيضا، في الأحزاب المشاركة في اللعبة السياسية الرسمية؛ كما اختارت شعار “السلمية” لمواجهة القمع، وعملت على عدم الدخول في مواجهة مكشوفة مع الجيش مما يضطرها إلى القبول بأنصاف الحلول.
ومن سمات هذه الحراكات أيضا بروز دور اليسار بقوة وخاصة الأحزاب الشيوعية في السودان ولبنان والعراق عكس تواضع أدائه في الموجة الأولى. وتأثرت هذه الحراكات الشعبية أيضا بشكل سلبي بغياب أو ضعف الأحزاب العمالية وتواضع المشاركة العمالية والنقابية. وكان لواقع ضعف وتشتت اليسار وتركز قمع الأنظمة عليه، والصعود القوي لحركات الإسلام السياسي تأثيرا كبيرا على حجم حضوره في السيرورات الثورية منذ انطلاقتها.
ورغم هذه الاكراهات ساهم اليساريات واليساريون بتضحيات جسام ومجهودات جبارة في السيرورات الثورية؛ وبرزت في الموجة الثانية بعض الأحزاب الشيوعية (السودان، لبنان، العراق) وتنظيمات يسارية راديكالية بأدائها القوي وابداعها لآليات وأشكال نضالية شاركت فيها الجماهير بكثافة.
وتؤكد هذه السيرورات الثورية وتجارب أنظمة الحكم في المنطقة العربية والمغاربية فشل وعجز الكتلة الطبقية السائدة عن تحقيق مهمتي التحرر والديمقراطية بسبب طبيعة نمط الإنتاج الرأسمالي التبعي، مما يفرض على اليسار وضع استراتيجية وتكتيك نضاله بالاعتماد على الطبقات والفئات القادرة على التغيير دون السقوط في التسرع والتهافت نحو كراسي السلطة ودون تردد وتراخ. وتأسيسا على ما سبق وباستحضار تجارب هذه الحراكات يتحدد دور اليسار والمهام المطروحة عليه في:
o المشاركة الفعالة في بناء قوة مجتمعية قادرة على إنجاز التغيير والقضاء على الاستبداد والفساد وفتح الطريق نحو الحرية والتحرر والديمقراطية والعيش الكريم، وعدم الركون إلى الطهرانية النظرية أو التشكيك ونظرية المؤامرة؛
o العمل بحزم على بناء حزب الطبقة العاملة لضمان أفق حقيقي للتغيير وقيادة نضال الشعب من اجل الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية على طريق الاشتراكية؛
o الانخراط في صفوف الشعب والالتحام مع الجماهير في الشارع، والعمل على توحيد الجهود وبناء أدوات وآليات النضال التي تخدم هدف التغيير وعدم السقوط في تنسيقات فوقية لا تقدم النضال؛
o اقتراح الشعارات والبرامج والخطط التي تساعد على تطوير النضال وتساهم في تحقيق أهداف الحراك.
إن السيرورات الثورية لا زالت مستمرة، وستتواصل موجاتها أفقيا وعموديا بتعميق مكتسباتها وتوسيع مجالها مما يفرض على اليسار تجاوز نقط ضعفه لينهض بمهامه التاريخية وقيادة النضال للقضاء على الاستبداد والفساد ومواجهة التوحش الرأسمالي.