الدولة الاجتماعية “تلك الشجرة التي يحاولون عبرها إخفاء غابة الاستبداد” والتفقير والقهر الطبقي

افتتاحية:
الدولة الاجتماعية “تلك الشجرة التي يحاولون عبرها إخفاء غابة الاستبداد والتفقير والقهر الطبقي
لا يفوت المسؤولون أية فرصة أو مناسبة، وآخرها مناسبة فاتح ماي العيد الأممي للطبقة العاملة، إلا ويستغلونها لترديد شعار “الدولة الاجتماعية” التي يعرفون، هم أنفسهم قبل غيرهم، أنه مجرد خرافة لم تعد تنطلي على أحد، وخاصة على عمال وكادحي هذا الوطن الجريح الذين يكتوون يوميا بنار “الدولة الاجتماعية” الحقيقية والواقعية ألا وهي الدولة المخزنية التي أغرقتهم، بسياساتها الاستبدادية والرأسمالية المتوحشة، في مستنقع القمع السياسي والاستغلال والفقر والقهر والبؤس الاجتماعي.
فهذا الخطاب الديماغوجي المخزني حول “الدولة الاجتماعية” لن يستطيع الصمود طويلا أمام الواقع بحقائقه المرة والصادمة كما تكشفها إحصائيات المؤسسات الرسمية نفسها حول حياة المغاربة بالإضافة إلى احصائيات المؤسسات الدولية والتي تصنف المغرب في المراتب المتأخرة في التنمية البشرية والحريات العامة منها والفردية، والتي لم يعد النظام نفسه يشكك في صحتها كما كان في السابق. وسنكتفي بآخر مؤشرين حول “السعادة” و”الحرية الإنسانية”.
فالمغرب يحتل المرتبة 112 من بين 147 دولة في مؤشر السعادة، حسب تقرير مؤشر السعادة العالمي لسنة 2025 الصادر يوم الخميس 20 مارس 2025، بمناسبة اليوم العالمي للسعادة. وهو مؤشر يعتمد على عدة معايير من بينها الدخل الفردي والاستفادة من الدعم الاجتماعي ومستوى الصحة والحرية والكرامة ومدى انتشار الفساد… والمرتبة 130 من مجموع 165 دولة حسب مؤشر “الحرية الإنسانية” لسنة 2024 والذي يعتمد على معايير تربط بين الحرية والكرامة الإنسانية بمفهومها الشامل.
إن هذا الترتيب يعكس بوضوح مدى حياة الاستغلال والقهر الطبقي والفقر التي تحياها الأغلبية الساحقة من المغاربة. حياة كلها بؤس ومعاناة وصراع من أجل الشغل ولقمة العيش والدواء والسكن وتوفير الحد الأدنى من شروط الحياة والبقاء إن استطاعت إلى ذلك سبيلا، في ظل البطالة والأزمة الخانقة وتحلل الدولة من مسؤولياتها الاجتماعية اتجاه المغاربة وتعميمها للقمع السياسي والاجتماعي.
ترتيب يبين بوضوح أن الشعب المغربي بعيد كل البعد عن أن يعيش شيئا اسمه “السعادة” بما تعنيه من كرامة وحرية وعدالة اجتماعية ومساواة. أما شعارات “الدولة الاجتماعية” و”التنمية البشرية” و”الدعم المباشر” وغيرها فما هي سوى شعارات فارغة وزائفة هدفها التضليل وزرع الأوهام كمحاولات يائسة للتغطية عن واقع الاستغلال واليأس والبؤس الاجتماعي، ولامتصاص الاحتقان الاجتماعي حتى لا ينفجر.
هذا الترتيب ليس مستغربا، بل هو ترتيب موضوعي تبرره معطيات الواقع المرير والصعب الذي تعيشه الطبقة العاملة من استغلال طبقي رأسمالي مكثف وعموم الشعب المغربي من قهر وبؤس اجتماعي رهيب. واقع هو نتيجة منطقية وموضوعية للسياسات الطبقية المفترسة المنتهجة من طرف الدولة المخزنية، منذ الاستقلال الشكلي وإلى حدود الآن، على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. سياسات شعارها إغناء الأقلية الطبقية المسيطرة التي تستحوذ على أكثر من 65% من ثروات البلاد، وتفقير الشعب المغربي بمختلف طبقاته وفئاته. هذا التفقير الذي بلغ مستويات قياسية ومرعبة كشفت عن أهوالها جائحة “كورونا” والجفاف وزلزال الجنوب، حيث يعيش أكثر من 60% من المغاربة في الفقر، وأكثر من 21% في البطالة، ولا زال المئات من العائلات من ضحايا الزلزل تعيش في خيام بلاستيكية في غياب أدنى مقومات الحياة البشرية الكريمة. وقد ازدادت هذه السياسات الطبقية توحشا خلال العقود الثلاثة الأخيرة مع الانبطاح الكلي للنظام المخزني لإملاءات المؤسسات المالية الإمبريالية المتمحورة حول الخوصصة والتحرير الكلي للاقتصاد والإجهاز المتواصل على الخدمات الاجتماعية وتفكيك الوظيفة العمومية التي شكلت تاريخيا إحدى وسائل الترقي الاجتماعي لأبناء/ات الفقراء والاستيلاء على اراضي الفلاحين الفقراء وتفويتها للرأسماليين بمن فيه الصهاينة، ومع توسع وتعمق اقتصاد الريع والاحتكاروالمصاربات ونهب ثروات البلاد من طرف الكتلة الطبقية السائدة والمافيا المخزنية، ومع تكريس إغلاق الحقل السياسي عبر تشديد سياسة القمع السياسي ضد المعارضين والاصوات الحرة والقوى المناضلة.
في مقابل هذه الدولة الطبقية المخزنية الفاشلة يطمح الشعب المغربي، من خلال حراكاته وانتفاضاته الشعبية المجيدة ونضالاته البطولية المتواصلة وما يرفعه خلالها من شعارات معبرة، إلى بناء دولة الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولن تكون هذه الدولة المنشودة، بالمضمون أعلاه، سوى دولة وطنية ديمقراطية شعبية تكون فيها السيادة والسلطة للشعب يمارسها بكل حرية وبدون وصاية أحد. دولة يشارك في بناءها كل الطبقات والفئات الشعبية والقوى المجتمعية المتضررة من النظام القائم والتي من مصلحتها التغيير، مما يتطلب بناء جبهة الطبقات الشعبية، وهي سيرورة لابد لليسار والقوى الديمقراطية من أن تلعب الدور الأساسي في تشكيلها عبر توحيد صفوفها في إطار الجبهة الديمقراطية. وتعتبر “الجبهة الاجتماعية المغربية”، كجبهة ميدانية بين القوى اليسارية والديمقراطية، لبنة أساسية في تشكيلها يجب تفعيلها والرقي بها لتصبح أداة للدفاع عن مكتسبات الشعب المغربية وحقه في الحرية والعيش الكريم ومواجهة المخططات الطبقية الرأسمالية المتوحشة.
وهو ما يناضل من أجل تحقيقه حزب النهج الديمقراطي العمالي من خلال بذل كل الجهود الممكنة وعلى رأسها التواصل مع مكونات الجبهة الاجتماعية ومكاتبتهم في الموضوع لمعالجة وتجاوز واقع الجمود غير المفهوم الذي تعيشه الجبهة في وقت يشتد فيه القمع السياسي والقهر الطبقي وتتصاعد فيه النضالات العمالية والشعبية في جل القطاعات ومناطق البلاد.
فلننصت لنبضات الشعب، ولنكن في مستوى طموحاته، وفي مستوى متطلبات اللحظة التاريخية. ومن يخلف الموعد مع التاريخ، فالتاريخ لن يرحمه.