كلمة الميدان: في طريق النصر
كلمة الميدان: في طريق النصر
تتسارع التطورات على نحوٍ حادّ وخطِر حول الأزمة الكارثية التي تعيشها بلادنا، في ظلّ إعادة ترتيب واسعة لمواقع القوى الإمبريالية ومقارباتها في الإقليم. فعلى الصعيد الدولي، تمضي الإدارة الأمريكية بخطواتٍ متقدمة لمحاصرة تنظيم الإخوان المسلمين، عبر مشروع قرار مطروح أمام الكونغرس يتجاوز حتى موجِّهات الأمر التنفيذي (الرئاسي)، بما يعكس إنتقالاً من سياسة الإحتواء إلى سياسة العزل والتجريم. وبالوتيرة ذاتها، تسعى حكومات بريطانيا والإتحاد الأوروبي إلى إدراج التنظيم رسمياً ضمن قوائم الإرهاب، في تحوّلٍ نوعي لا يمكن فصله عن إعادة هيكلة أدوات السيطرة الإمبريالية في المنطقة.
ومن المعروف تاريخياً أن تنظيم الإخوان المسلمين، الذي أسهمت الإدارة الإستعمارية البريطانية في نشأته ورعايته منذ مطلع القرن الماضي، استُخدم كأداة مضادّة لحركات التحرر الوطني وصعود الفكر الإشتراكي في الشرق الأوسط. غير أنّ هذا التنظيم إستنفد أغراضه التاريخية، وتحول، مع تغيّر موازين القوى وتعقّد أزمات الرأسمالية العالمية، إلى عبء ثقيل على الإمبريالية الأمريكية وحلفائها. وما يجري اليوم ليس سوى بداية معلنة لمرحلة التخلّي عنه والتخلّص منه، بعد أن أدّى دوره بوصفه خادماً مطيعاً ومنفّذاً للسياسات الإقتصادية والسياسية للمعسكر الإستعماري.
ورغم إستمرار البرهان في المراوغة والكذب واللعب على التناقضات المحلية والدولية، فإن ورقة التوت قد سقطت بلا رجعة، وبدأت حلقات الحصار تضيق فعلياً على حكومات الأمر الواقع في بورتسودان ونيالا. ولم تعد مناورات الهروب إلى الأمام قادرة على شراء الوقت أو تغيير الوقائع. وفي سياق هذا التصعيد، لا يُستبعد أن تشهد الساحة السودانية مزيداً من الضغط الدولي، أو حتى التلويح بالتدخل العسكري، في محاولةٍ سافرة لقطع الطريق أمام مشاريع النفوذ المنافس، وعلى رأسها مشروع القاعدة العسكرية الروسية في شرق البلاد.
وفي هذا المناخ الدولي والإقليمي بالغ التعقيد، ومع الحراك المتسارع لفرض تسويات مصنوعة أمريكياً تمتد من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين والسودان والكونغو الديمقراطية، تبرز ضرورة اليقظة القصوى والحذر الثوري، عبر الفهم العميق للتطورات، وقراءتها في إطارها الطبقي والإمبريالي، وكشف أهدافها الحقيقية التي تستهدف إعادة إنتاج السيطرة، لا إنهاء الأزمات.
إن القوى الحيّة، وعلى رأسها القوى الوطنية الديمقراطية السودانية وحلفاؤها، مطالَبة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى بتعزيز وتوسيع تحالفاتها، داخلياً وخارجياً، إنطلاقاً من تجاربها النضالية المتراكمة في إستنهاض الجماهير الفاعلة وتنظيمها، وتجميعها حول برنامج واضح للمواجهة، دفاعاً عن الحقوق، ثم إنتقالاً منظّماً إلى الهجوم الجماهيري لإنتزاع حقوق شعبنا غير القابلة للمساومة في الحرية والسلام والعدالة.
ورغم الإنتصارات التاريخية التي حققتها جماهير شعبنا في أكتوبر وأبريل وديسمبر، فإن القوى الخارجية، بالتحالف مع الطابور الخامس المحلي، نجحت في محاصرة تلك الإنتصارات، وإجهاض مشروع التغيير، ومنعه من بلوغ أهدافه؛ مرة بالإلتفاف والإنتحال على شعارات الإنتفاضة، ومرة أخرى عبر العنف السياسي والعسكري المباشر.
وتؤكد تجارب شعبنا النضالية، دون لبس، أن التغيير ليس حدثاً عابراً ولا تسوية فوقية، بل عملية نضالية طويلة وشاقة، تتطلب وحدة جماهيرية صلبة تقوم على وعي الجماهير وإقتناعها، وعلى مشاركتها القاعدية الفعلية، لا في تنفيذ الإتفاقيات فقط، بل في صياغتها منذ البداية. فالجماهير المنظمة، الواعية، والمقتنعة بمشروعها، لا تُهزم. ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى تحوّل الجماهير الشعبية إلى قوى منظمة تفرض إرادتها من القواعد، وتفرز قيادات منتخبة، متجذّرة وسط جماهيرها، ومتمتعة بثقتها، لتقود وتوجّه مسار الكفاح الجماهيري.
إن هذه الخطوات الأولية والحاسمة هي وحدها الكفيلة بحماية هبّات الجماهير من الإحتواء والإنكسار، وبتمكين شعبنا من إستثمار التراجعات والإرتباك التي تُبديها القوى المعادية، وفرض ميزان قوى جديد في مواجهة التسويات القادمة.
.الميدان 4399،، الأحد 7 ديسمبر 2025م

