الجماهير الشعبية تؤدي فاتورة جائحة كوفيد-19
الجماهير الشعبية تؤدي فاتورة جائحة كوفيد-19
في ظل هذا الجو الرهيب الذي فرضته جائحة كوفيد19. تزداد معاناة وآلام الجماهير الشعبية الصامدة في الخطوط الأمامية للتصدي للفيروس وفي المعامل لضمان المواد المصنعة وفي الحقول لتوفير الغذاء للمواطنات والمواطنين، وفي المنازل لتنفيذ إجراءات العزل المنزلي .
إن الأشخاص الذين يوجدون في خطوط التماس مع الفيروس يواجهون خطر الموت بالابتسامة والدموع، ويصرون على قيامهم بمهامهم في خدمة المواطنات والمواطنين رغم البعد عن العائلة وضعف الإمكانيات، ورغم الحزن على حالة ضحايا الفيروس، ورغم الإرهاق وقلة النوم، ورغم ضغط الملابس الواقية، ودون أن ينتظروا مقابلا لتضحياتهم. إن كل هؤلاء تحولت لديهم البطولة إلى واجب.
وفي وحدات الإنتاج والخدمات تواصل الطبقة العاملة عملها. والفيروس يتربص بها، في ظل انعدام أو ضعف شروط الصحة والسلامة المهنية وتدابير الوقاية؛ إن معرفة العاملات والعمال بمنتوجاتهم تجعلهم واعين بمدى الحاجة إليها في ظل الظرفية الراهنة وبالتالي فهم يدركون جيدا حالات الضرورة وحالات المغامرة بأرواحهم من أجل الأرباح.
وفي الحقول يتواصل الإنتاج في ظل عزلة مطبقة، وغياب الخدمات العمومية وصعوبة تسويق المنتوجات، كما أن إغلاق الأسواق في البوادي دون توفير بدائل للخدمات التي تقدمها هو بمثابة قطع شريان الحياة بالنسبة للبادية المغربية وقطيعة مع العالم الخارجي وتوقف لكل الخدمات التي يحتاجها الإنسان وضياع موارد الرزق، الأمر الذي يتحول معه السكان، في ظل هذا الوضع، إلى منسيين في الجبال والوديان والصحاري .
وتنفيذا لإجراءات حالة الطوارئ الصحية وجد العديد من المواطنات والمواطنين أنفسهم معزولين في بيوتهم بعد توقفهم عن العمل والدراسة، حيث فقد أغلبهم موارد رزقهم وأصبحوا بدون دخل وهم مطالبون بتوفير شروط استمرار الحياة لأسرهم والقيام بأدوار المدرسين لأبنائهم؛ ومنهم من واصل العمل عن بعد للقيام بمهامه في الإدارة أو المقاولة التي ينتمي إليها، ومنهم من تحول من التعليم الحضوري إلى التعليم عن بعد رغم ضعف أو غياب شروط العمل لديهم ولدى التلاميذ مما لا يوفر مبدأ الإنصاف في هذه العملية.
وإذا كانت الجماهير الشعبية تعاني قبل کورونا من مشاكل التعليم والصحة والسكن والشغل، فإن معاناتها قد تضاعفت وتنوعت مع جائحة كوفيد19ء؛ لأن المعاناة مع الفيروس مفهومة ويتقبلها الجميع ويلتزم بإجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي اقتناعا بضرورة الحفاظ على صحة الجميع والتسريع بالتخلص من الوباء والانتهاء من هذا الكابوس، غير أن ما لا يمكن القبول به هو أن أسباب هذه الآلام والمعاناة هي السياسات الفاشلة للدولة المخزنية والفساد المستشري في دواليب الدولة وغياب أو ضعف التجهيزات والبنيات والخدمات العمومية وجشع الرأسماليين ولهاثهم وراء الأرباح ولو على حساب أرواح العاملات والعمال.
إن “عام كورونا” سيظل محفورا في ذاكرة المغاربة نظرا لما عاشوه فيه من أهوال ومآسي، ونظرا أيضا لما شاهدوه من إقبال على التضحية والعمل من أجل الآخرين ومن قدرة على التحمل من أجل نجاة الجميع.
فاتورة جائحة كوفيد-19 هي فاتورة ضخمة على كافة المستويات وفي كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وكان من المفروض أن توزع هذه الفاتورة بإنصاف بين الدولة والمقاولات والمواطنات والمواطنين، غير أن الكتلة الطبقية السائدة اختارت أن تحمل هذه الفاتورة للطبقة العاملة وعموم الكادحات والكادحين، فالجماهير الشعبية هي التي تخاطر في مواجهة الفيروس، وتضمن استمرارية الإنتاج، وتتحمل تبعات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، وتعاني من فقدان الشغل أو تراجع الدخل وغياب الخدمات العمومية، وتمول صندوق الجائحة بالاقتطاعات والمساهمات.
وإذا كانت هذه هي فاتورة الجائحة فإن ذلك لا يمثل سوى الوجه الأول للعملة، أما وجهها الثاني فهو كون الجماهير الشعبية قد عرفت حقيقة الرأسمالية واستعدادها للتضحية بأرواحهم من أجل أرباحها؛ إن هذه الحقيقة المرة والتي كان ثمنها باهظا هي ما سيؤجج النضالات ضد قيم وشعارات الرأسمالية وسترفع درجة الوعي بضرورة بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين.