السودان: حتى لا يتكرر فشل الفترة الانتقالية (2/4)
أشرنا في الحلقة الماضية إلي ضرورة تفادي تكرار تجارب فشل الديمقراطيات الثلاث في حل مشاكل: السلام، الديمقراطية والدستور الدائم، الأوضاع المعيشية والاقتصادية، والسيادة الوطنية، مما أدخل البلاد في الحلقة الشريرة (ديمقراطية – انقلاب – ديمقراطية. الخ)، والأن تدخل البلاد بعد ثورة ديسمبر فترة ديمقراطية رابعة، وهي تواجه المشاكل نفسها المتراكمة منذ الاستقلال وعمقّها بشكل كبير انقلاب الإسلامويين الذي أطاحت به الثورة، مما يتطلب التوافق لحلها جذريا، حتى لا تتعرض البلاد للمزيد من التمزق بعد انفصال الجنوب مع اشتداد حدة التدخل الخارجي في شؤون البلاد الداخلية الذي كرّسته “الوثيقة الدستورية” حين أبقت علي كل التحالفات العسكرية التي أبرمها النظام البائد ووجود السودان في محور حلف اليمن، وزاد عليها البرهان اتفاقات مع اسرائيل في لقائه الأخير بنتنياهو، مما يتطلب مراجعة كل الاتفاقات العسكرية السابقة وتعديل “الوثيقة الدستورية” بما يكرّس العلاقات الخارجية المتوازنة مع كل دول العالم فما هي التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية؟.
أولا: تواجه الفترة الانتقالية تحديا أساسيا يتمثل في السلام والأمن واستقرار الأوضاع المعيشية والاقتصادية، ونشاط الفلول والقوى المعادية للثورة كما هو الحال في السيطرة علي السوق والبنوك ورفع سعر الدولار والسلع الضرورية وتهريبها وحرق المحاصيل وتدمير الاقتصاد الوطني، ومحاولة فرض شروط صندوق النقد الدولي في رفع الدعم وتخفيض العملة وسحب الدعم عن الصحة والتعليم والخصخصة وتشريد العاملين، مما يؤدي لنسف الفترة الانتقالية والديمقراطية، كما حدث بعد الاستقلال بفرض المعونة الأمريكية، وبعد ثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985، إضافة لزعزعة الأمن والسلام باذكاء الصراع القبلي كما حدث في دارفور في : شنقل طوباي في شمال دارفور، ومرشينج وقريضة في جنوب دارفور، ومناطق جبل مرة (قولو – نيرتتي)، معسكرات النزوح ( زالنجي، وكريندق بالجنينة، وآخر الأحداث ما تمّ من صدام في جنوب دارفور بين الفلاتا والرزيقات في مايو الحالي، أدي لمقتل 50 شخص وجرحي. اضافة للصراع القبلي في شرق السودان كما حدث بين النوبا والبني عامر، وفي أحداث كسلا الأخيرة بمحلية ود الحليو ومحلية غرب كسلا وداخل مدينة كسلا نتج عنها فقد أرواح وجرحى.
وهي مخططات اذا لم يتم كبحها تهدف لفصل دارفور وشرق السودان والاستيلاء علي ميناء بورتسودان، مما يتطلب اليقظة والوحدة والتلاحم، وضرورة جمع السلاح من المواطنين وحصره في يد الجيش، والمحاكمات العادلة لمثيري ومديري الفتن القبلية، وحل المليشيات وفق الترتيبات الأمنية وتكوين جيش قومي مهني موحد.
اضافة للضجة المثارة الهادفة لاسقاط حكومة الفترة الانتقالية، حول د.عمر القراي علما بأن المناهج يجب أن يشترك في وضعها المعلمون والمتخصصون والمهتمون وجماهير الشعب السوداني، فضلا عن حق أي مواطن سوداني غض النظر عن لونه أو عرقه أو دينه أو معتقدة السياسي والفلسفي أو ثقافته. الخ أن يشغل وظيفة عامة طالما كان مؤهلا لها، والهجوم علي الشيوعيين بعد انتخابات تجمع المهنيين الأخيرة، فما المشكلة في وصول الشيوعيين أو غيرهم لقيادة التجمع طالما جاءوا بانتخابات ديمقراطية وشفافة ؟؟!!
هذا يقودنا إلي منهج السلام الجاري في جوبا، فما هو الخلل في هذا المنهج؟
– الخلل الأساسي هو عدم تكوين المفوضيات وأهمها مفوضية السلام التي تابعها مجلس الوزراء، لكن تمّ تغول مجلس السيادة علي عملية السلام، وتكوين مجلس السلام الذي يخرق “الوثيقة الدستورية” التي اعطت مجلس الوزراء حق”العمل علي ايقاف الحروب والنزاعات وبناء السلام”.
– وقّع المكون العسكري اتفاقا مع الجبهة الثورية بتأجيل المجلس التشريعي وتعيين الولاة المدنيين .
– السير في الحلول الجزئية والمسارات التي تشكل خطورة علي وحدة البلاد، ورفضها أصحاب المصلحة أنفسهم.
– اختزال السلام في محاصصات دون التركيز علي قضايا جذور مجتمعات مناطق الحرب من تعليم وتنمية وصحة وإعادة تعمير، فقد تمّ تجريب تلك المحاصصات في اتفاقات سابقة ( نيفاشا، ابوجا، الشرق، .الخ) وتحولت لمناصب ووظائف دون الاهتمام بمشاكل جماهير مناطق النزاعات المسلحة في التنمية والتعليم والصحة وخدمات المياه والكهرباء وحماية البيئة، وتوفير الخدمات البيطرية، وتمّ إعادة إنتاج الحرب وفصل الجنوب، من المهم الوقوف سدا منيعا لعدم تكرار تلك التجارب.
– الحركات نفسها جزء من الثورة وق.ح. ت، فالجماهير طرحت شعارات متقدمة في الثورة مثل : ” يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور”، ” من كاودا لأم درمان كل البلد سودان”، عليه من المهم الحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة.
– ليس هناك مبرر مبررا للتدخل الدولي الكثيف في شأن داخلي مثل: محور حرب اليمن، محور الدوحة، دول الترويكا وبقية الدول الاوربية وأمريكا في شأن داخلي يمكن أن يحله السودانيون، علما بأن التدخل الخارجي اضافة لسياسات نظام الانقاذ كان سببا في فصل الجنوب، والآن تتدخل الترويكا وامريكا وبقية الدول الأوربية باقتراح حجز 30% من مقاعد المجلس التشريعي لحركات الكفاح المسلح ( الراكوبة : 27 /4/2020 )، وتصريح بوث ديو المبعوث الأمريكي بدعم تقرير المصير للحلو، مما ينذر بخطر فصل دارفور وجبال النوبا.
– ضرورة حضور الجميع للخرطوم والجلوس في مائدة مستديرة للتداول حول الحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة، والتنمية المتوازنة، ودولة المواطنة التي تسع الجميع.
– التمهيد للمؤتمر الدستوري، وتحويل قضايا الخلاف حول قضايا الدين والدولة والحكم الاقليمي والهوّية، الخ للمؤتمر الدستوري.
ثانيا : ما هو البديل لمنهج السلام الجارى في جوبا؟
المنهج الجديد في السلام يجب أن يتضمن :
– الديمقراطية والتحول الديمقراطي، وتفكيك التمكين والانتقال للدولة الديمقراطية التعددية، والحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة.
– إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، ورفع حالة الطوارئ، واطلاق سراح كل المحكومين ونزع السلاح وجمعه في يد الجيش وحل جميع المليشيات وفقا للترتيبات الأمنية، لضمان وقف الحرب والصدامات القبلية والنهب والاغتصاب الجاري الآن في دارفور والشرق. الخ.
– يكون لمناطق التعدين واستخراج البترول والاستثمارت الزراعية والصناعية. الخ نصيبها من ثروات الذهب والكروم والبترول وبقية الاستثمارات، بما يساعد في تطوير وتنمية تلك المناطق.
– تسليم البشير والمطلوبين للجنائية الدولية ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وضد الانسانية.
– عودة النازحين لقراهم وحواكيرهم، وإعادة تأهيل وتعمير مناطقهم، وعودة المستوطنين لمناطقهم، وتحقيق التنمية المتوازنة، والاسراع في قيام المؤتمر الاقتصادي لتلبية احتياجات تلك المناطق.
– تكوين مفوضية السلام وإلغاء مجلس السلام الحالي غير الدستوري، ومباشرة السلام باشراف مجلس الوزراء حسب نص “الوثيقة الدستورية”.
– تحقيق دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو العرق.
– أن تكون المفاوضات في الخرطوم بمشاركة الجميع.
– قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية لمعالجة قضايا الحكم والدين والهوّية، والتوافق علي دستور ديمقراطي.
– قانون انتخابات ديمقراطي بمشاركة الجميع لقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
– وقف التدخل الخارجي في عملية السلام، الا للمساعدات الانسانية التي يتم التوافق عليها، وقيام علاقات خارجية متوازنة لمصلحة شعب السودان، وتصفية كل بؤر الارهاب والحروب في السودان.