افتتاحية: حتى لا تضيع البوصلة
حتى لا تضيع البوصلة
يوجد المغرب في وضعية اقتصادية واجتماعية خطيرة للغاية بفعل ترابط عاملين قلما يقعان في نفس الوقت في تاريخ الشعوب وهما: حلول جائحة كوفيد 19 والجفاف. توقفت الآلة الاقتصادية بشكل غير مسبوق، وتعطلت معها جل مرافق الشغل سواء في القطاع المنظم أو غير المهيكل، كما أغلقت جميع مرافق الإنتاج للمهنيين والحرفيين والخدمات الشعبية. كان الدخول للحجر الصحي سهلا وفجائيا حيث تم استعمال قانون الطوارئ وتسيير دوريات الشرطة والأجهزة القمعية وكثير من العنف المادي والمعنوي؛ لكن الخروج منه سيكون صعبا وفوق طاقة للدولة من اجل تحريك عجلة الإنتاج والدورة الاقتصادية.
بفعل کورونا والجفاف تعرت حقيقة البنية الاقتصادية وما نتج عنها من علاقات اجتماعية، ففي ظرف أقل من أسبوعين اكتشف المغاربة هول الخصاص وحجم الفقر. لقد وجدت الدولة نفسها أمام ما يناهز 20 مليون من المواطنات والمواطنين في حالة فقر مدقع، إلى فقر مزمن، إلى خصاص أو حافة الفقر. لم يعد الكلام عن فشل نموذج تنموي كاف، بل تعداه إلى فشل دولة وانهيار اختياراتها الاستراتيجية مما جعل الجنة بنموسى المنصبة للتسويق النموذج الوهم أن تعلق أشغالها العادية ويظهر عليها الارتباك.
كيف الخروج من الحجر الصحي؟ على ما يبدو ليس للدولة خطة كفيلة بالإجابة عن الانتظارات العاجلة والملحة. إنها مقتنعة بان الحكومة الحالية وتركيبة أحزابها لن تستطيع إقناع الجماهير الفقيرة أو المفقرة ببرنامج الخلاص؛ ولهذا السبب، نرى نوعا من التضارب في الخطاب الرسمي حول المخرج السياسي. إن أهم شروط المخرج السياسي المتوخي هو تحقيق سلم اجتماعي وإبقاء الغالبية في وضع المترقب لحلول موعودة، وإجبار الناس على قبول تحمل انعكاسات الأزمة تحت مبررات مصلحة الوطن وإنقاذ سفينة المغرب. فما هو السبيل لتحقيق السلم الاجتماعي؟ لن يكون في واقع الحال إلا عبر الحل السياسي، وهذا ما يجب علينا التركيز على كشفه وتحديد عناصر الأجوبة التي تقدمها أطراف الصراع ببلادنا. لا يجب علينا إغراق التحليل في تفاصيل هذه الأطراف، وهذا أمر يمكن أن ننخرط فيه لاحقا، لكن بعد أن نكون قد حددنا أجوبة الطرفين الأساسيين في الصراع والذين نحصرهما في:
– الدولة بكل أجهزتها السياسية والحزب أغلبية حكومتها ومعارضتها البرلمانية.
– القوى المناضلة المنحازة لمصالح أوسع الجماهير وعلى رأسها مصالح الطبقة العاملة.
فالدولة لا زالت لم تقدم خطتها وهي تجس نبض الشارع وتحاول صناعة رأي عام يقبل خطاب الخروج من الأزمة، ولهذا نسمع ونرى عملية تسويق مشاريع حكومة وحدة وطنية، أو حكومة منبثقة عن انتخابات 2021 بقيادة سياسية جديدة، وجميع هذه الخطابات تسوق لضرورة السلم الاجتماعي على خلفية وحدة وطنية تنخرط فيها الأحزاب والنقابات. لإخراج هذه المشاريع تطلق الدولة الكثير من احجبة الدخان عبر إثارة مواضيع التلهية والافتتان الإعلامي وما يصاحبه من مؤثرات قانونية وإخراج فرجوي بغرض ربح الوقت وإعطاء فرصة فرض الأمر الواقع.
أما بالنسبة للقوى المناضلة، فهي بدورها ترى أن المخرج من الوضع الكارثي الذي يعيشه شعبنا لن يكون إلا سياسيا باعتبار أن السياسية هي تكثيف للاقتصاد وللمشروع الاجتماعي برمته. إن الأزمة البنيوية لنمط إنتاج الرأسمالية التبعية ببلادنا قد وصلت إلى درجة عالية من التعفن بات معها أكثر من 20 مليون مواطن ومواطنة مهددين في حياتهم بالموت جوعا أو بآفات الأمراض أو غرقا في لجة البحار هربا من جحيم وطن لا يوفر أسباب العيش الكريم لأبنائه. إن هذه الأزمة لن تجد حلها إلا بتحويلها إلى فرصة الانتقال إلى نمط إنتاج جديد يضع المنتجين المباشرين للثروة في مركز القيادة والسلطة، تحقيق هذه النقلة يستوجب فرض برنامج مطالب تنتزع فيه الأغلبية المفقرة الحق في الصحة الجيدة والمجانية والحق في التعليم العمومي الجيد والمجاني وفي العمل القار وهي مطالب تنتزع وتقوى صف الجماهير وتوفر ميزان القوة المتقدم ضد دولة فاشلة استبدادية تحمي مصالح كمشة من الاستغلاليين من برجوازيين احتكاريين وكبار ملاك الأراضي المعمرين الجدد.
العدد الجديد 362 من جريدة النهج الديمقراطي