في الوضع الراهن واتجاهات العمل

في الوضع الراهن واتجاهات العمل

في الوضع الراهن واتجاهات العمل – الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

مقدمة

■ «معركة القدس»، عنوان يغطي وقائع المواجهات الشاملة التي دارت في الوطن بجناحيه 48-67، من 13/4 – تاريخ إنفجار هبّة القدس من «باب العامود» إبتداءً – وحتى 21/5/2021، تاريخ وقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة وجيش الإحتلال، إثر إندلاع معركة « سيف القدس»- 10/5.

هذا التحديد للإطار الزمني بحدي البداية والنهاية، إذ يعكس بأمانة وقائع السياسة والميدان، يكتسي أهميته من زاوية دحض القراءة الذاتية للأحداث بغرض التوظيف السياسي من طرفي السلطة، كما تَبَدَّت في مسلكهما، ما أن وضعت المعركة أوزارها: حركة حماس التي تسلط الضوء على الفصل الأخير، العسكري من المواجهات، إعلاءً لدورها، كونها تصدرت الميدان؛ وحركة فتح – بالمقابل– التي تُبهّت دور الفصل العسكري بالذات في المواجهات، لأنها غابت عنه في الميدان، كما في السياسة، لابل تمضي بعض أوساطها لاعتبار أن «سيف القدس» قد قطع الطريق على انتفاضة شاملة كانت في طور التشكل.

■ فرادة «معركة القدس»، أي ما يميّزها نوعياً عن مساق الهبّات التي تكاد محطاتها لم تنقطع منذ إندلاع «إنتفاضة الشباب»- 10/2015، هو مشاركة كل تجمعات الشعب الفلسطيني في صناعة وقائعها بصيغ العمل المتاحة، وبأشكال النضال المتوافقة مع ظرف كل تجمع على حدة: المقاومة الشعبية في الضفة بما فيه القدس، وما تخللها من عمليات فدائية + والحرب الأوسع – بتشكيلاتها وأدواتها – إنطلاقاً من القطاع + التظاهرات في مخيمات الشتات، وأخرى في ساحات عدة توزعت على أربع جهات الأرض، شجبت الإرتكابات الإسرائيلية ورفعت راية الحقوق الوطنية + أخيراً، وليس آخراً هبّة الغضب الشعبي– 48، التي غطت المدن المختلطة، وغيرها، إلى جانب الدعم المباشر لصمود أبناء القدس بالمشاركة متعددة الأوجه في الدفاع عن الهوية الفلسطينية للمدينة، ومقدساتها، بمواجهة مخططات التهويد والتطهير العرقي.

■ أما ما يميّز حراكات الـ 48 عن سابقاتها في العقود الماضية من حراكات مساندة لهبّات وانتفاضات الضفة والقطاع، بما فيه تلك التي أدّت إلى سقوط 13 شهيداً في بداية الإنتفاضة الثانية– 28/9/2000، ما يميّز تحركات الـ 48 هذه المرة، أنها استعادت وأضافت إلى ما سبق، بجمعها لأمرين:

أ) التأكيد على وحدة الحال والمصير بين جناحي الوطن، من خلال التضامن السياسي والعملي مع هبّة الضفة + المشاركة الفاعلة شديدة التأثير في مواجهات القدس+ إضراب 18/5 الذي شمل الضفة والـ 48 معاً – إلى جانب بعض بلدان الشتات – في أوج إحتدام نار «سيف القدس».

ب) رفع سقف الحركة الجماهيرية في الـ 48 في نضالها من أجل تحقيق مطالبها الخاصة بشروط حياتها، سياسياً ومعيشياً، تحت شعارات مناهضة لسياسة القمع والتمييز، وتأكيد طابعها ذا المنحى الصدامي باعتماد أشكال عدة في المواجهة، والصدام، بما فيه اللجوء لاستخدام السلاح الناري في المدن المختلطة، في سياق الدفاع عن النفس. لقد أظهر تحرك جماهير الـ 48 إخفاق مشاريع «الأسرلة» وبيَّن أن انتماء هذه الجماهير للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية يعلو في المنعطفات المصيرية، على مشاريع الإندماج وتحسين مستوى الخدمات التي صارت تتبناها بعض القوى مثل حزب راعم – منصور عباس.

■ تسببت هذه التطورات بإطلاق موجة غير مسبوقة من القلق لدى أوسع الأوساط الصهيونية حيال الوضع الفلسطيني داخل إسرائيل، الذي يتعاظم دوره السياسي وفعله النضالي، الأمر الذي سوف تترتب عليه تبعات، وسوف يلقي بمسؤوليات إضافية على الحركة الفلسطينية في الـ 48، ما بات – بدوره – يستوجب المزيد من التنبه واليقظة والمتابعة من القيادات المعنية على جانبي الخط الأخضر.

■ إن وحدة الساحات وتلاحمها، وتعدد أشكال النضال وتكاملها، كما ظهرت للعيان في «معركة القدس»، هي بمثابة إختبار عام، بروڤة لما سوف تأتي به الشهور والسنوات القادمة، مؤذناً بتواصل العد التنازلي للإحتلال بجيشه وأمنه، ومستوطنيه، فكما كان لـ «معركة القدس» مقدمات مهّدت لوقوعها، ستكون هي، بدورها، مقدمة لمواجهات لاحقة، ترتفع موجتها حدة أو تنخفض، تبعاً لتضافر شروط بعينها، لسنا بوارد تعيينها في هذا المكان، وإن كنا نجزم بوقوعها.

■ ما سبق يملي على الحركة الفلسطينية المسارعة لتجاوز النواقص والثغرات الماثلة، كما ظهرت في المواجهات الأخيرة، والتي تعود بالأساس إلى الإفتقاد لمركز قيادي موّحد، يُفعّل النضالات الجارية ضمن محددات استراتيجية تعكس الإجماع الوطني وإرادته الموحدة، الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن لاصطدامه بعقبات لن يكون بالإمكان تذليلها بيُسرْ، ما لم تتقدم الحركة الفلسطينية على طريق تجاوز الإنقسام، وهو الذي يتعاظم رسوخاً ومأسسة، وبمنحى يزداد خطورة، كلما مضى عليه الزمن، وبات يضع الحالة الفلسطينية على مشارف الإنفصال.

(1)المفاوضات من منظور السياستين الأميركية والإسرائيلية

1- بعكس ما حاولت بعض الأوساط الفلسطينية وغيرها، الترويج له، تُبيّن الوقائع أن سياسة إدارة بايدن بشأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لا تختلف في بنود رئيسية فيها، عن سياسة الإدارة السابقة، إدارة ترامب، بل هي – في واقع الحال – قريبة منها، لا بل مطابقة لها، بأقله في موضوعين رئيسين: القدس، لجهة التمسك بقرار الإعتراف بالمدينة، عاصمة لدولة إسرائيل + التطبيع، بصيغته المستخدمة بمسمى «إتفاقات أبراهام»، لجهة تثبيتها، تطويرها إن أمكن، وتشجيع إنضمام دول أخرى إليها، «فهذه الإدارة»- على قول بلينكن، «ستواصل البناء على جهود الإدارة السابقة لمواصلة مسيرة التطبيع قدماً».

2- أما فيما يتعلق بنقاط الإختلاف مع سياسة الإدارة السابقة، فبعضها يكاد يقتصر على سطح الأمور، ولا يدخل في عمقها؛ والبعض الآخر لا يأتيه الإختلاف، حتى على مستوى السطح:

أ) ففي موضوع مفصلي كالاستيطان، وإن ابتعدت إدارة بايدن عن تبريره بدعوى عدم خروجه عن أحكام القانون الدولي – كما فعل بومبيو، وزير الخارجية السابق- فإنها لا تعترض عليه بشكل فعلي، باستثناء إسداء النصح بتفادي نقاطه المتفجرة، وفي السياق المطالبة بعدم ترحيل المقدسيين من بيوتهم في عدد من أحياء المدينة، تجنباً للمضاعفات التي ستثيرها هذه العملية.

وبالمقابل، وفي تبنٍ واضح للرواية الإسرائيلية الطامحة لوضع اليد على المسجد الأقصى، فإن الخارجية الأميركية، تواصل إطلاق مُصطلح «الحرم/الهيكل» على المسجد الأقصى، إمتداداً لما سبق أن أقرته إدارة ترامب- 2018. هذا إلى جانب تأكيد بايدن ووزير خارجيته بلينكن على الفصل بين الموقف من الاستيطان وبين استمرار المساعدات المقدمة إلى إسرائيل ورفض فرض عقوبات عليها.

ب) بعد سيطرة آلية التنسيق الأمني – بالمفهوم الأميركي/ الإسرائيلي – على أداء السلطة، جاء الدور على المال لجهة تشديد الرقابة على موازنات السلطة، والتدخل في معاملات البنوك؛ والإعلام بدعوى قيامه بأعمال التحريض؛ والتعليم من أجل مراجعة المناهج التربوية لملاقاة الرواية الصهيونية؛ والأسرى والمحررين قطعاً لرواتبهم، وبالتالي إلغاءً للقانون الذي يكفل حقوقهم، ما يشكل إهانة لمقاتلي الحرية، وإساءة للنضال الوطني التحرري، وإهانة للشعب الفلسطيني بأسره.

جـ) وفي موضوع وكالة الغوث، أعلنت واشنطن– 4/2021 قرارها بإعادة المساهمة في تمويل موازناتها، إنما ضمن محددات بروتوكول– 15/7/2021 الذي وقَّعته مع الوكالة، يحّولها إلى أداة سياسية أمنية بيد واشنطن، بروتوكول يرمي إلى إحداث تغيير جوهري في مهام ووظيفة الوكالة، بنصه على استثناء الناشطين في بعض مجالات العمل الوطني- الموصومة بالإرهاب على زعمهم – من خدماتها ووظائفها (ما يسمى بالحيادية!)، كما وتغيير المناهج التربوية لجهة التخلي عن الرواية الفلسطينية، أساس الهوية والحقوق الوطنية.

3- بالمقابل، فإن ما يمكن إحتسابه ضمن خانة الإختلاف بين إدارتي ترامب وبايدن، والذي يتمثل بوعدين قطعا من إدارة الأخيرة أمام السلطة الفلسطينية، إنما بالشرط المعلق، الذي – في نهاية الأمر – سيُعيق تنفيذهما، أو يقود إلى تأجيلهما إلى أمد غير منظور:

الأول، يقضي بإعادة إفتتاح مكتب م.ت.ف بواشنطن، ما يستوجب نقض قرار سابق للكونغرس يصنف المنظمة في خانة الإرهاب؛

والثاني، يقوم على إعادة القنصلية الأميركية إلى القدس الشرقية، ما يقتضي تجاوز إعتراضات الحكومة الإسرائيلية، التي تعتبر هذه الخطوة إنتهاكاً لولايتها السيادية على المدينة، علماً أن المكسب الوطني المتوخى من هذه الخطوة، لا يتحقق إلا باستعادة المكانة الدبلوماسية والإدارية المستقلة للقنصلية عن السفارة الأميركية في القدس، وليس باستتباعها بدعوى الحفاظ على وحدة التمثيل الدبلوماسي في المدينة – العاصمة الواحدة(!).

4- أما ما اعتبر بمثابة «الموقف» الذي يقلب صفحة «صفقة القرن»، إنطلاقاً من إعلان إدارة بايدن سعيها للتوصل إلى تسوية، تقوم على «حل الدولتين المتفاوض عليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، فهو لا يعني الدخول مباشرة في المسار التفاوضي، بل ترحيله إلى أمد غير منظور، فـ «الإدارة الحالية كانت واضحة بأن نقطة البداية لن تكون مفاوضات مباشرة بين الطرفين تؤدي إلى أي نوع من الإختراق في المدى القريب»، كما يؤكد الناطق بلسان الخارجية الأميركية نيد برايس- 16/9/2021، الذي يضيف: «لا ندعو صراحة لإجراء مفاوضات وجهاً لوجه في الوقت الحاضر…، ما نحاول القيام به هو تمهيد الطريق إلى المفاوضات وإرساء الأساس، بحيث يحصل الشعب الفلسطيني على درجة من الإغاثة الإنسانية، وحتى نتمكن من بناء مسار، نحو وقت يكون فيه الإسرائيليون والفلسطينيون قادرين على التمتع بهذه المفاهيم الأساسية: الرخاء والأمن والكرامة على قدم المساواة، ونحن لا نتوهم أن هذا سنكون شيئاً قادرين على فعله بين عشية وضحاها، أو حتى في إطار زمني أطول قليلاً». وهذا ما أكده بايدن نفسه في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة- 21/9/2021: «أمامنا طريق طويل لتحقيق هذا الهدف»، قاصداً «حل الدولتين».
5- الدعوة إلى «حل الدولتين المتفاوض عليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، إذن، إستحقاق مؤجل إلى أن تنعقد شروطه، التي بدورها تحتاج إلى إطار زمني أطول، سوف تشغله قضايا تندرج تحت عنوان «السلام الاقتصادي» – أو ما يتقاطع معه بجوانب رئيسية من مشاريع أخرى، على غرار «إجراءات بناء الثقة»، أو «تقليص الصراع»،…– التي تمهد الطريق إلى «السلام السياسي»(!).

هذه الدعوة إلى «حل الدولتين»، والعملية السياسية في مساقها، ليست مطروحة كأولوية على جدول أعمال إدارة بايدن حالياً، فليس هناك ما يستعجلها فلسطينياً أو عربياً… إلا في حال تجدد إلتهاب الأرض تحت أقدام الاحتلال، لكن هذا يُحيلنا إلى مستوى آخر من البحث، له إطاره المحدد.

6- العملية السياسية، المفاوضات،.. ليست مطروحة البتة على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية، ومن باب أولى مسألة الدولة الفلسطينية، ما عكسه أكثر من تصريح صدر عن رئيس الحكومة اليميني- بينيت، وحتى نائبه – الوسطي! – لابيد، الذي اعتبر «أن حل الدولتين غير قابل للتطبيق راهناً… ولا يجب أن يُطلب منا أن نبني بأيدينا تهديداً آخر لحياتنا»- 12/7/2021.

إن خطاب بينيت أمام الجمعية العامة- 28/9، الذي لم يأتِ فيه على ذكر الموضوع الفلسطيني، لا يقتصر على موقف تكتيكي يرمي بأسلوب التجاهل، الإيحاء بأن هذا الموضوع لا يستحق الذكر أمام محفل دولي بأهمية الأمم المتحدة، بل يعبر عن موقف أيديولوجي يقوم على إنكار مبدئي لوجود مسألة صراعية أصلاً تستوجب المقاربة السياسية – بأقله – إن لم يكن الحل.

أما تصور الحكومة الإسرائيلية للتسوية، فهو لا يتخطى البعدين الأمني والمعيشي – بحسب غانتس، وزير الأمن، وهو ينطلق – إلى جانب رفع سوية التعاون الأمني، من مفهوم تحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين، من الزاوية الاقتصادية، كما من زاوية تسهيل المعاملات المدنية مع سلطات الاحتلال، وتطوير البنية التحتية التي تقلل الإحتكاك مع حواجزه، إلخ… في إطار ما بات يُسمى بـ «تقليص الصراع»، الذي يلقى ترحيباً من واشنطن تعويضاً عن غياب العملية السياسية.

(2)بين «إجراءات بناء الثقة» و«الإقتصاد مقابل الهدوء»

1- تعَذُّر إطلاق مسار تفاوضي لاعتبارات الموقفين الأميركي والإسرائيلي، لم يكن خافياً على القيادة الفلسطينية الرسمية، فما الذي جعلها ترفع عالياً راية الدعوة لانعقاد مؤتمر دولي تحت مظلة الرباعية لإجراء مفاوضات، مع معرفتها بأن هذه الدعوة لن تُستجاب، لأن المفاوضات- كما عَلَّمت تجربة ثلاثة عقود.. 1991-2021، لا تنعقد إلا بقرار من واشنطن، وليس بناءً على طلب عربي رسمي، مهما كان عنوان العاصمة الذي ينطلق منه؛ والمطروح أميركياً وإسرائيلياً لا يتعدى حدود ما يدور في فلك «السلام الاقتصادي» بتنويعاته.

والجواب هو: القيادة الرسمية تستخدم الدعوة للمفاوضات تأكيداً على تمسكها بالعملية السياسية لاعتبارات مبدئية، آنية ومستقبلية، لكن أيضاً، وخاصة من أجل التمويه على حقيقة المشروع الذي ترى نفسها مُضطرة للتعاطي معه، لأنه – بتقديرها– الوحيد المتاح أمامها، وهو ما يسمى بـ «إجراءات بناء الثقة» مع الحكومة الإسرائيلية، الذي يعني عملياً العودة بالحكم الإداري الذاتي الحالي إلى ما كان عليه قبل الإنتفاضة الثانية، أي بسقف المرحلة الإنتقالية لاتفاق أوسلو.

2- يظهر الإرباك والتخبط في المسلك السياسي للقيادة الرسمية، من خلال طرحها – في نفس الوقت – لآليتين متناقضين للعملية السياسية؛ من جهة، الدعوة لمؤتمر دولي، كما أسلفنا، إلى جانب المضي بإجراءات بناء الثقة؛ ومن جهة أخرى، الترويج بأن هذه الإجراءات هي المرحلة الأولى التي تمهد لمرحلة ثانية (تعقبها مرحلة ثالثة!) تقوم على «إيجاد إطار لطبيعة حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي يركز، بشكل أساسي، على الشرعية الدولية والقرارات القانونية التي تشير إلى دولتين لشعبين يعيشان في سلام وأمن» (كما ورد في مقابلة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حسين الشيخ مع جيروساليم بوست- 23/7/2021)، ما يُعيدنا إلى ما قبل الإنتفاضة الثانية، أي إلى مذكرة شرم الشيخ- 4/9/1999 إبّان حكومة باراك، التي نَصَّت على مفاوضات تقود إلى إتفاقية إطار، تُعتمد لمفاوضات لاحقة، تقود إلى الحل التفاوضي المنشود(!).

3- ويبقى أن يُقال إن الخط السياسي الرسمي المعتمد هو الذي عبّر عنه الرئيس الفلسطيني في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة- 24/9/2021، الذي تشكل محوره تلك الفقرة التي وردت في سياق الإشارة إلى «حوارنا البناء الذي يجري حالياً مع الإدارة الأمريكية لاستعادة العلاقات الفلسطينية – الأمريكية، ووضع خطوات تضمن إلتزام سلطة الإحتلال بالاتفاقيات الموقعة. نحن من جانبنا سنسعى لإنجاح ذلك بهدف خلق أجواء تسمح بالإنتقال بأسرع وقت ممكن إلى الحل السياسي الدائم الذي يُنهي الإحتلال الإسرائيلي لبلادنا». ويتضح من هذه الفقرة أن «الإتفاقيات الموقعة» ليست سوى إتفاقيات أوسلو. أما «الحل السياسي الدائم»، فيتم بلوغه – كما يرد في فقرة لاحقة من الخطاب – من خلال «مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الرباعية الدولية».

4- من أجل تطويع قطاع غزة المقاوم، وخاصة بعد فك الإرتباط- 2005 وانقلاب- 2007، إعتمدت إسرائيل سياسة، جمعت بين أسلوب الإكراه بالعدوان (9/2008-2012-2014) والحصار، وبين استخدام وسطاء، كانت مصر أهمهم لاعتبارات الموقع والدور والآصِرَّة القومية. غير أن هذه السياسة لم تُثمر، بل أنتجت عكس ما رمت إليه، إذ تعاظم دور المقاومة في غزة، ونفوذها، وتوثقت علاقتها بالشعب الذي التف حولها، ودفع ضريبة الصمود من دمه ورزقه ومستوى معيشته، في سبيل القضية الوطنية.

5- مؤخراً، وفي ضوء ما نتج عن «سيف القدس»، وبعد رواج العرض في سوق «السلام الإقتصادي»، بصيغه المتقاطعة فيما بينها، إنضم إليها يئير لابيد وزير الخارجية الإسرائيلية بخطة «الإقتصاد مقابل التهدئة/الأمن»- 12/9/2021، خطة تقوم على مرحلتين: الأولى، «الإقتصاد مقابل التهدئة طويلة الأمد»، التي تفترض إلتزام حركة حماس بها، وتنتقل عبر احتواء القدرة العسكرية المتعاظمة للمقاومة، إلى تلبية الإحتياجات الإنسانية الملحة والمباشرة للمجتمع: إعادة تأهيل شبكة الكهرباء وربطها بالغاز + بناء مرافق تحلية مياه + تحسين الخدمات الصحية + إعادة تأهيل البنية التحتية السكنية والمواصلات…؛ والمرحلة الثانية، «الإقتصاد مقابل الأمن»، وفي أثنائها تعود السلطة الفلسطينية إلى غزة لتتسلم إدارتها، كناية عن خطة منظمة للنهوض الإقتصادي، التي ستبرز ما سوف ترسو عليه أوضاع القطاع، في حال قبول حركة حماس بشروط الرباعية، ومن بين عناصر الخطة: إنشاء ميناء غزة + ربط القطاع بالضفة + إستثمارات دولية في غزة + مناطق صناعية بجوار معبر بيت حانون…

6- على خلفية التقدير برفض فصائل العمل الوطني بغزة لهذه الخطة، حيث أقصى ما يمكن أن تمرره حركة حماس – في الوقت الحاضر – هو «التهدئة المؤقتة» مقابل تخفيف شدة الحصار والإفراج عن الإعمار، الخ.. وليس «التهدئة» بالمدى المفتوح؛ على خلفية هذا التقدير، يجري العمل من أجل أن يتم إعتماد خطة لابيد من واشنطن وموسكو، إلى جانب عدد من الدول الأوروبية والعربية، نخص من بينها مصر لمحورية دورها، الذي عَلَّقت استئنافه على الربط بين المسارين الإقتصادي والسياسي من خلال إطلاق المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في إطار عملية سياسية شاملة، الأمر الذي ليس من المتوقع أن تقبل به الحكومة الإسرائيلية، ما يرسم تالياً حدود الدور المصري.

(3) 3 إستخلاصات رئيسية

[■ بغض النظر عن موقفنا من دعوة القيادة الرسمية لإطلاق مفاوضات بصيغة لا تنسجم وقرار الدورة 23 للمجلس الوطني – 2018، لا بل تتعاكس معه – بواقع الحال – بعدد من النقاط الرئيسية؛ وبمعزل عن موقفنا من مشروع «حل الدولتين» الذي سبق أن دعا له الرئيس بوش الأبن– 24/6/2002، وزاده تحديداً بيانه المؤيد لـ «خطة فك الإرتباط»- 14/4/2004، وهو الحل الذي يطيح بحدود الـ 67، والقدس العاصمة، وعودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم، … والذي سبق أن أوضحنا مراراً على يد قرارات الـ م.س وغيره من الهيئات، أنه ينحرف عن أهداف البرنامج المرحلي، الأساس الذي لا محيد عنه لأي تسوية سياسية، متوازنة تلتزم تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف لشعب فلسطين؛ بغض النظر عن كل هذا، نثبت فيما يلي 3 إستخلاصات رئيسية، سترسم ملامح المواجهة المستدامة في المرحلة القادمة، بين شعبنا وحركته الوطنية، وبين دولة الإحتلال والإستعمار الاستيطاني والتمييز العنصري:]

1– لا مكان للمفاوضات في إطار عملية سياسية، ولا إدراج لها على جدول أعمال الإدارة الأميركية

– أولاً- بدعوى التمهيد لها إستيفاءً لشروط الرخاء والسلام والأمن والكرامة، الخ.. ما يستوجب إنقضاء مدة طويلة، قد تمتد إلى سنوات؛ ولا على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية – ثانياً- لاعتبار مبدئي وبنيوي في آن، إعتبار يُنكر وجود موضوع يقتضي التفاوض حوله بمعنى الحل السياسي، وحيث يطرح هذا الموضوع نفسه، يُعالج بالعصا الأمنية و/أو الجزرة الإقتصادية.
2- مشاريع خطط «السلام الإقتصادي»، حتى لو تسربلت بكل الأشكال التي يمكن تصورها، لن يُقيّض لها النجاح، ولن تحل مكان «الحل السياسي» الذي يستجيب للحقوق الوطنية لشعبنا، فصراعنا مع دولة الإستعمار الاستيطاني – في المقام الأول – ليس مطلبياً، بل هو – بالأساس- صراع بمضمون التحرر الوطني يشمل الحرية للشعب، ويطاول الأرض، ولمن تعود السيادة عليها، إنه صراع مفتوح على زمن لن يطول حتى يدرك خطوة خطوة أهدافه.

3- أجهزت «معركة القدس» سياسياً على بقايا مشروع أوسلو للحكم الذاتي الذي يُنذر أصلاً، بمزيد من التحلل في أوضاعه؛ كما كشفت تهافت مشروع «الدولة الواحدة» الذي لا يمكن أن يكون في الظرف الحالي – وحتى إشعار آخر- سوى دولة «إسرائيل الكبرى». وبالمقابل أكدت «معركة القدس» على راهنية البرنامج الوطني المرحلي القائم على ثلاثية الدولة بالقدس العاصمة (67) والعودة إلى الديار (شتات + 48 + 67) والمساواة القومية (48)، وهو البرنامج الذي انخرطت تحت رايته كل تجمعات شعبنا في النضال بما تملك، حيث وجد كل تجمع في صمود التجمعات الأخرى مدداً لصموده، وفي نضالات كل تجمع من تجمعاته رافعة لنضالاته، ما يقطع بوحدة الشعب وقضيته الوطنية، ووحدة النضال الكل الفلسطيني بجميع مكوناته، على طريق انتزاع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بحرية على كامل ترابه الوطني.
■■■

■ على خلفية «معركة القدس» ونتائجها، الحركة الجماهيرية وتصاعدها، إنغلاق الأفق – في المدى المرئي أمام عملية سياسية ذات مغزى، وازدهار سوق «السلام الإقتصادي» بمختلف صيغه ومشتقاته، تتصدر قضيتان رئيسيتان الأجندة الوطنية: الأولى، تتعلق بكيفية إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، أو إصلاحه، أو تطويره، ما يطرح في السياق مسألة تجاوز الإنقسام واستعادة الوحدة الداخلية؛ والثانية، تتناول أشكال مقاومة الإحتلال والإستعمار الاستيطاني على امتداد الحضور الفلسطيني في الوطن–
67 + 48، والشتات.

(4) فشل مسار بناء الوحدة

1– مع صدور المراسيم الرئاسية للإنتخابات العامة – 15/1/2021: تشريعي- 22/5، رئاسي- 31/7، مجلس وطني- 31/8، تم إرساء أساس عملية سياسية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الوطنية، الأعمدة الحاملة للنظام السياسي في السلطة والمنظمة معاً. وجاء الحوار الوطني بالقاهرة في جولتيه- 2 و3 /2011، ليستكمل البحث بشروط هذه العملية من إنتخابات التشريعي إبتداءً، على أن تُبحث الإستحقاقات البواقي، بما فيه استراتيجية العمل الوطني والبرنامج السياسي الناتج عنها، بعد الفروغ من التشريعي، أي – عملياً – في ضوء ما سترسو عليه نتائجه.

وبهذا تُوِّج بالنجاح جهد موصول، بُذل على امتداد 10 شهور (5/2020-3/2021)، ما كان له أن يُحقق ما حقق لولا إمساكه بالصلة العميقة بين إنهاء الإنقسام وبين إصلاح النظام السياسي؛ أو إعادة بناء مؤسسات النظام ديمقراطياً وتطويرها نوعياً، بما يفضي إلى إنهاء الإنقسام.

أطاحت الرئاسة الفلسطينية بهذا الإنجاز الثمين، ففي 29/4، ومواجهات القدس في أوجها، أعلنت تأجيل الإنتخابات حتى إشعار آخر، ما عنى في الواقع العملي، عدم إجرائها لصعوبة تكرار إنعقاد شرطها فلسطينياً وخارجياً. وبهذا تكون مسيرة تجاوز الإنقسام واستعادة الوحدة الداخلية قد انقطعت، ومعها توقفت الجهود الآيلة لإعادة بناء النظام السياسي على قاعدة ديمقراطية، تعددية، وحدوية جامعة.

2- وفّرت «معركة القدس» على وهج نتائجها، جواً مؤاتياً لإحياء حوار وطني يجدد مساعي تجاوز الإنقسام، إما استعادة لما سبق الإتفاق عليه مع التعديلات اللازمة، أو إعتماداً لآليات أخرى تعكس التوافق الوطني.

غير أن شيئاً من هذا لم يحصل، لأن الرؤية التي سادت لدى الطرفين، فتح وحماس، إنحكمت للقاعدة الصفرية إياها، التي يرى فيها كل طرف أن الإنجاز السياسي لا يُجيَّر للصالح الوطني العام، ما لم يمر من بوابته الخاصة، ما يعني أن أي زيادة في رصيد أحدهما، ستترجم تناقصاً في رصيد الآخر؛ ما جعلنا نقف أمام مفارقة محزنة: الإنجاز الوطني الناجم عن «معركة القدس» بدلاً من أن يُقرِّب موحِّداً بين السلطتين، باعد مُفرقاً بينهما.

3- من أجل قطع الطريق أمام المزيد من التدهور في العلاقات بين حركتي فتح وحماس، واستئناف الجهود لرأب الصدع على طريق استعادة الوحدة، سارعت القاهرة إلى الدعوة لحوار وطني شامل في 12/6، أي بعد ثلاثة أسابيع من إعلان وقف إطلاق النار، لكنها سرعان ما تراجعت عن هذه الدعوة، بعد أن تبدَّى في الإجتماعات التمهيدية بين الحركتين أن نقاط الخلاف بينهما إزدادت حدة، كونها تشمل قضايا غير قابلة للتوفيق فيما بينها:

أ) فتح تسعى لإدامة سيطرتها على النسق المؤسساتي الذي يتيح لها مواصلة الإمساك بأوضاع السلطة والمنظمة معاً، لذلك فهي تغلق الباب أمام دخول حماس إلى مؤسسات المنظمة، ما لم تقبل بتوحيد مؤسسات السلطة بغزة مع مثيلاتها في الضفة. وبالمقابل، فإن فتح تعطي أولوية لتشكيل حكومة تلتزم بقرارات الشرعية الدولية (وهي التسمية الكودية للقبول بالشروط الثلاثة المعروفة للرباعية الدولية) في سياق الإعداد لمفاوضات مقبلة، معتمدة على التحسن الذي طرأ على وضعها بفعل إنفتاح إدارة بايدن عليها، بالتوازي مع تطور علاقاتها العربية مع بعض الأطراف النافذة.

ب) حماس، من جهتها، تطرح رؤية في إعادة ترتيب النسق المؤسساتي، تبدأ بتشكيل مجلس وطني إنتقالي لمدة سنتين، تنبثق عنه هيئات تتولى مجتمعة مهمة الإتفاق على شكل النظام السياسي الجديد، وأدواته، واستراتيجية العمل والبرنامج السياسي للمرحلة المقبلة. وفي هذا تستند حماس إلى ارتفاع مكانتها وتعاظم قوتها بعد «سيف القدس».

(5)إقتراحات للخروج من المأزق

■ رغم تعذُّر إجراء الإنتخابات العامة، وانسداد الأفق أمام إمكانية حصولها في الفترة القادمة، فإن التمسك بها، والإصرار عليها، يجب أن يبقى أحد الأركان الرئيسية في عملنا السياسي والتعبوي والدعاوي، بكل ما يترتب على ذلك من تجهيز لأوضاعنا الداخلية لاستقبال هذا الإستحقاق واجتيازه بنجاح، عندما ينعقد شرطه.

إن هذا الموقف الثابت لا يتعارض مع البحث عن صيغ مؤقتة، تمهيدية، إنتقالية، تَنْظُم العلاقات بين القوى وتضبطها في إطار عمل مشترك ضمن نسق مؤسسي، إذا أمكن، ما يفترض بدوره – إلى جانب السعي الحثيث للإرتقاء بمستوى العمل الموحد في الميدان – إعلاء شأن الدعوة لاستئناف الحوار الوطني بكل أشكاله وعلى مختلف مستوياته، بغض النظر عن محاولة بعض الأطراف إستخدامه لأغراض فئوية قصيرة النظر. وفي هذا الإطار، بالإمكان استعادة الأفكار والمقترحات التالية:

أولاً- إحياء قراري إجتماع الأمناء العامين- 3/9/2020، التي نستعيدها بالنص، لراهنيتها وأهميتها:

1- «تشكيل لجنة من شخصيات وطنية وازنة، تقدم رؤية استراتيجية لتحقيق إنهاء الإنقسام والمصالحة والشراكة في إطار م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع، لتقديم توصياتها للجلسة المرتقبة للمجلس المركزي الفلسطيني وبمشاركة الأمناء العامين فيها كي تضمن مشاركة الجميع تحت مظلة الوحدة الوطنية الفلسطينية»؛

2- «تشكيل لجنة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة، على أن توفر اللجنة التنفيذية لها جميع الإحتياجات اللازمة لها لاستمرارها».

ثانياً- مسلحين بقرار الدورة 23 للمجلس الوطني – 2018 الذي قرر أن تكون دورته هي الأخيرة، والذي نقل صلاحياته إلى المجلس المركزي لاستخدامها كلما استدعى الأمر ذلك، واعتماداً على آلية التوافق الوطني:

1– يُعاد تشكيل، أو توسيع المجلس المركزي، بما يضمن تمثيل الكل الفلسطيني: فصائل م.ت.ف + حركتي حماس والجهاد + ممثلين عن المجتمع المدني.

2- تنبثق عن المجلس المركزي، بصيغته الجديدة، لجنة تنفيذية جامعة أيضاً للكل الفلسطيني، يكون في عدادها: رئيس مجلس إدارة الصندوق القومي المنتخب من المجلس المركزي + رؤساء الدوائر التي تغطي مجالات العمل الوطني، بما فيه الدائرة السياسية + دائرة العلاقات مع الـ 48،..

3- بعد اكتساب صيغتهما التمثيلية الشاملة، تُكلف اللجنة التنفيذية ومعها المجلس المركزي، بإدارة الحوارات، وتحضير الإقتراحات والوثائق وصيغ العمل، بالآليات التي تخدم الوفاء بالإستحقاق الديمقراطي المتمثل بإجراء الإنتخابات العامة، إلى جانب متابعة قضايا أخرى، تطرح نفسها في سياق العمل الوطني.

(6)في ضوء تعاظم الحركة الجماهيرية المناهضة للإحتلال .. خلاصات واتجاهات عمل

[■ بعد وقف إطلاق النار- 21/5، واصلت الحركة الجماهيرية نهوضها في الضفة بما فيه القدس، إن بمواجهة الإحتلال واستيطانه، أو بالتصدي لممارسات السلطة القمعية المتجاوزة على الحريات العامة، أو سطوة الأجهزة الأمنية وتغولها، التي لم يكن إغتيال الناشط نزار بنات- 24/6 سوى رأس جبل الجليد في سجلها، بعد أن تحوَّلت إلى منظومة ذاتية الحركة، مستقلة عن مرجعية حكومة السلطة. واتسع نطاق العمليات الفردية في الضفة، وصولاً حتى إلى القطاع (عملية المسافة صفر- 21/8).

أما في غزة، فكانت العودة إلى فعاليات المقاومة الشعبية، إفتتحتها مسيرة 20/8، في ذكرى إحراق المسجد الأقصى، واستئناف المقاومة بأشكالها على خطوط التماس.

أما الحدث المزلزل لمعادلات المواجهة، فتمثل بعملية «نفق الحرية»- 6/9، لخروجها عن سياق المألوف، لتداعياتها، ولما ولَّدته من حالة مشتبكة، إستثنائية بحدتها وتحديها للسَجَّان ودولته، في كل مكان على أرض فلسطين.

وفيما يلي خلاصات ترسم الإطار السياسي الذي تتحرك من خلاله الحركة الجماهيرية في فلسطين المحتلة – 67 والشتات، وهي تمضي قدماً، متصاعدة حدة في مواجهة الإحتلال واستعماره الاستيطاني:]

1– تَخَلَّفت القيادة الرسمية –مرة أخرى– عن النهوض بمسؤولياتها الوطنية في اتخاذ الخطوات الضرورية لتوفير الغطاء السياسي للهبّة الشعبية والمساهمة في دفعها على طريق الإنتفاضة الشاملة، والرد على العدوان الوحشي ضد قطاع غزة، من خلال التنفيذ الفوري لقرارات الدورة 23 للمجلس الوطني- 2018 بالتحرر من الإلتزامات المجحفة لاتفاقيات أوسلو، وبخاصة وقف التنسيق الأمني والتحلل التدريجي من إملاءات «بروتوكول باريس الإقتصادي».

[ كمثال معبِّر عن أداء القيادة الرسمية أثناء «معركة القدس»، نشير إلى الاجتماع القيادي- رام الله، 12/5، بعد يومين من إندلاع «سيف القدس»، الذي لم يخرج بأي قرار أو توجه محدد، بل اقتصر على تشكيل لجنة لدراسة الإقتراحات المقدمة(!). في هذا الإجتماع طالبت الجبهة الديمقراطية إستئناف العمل بقرارات 19/5 بدءاً من وقف التنسيق الأمني، وإحياء القيادة الوطنية الموحدة.]

2- إن استمرار هذه السياسة التي تتمسك بخيار الإلتزام باستحقاقات أوسلو وقيوده، والإغراق في وهم الرهانات الخاسرة على إحياء المفاوضات العبثية برعاية الرباعية الدولية، التي مازالت أسيرة الإحتكار الأميركي، بات يعطل الدور الريادي لـ م.ت.ف، ويتنكر لقرارات مجلسيها الوطني والمركزي، ويغذي اصطناع البدائل لها، ويزيد بالتالي من تفاقم أزمة النظام السياسي الفلسطيني وعجزه عن التقدم في مواكبة المسيرة الكفاحية لشعبنا، وفي تجاوز حالة الإنقسام التي تعمق هذه الأزمة وتزيدها تعقيداً.

3- إذ نحذر من خطورة الرهان على إمكانية إطلاق عملية سياسية جدية لحل الصراع في الأمد القريب، نشدد على ضرورة إستمرار النضال في الميدان وعلى الصعيد الدولي، من أجل تغيير حاسم في ميزان القوى، يملي على العدو الإذعان لقرارات الشرعية الدولية وبخاصة القرار 2334-2016، الذي ينص على وقف الاستيطان الإستعماري اللاشرعي وقفاً تاماً، باعتبار ذلك شرطاً ضرورياً لإطلاق عملية سياسية قابلة للنجاح، في إطار مؤتمر دولي تحت الرعاية الجماعية للأمم المتحدة، ممثلة بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن- P5، من أجل تنفيذ القرارات ذات الصلة، بما يضمن الحل الشامل للقضية الفلسطينية بكافة جوانبها، بما فيه حل قضية اللاجئين وفقاً للقرار 194 الذي يكفل حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.

4- إن ما حققه شعبنا من انتصارات، نقل قضيتنا الوطنية إلى مرحلة جديدة، باتت تستوجب سياسة وطنية جامعة، ترقى إلى مستوى التحديات والاستحقاقات التي باتت تطرحها هذه المرحلة، ما يتطلب سريعاً، إعادة تنظيم الصف الوطني على أسس إئتلافية، تستعيد قيم وقواعد عمل حركات التحرر الوطني، ووفق برنامج نضالي يعتبر من الدروس الغنية لـ «معركة القدس» وفي مقدمها وحدة الشعب والأرض والقضية والحقوق الوطنية، كما يُعبِّر عنها بدقة البرنامج الوطني المرحلي، الذي أتت الأحداث – مرة أخرى – لتؤكد على راهنيته.

5- نؤكد على ضرورة قراءة دروس ثورة الغضب الشعبي – هبّة الكرامة في الـ 48، وما أحدثته من تطور في تجسيد وحدة شعبنا ووحدة نضالاته، ما يتطلب توفير آليات وأطر عمل تكفل صون هذه الوحدة، وتراعي خصوصية كل بقعة من بقاع النضال بتنوعها، وتمايز شروطها، وأهدافها السياسية المرحلية، في سياق المشروع الوطني الفلسطيني الموحد، برنامج العودة وتقرير المصير والإستقلال والسيادة.

وفي هذا السياق يمكن بحث فكرة تشكيل إطار تنسيقي جامع، لا يكون بديلاً عن م.ت.ف، يؤكد وجود الشعب الفلسطيني كشعب واحد لا يقبل التجزئة قولاً وفعلاً، ويسمح بصورة خاصة لممثلي الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، غير الممثلين في هيئات م.ت.ف، بالمشاركة فيه، مع مراعاة خصوصية الشرط الذي ينحكم له واقعهم.

6- النهوض العارم للحراكات الشعبية، في القارات الخمس، تضامناً مع نضال شعبنا ونضاله في سبيل حقوقه المشروعة، ومناهضة لجرائم الإحتلال وسياسات التمييز العنصري والتطهير العرقي، يعبر عن نقلة نوعية في الرأي العام، على المؤسسات والمنظمات الفلسطينية الرسمية والأهلية، التفاعل معها، وتطويرها لعزل دولة الإحتلال، كما تم فيما مضى عزل نظام الأبارتهايد البائد في جنوب إفريقيا، ناميبيا، زمبابوي، الخ..

7- نؤكد من جديد على أهمية المسارعة لالتئام حلقة الحوار الوطني الشامل على أعلى المستويات، حوار تصدر عنه قرارات ملزمة للكل الوطني، تُخرج الحالة الفلسطينية – وإن بخطوات متدرجة – من واقع الإنقسام، وتضع آلية لإعادة بناء م.ت.ف وإصلاحها على أسس ديمقراطية، تعددية، وطنية جامعة، بما يعزز موقعها السياسي والنضالي؛ وتعتمد استراتيجية كفاحية، تكفل مواصلة استنهاض قوى شعبنا، واستعادة عناصر القوة التي يملك.

مطلع أكتوبر 2021