بلاد شنقيط وبلاد مراكش
بلاد شنقيط وبلاد مراكش
في القطر الموريتاني تقع مدينة شنقيط وهي مدينة تاريخية تميزت بدورها الثقافي امتد إشعاعها جنوبا الى مالي والنيجر والسودان، وشمالا إلى مراكش وصولا الى طنجة. تعرف بلاد شنقيط ببلاد مليون شاعر لا يلتئم مجمع وإلا تبارز الشعراء في القاء اجمل واقوى ما عندهم من القول والحكم.
اما بلاد مراكش ونعني بها بلاد المغرب الاقصى إذا ضيقنا المجال او المغرب الكبير عندما نوسع النظر، فهو بلاد المليون ولي وصالح. وقد انتشرت هذه الظاهرة لحاجة ضبط وحكم الاحياء، وتسخيرهم لسلطة معنوية تخدم سلطة دنيوية عجزت في غالب الاحيان فرض قوتها فوظفت الموتى بعد ان سبغت عليهم المكرمات والمعجزات ومظاهر التبجيل والتعظيم. تنافس على هذه القضية، المخزن في مجال سلطانه، والقبائل المتمردة في مجال نفوذها. هكذا غطت الاضرحة جميع مناطق البلاد جبالا وسهولا، بوادي ومدن كبيرة وصغيرة وسميت بعض البلدات باسم صاحب الضريح كما حصل مع مراكش المشهورة بمدينة سبعة رجال.
ليست هذه الظاهرة من الظواهر التاريخية المنقطعة بل هي متواصلة ولا زالت تمارس إلى يومنا هذا كما وقع مع الديلالي الهواري شيخ الزاوية الديلالية الذي توفي في طنجة يوم 23 شتنبر 2021 وأصرت عائلته على دفنه بمنزله تنفيذا لوصية الشيخ، ورضخت الدولة لهذا الطلب. نحن نتابع حدثا جديدا في كيفية نشوء الزوايا في بلاد المليون ولي.
أن ترخص الدولة بدفن ميت في بيته وبعيدا عن المقابر يكشف حاجتها لمثل هذا الفكر وهذه العادات والاعراف المتجدرة في تاريخ المغرب. إنها توظف هذا الإيمان بالخرافات والمعتقدات القديمة في مكرمات الأشخاص واستمرارها بعد وفاتهم. إن هذا الحدث يكشف الطابع الرجعي الظلامي للدولة القائمة، ويفضح استغلالها للدين في الحكم والاستبداد. هذا السلوك يصب الماء في طاحونة فكر اكثر ظلامية وينعشه في شن معركة صراع على الشرعية الدينية من طرف الاتجاهات الوهابية. انه احد مظاهر التخلف والرجعية باستعمال الجانب المتخلف في التراث الشعبي لتشديد قبضة الدولة التيوقراطية؛ لكنه في نفس الوقت ينعش فكر متطرف يدعي مواجهة الشرك ويسعى لتسويغ المذهب الوهابي الارهابي عينه وسط الشعب.
إن الترخيص الأخير بإقامة زاوية حول قبر الشيخ الديلالي الهواري، هو تجسيد لإرادة الدولة في توظيف الأموات لمساعدتها في حكم الأحياء وإبقائهم مكبلين بقيود الماضي المظلم من هذا الإرث التاريخي بمنطقتنا.