دور الأحزاب البروليتارية في التغيير الثوري
الرفيق الحسين بوتبغى
بمناسبة اصدار العدد 500 من جريدة النهج الديمقراطي: ملف العدد حول
“تجارب الشعوب ومهام التغيير بالمغرب”
تحتفي هيأة تحرير الجريدة المركزية النهج الديمقراطي بمناسبة إصدار العدد 500 مناسبة تجسد معاني الصمود والعطاء والعمل التطوعي الحامل لنكران الذات وهي ايضا مناسبة لبسط أمام قرائها عامة، وأمام المناضلين والمناضلات خاصة، تجارب التغيير في عدد من البلدان، منها من نجحت بفضل قيادة الطبقة العاملة بواسطة أحزابها الشيوعية الماركسية اللينينية (الثورة البلشفية، الثورة الصينية…)، ومنها من فشلت لغياب هذه الأحزاب ولطبيعة الطبقية لقيادة هذه التجارب التي لم تعط ثمارا.
تشكل مناسبة اصدار العدد 500 من جريدة النهج الديمقراطي محطة للتداول في أهم القضايا التي تهم التغيير الثوري ببلادنا.
سوف لن ننسى الدور الفعال الذي لعبته الجريدة في رسم خريطة الطريق أمام “شتات” المعتقلين السياسيين السابقين، أمام مناضلات ومناضلي الحركة النقابية، الحركات الاجتماعية… وذلك على مستوى الوضوح الفكري، والصراع السياسي.
فمن حق النهج الديمقراطي العمالي أن يفتخر بتجربته الإعلامية، في مقدمتها تجربة جريدته المركزية التي اعتمدت وتعتمد على العمل التطوعي، جريدة تلعب دورا بارزا في انارة طريق التغيير، وتعكس عبر صفحاتها كفاحات الجماهير الشعبية من عمال وعاملات من كادحين وكادحات…
فمزيدا من العطاء، من الابداع، من الصمود على طريق التغيير الثوري.
نعيد نشر مساهمة الرفيق الحسين بوتبغى في الموقع الرسمي للنهج الديمقراطي لمزيد التعميم.
دور الأحزاب البروليتارية في التغيير الثوري
عرفت العصور السابقة محاولات عدة لتجسيد الحلم الدي راود الانسان على مر العصور والمتمثل في بناء مجتمع إنساني تعمه المساواة، هذا الحلم الذي سعى من خلاله عبيد وفقراء تخليص أنفسهم من الاضطهاد وإقامة العدالة وإن في اشكالها البدائية. والتجربة البلشفية التي دشنتها ثورة أكتوبر المجيدة والتجارب الأخرى لبناء مجتمعات اشتراكية هي امتداد لهذا الحلم، ويبقى الفرق بين المحاولات الأولى وتجارب بناء الاشتراكية ان الأخيرة تعبير عن تناقضات مجتمع صناعي متقدم اعتمد فيها البناء على نظريات علمية انطلقت مما وصلت اليه البشرية من معرفة في جميع الميادين.
تجارب بناء الاشتراكية هذه فشلت، وعلى المناضلين حاملي هم القضاء على الاستغلال وانهاء كل اشكال التمييز والاضطهاد، تحليلها لإظهار المشاكل التي واجهتها ولا تزال تعترض بناء الاشتراكية ان على المستوى النظري أو العملي. هذا المقال سيكتفي بإعطاء لمحة عن هذه التجارب.
ثورة أكتوبر العظيمة كانت من اهم احداث القرن العشرين، بحيث قدمت للعمال والفلاحين الفقراء والكادحين، المجتمع البديل الذي طالما حلموا به، مجتمع بديل للنظام السياسي والاقتصادي-الاجتماعي الذي كان وراء الدمار والفاجعة الانسانية التي تسببت فيها الحرب العالمية الأولى. فقد كانت ثورة أكتوبر تعبيرا عن انفجار تناقضات النظام الرأسمالي العالمي في احدى أضعف حلقاته، وسبقتها انتفاضات للفلاحين بالريف وللعمال وباقي الفئات المتضررة بالمدن، فانبثقت من رحم هذا الحراك مجالس للعمال والفلاحين والجنود) السوفيتات (جسدت مبكرا الديمقراطية المباشرة. فاستطاع الحزب البلشفي المرتكز للنظرية الماركسية، بفعل حنكة قادته وانضباط اعضائه وتنظيمه المحكم، ان يتصدر هذه الحركة وان يجعل مكوناتها من بورجوازية صغيرة ومثقفين عضويين وفلاحين وعمال ينصهرون في تيار جارف فيستولي على السلطة.
في خضم الصراع واحتدام النقاش حول اتجاهات الثورة وهجوم الثورة المضادة المدعومة من الخارج، أقدم البلاشفة بقيادة لينين بتحويل كل السلطة لمجالس العمال والفلاحين ذلك لأن البلاشفة، عكس خصومهم المناشفة الداعين لحصر الثورة عند أفقها البورجوازي، لم يروا في عدم نضج العلاقات الرأسمالية بروسيا سببا كافيا لعدم استيلاء الطبقة العاملة والفلاحين على السلطة. فبقيام الثورة استطاع السوفيات بناء مجتمع جديد تحققت فيه مكاسب مهمة على صعيد الاقتصاد كما تمت فيه إنجازات معتبرة على الصعيدين الاجتماعي والثقافي وفي ميادين التصنيع والبحث العلمي. في هذه المرحلة نفسها قامت الدولة السوفييتية بدعم حركات التحرر الوطني وتفكيك النظام الكولونيالي فحصلت العديد من الدول المستعمرة على الاستقلال، كما استطاع الجيش الأحمر بقيادة الحزب الشيوعي دحر النازية وتوقيف مخططات الامبريالية الرامية لكبح تطلعات الشعوب من اجل الانعتاق والتحرر.
الثورة الصينية كامتداد لثورة أكتوبر المجيدة استطاعت بدورها ان تطور النظرية الماركسية-اللينينية. فقد تأسس الحزب الشيوعي الصيني سنة 1921 فدامت مرحلة بنائه الى 1927، بانتهاء التحالف مع الكيومنتاغ نتيجة لخيانة ‘’شان كاي تشك’’ التي تسببت في قمع رهيب للحزب. هذه التجربة المريرة صلبت التنظيم واستطاع خلق القاعدة الحمراء وإطلاق المسيرة الطويلة، ولاحقا دخل في بناء الجبهة الوطنية المتحدة المناهضة للاستعمار الياباني. طيلة هذه الفترة عرف الحزب الشيوعي الصيني توسعا مهما فكبر تأثيره وسط الجماهير الشعبية وأدرك بالتجربة ان الجبهة المتحدة والكفاح المسلح هما الوسيلتان الكفيلتان بهزم العدو الياباني.
فقد اجتاحت اليابان الامبريالية الصين وحولته الى مستعمرة احتل فيها الرأسمال الكامبرادوري مرتبة مهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وصار المجتمع الصيني يخترقه تناقضان، تناقض يواجه الشعب بالإمبريالية اليابانية وتناقض اخر بين الكامبرادور حليف الامبريالية من جهة وبقية الشعب الصيني من جهة أخرى. أخد الحزب الشيوعي على عاتقه تنظيم صفوف الشعب بهدف تحريره من السيطرة الامبريالية فحدد خصومه بدقة كما سطر مهام الثورة ومستقبلها. فاعتبر ان العدو الرئيسي هو الامبريالية اليابانية التي تمثل مع حليفتها البورجوازية الكبرى اعداء اشداء هزمه لن يتم إلا عبر ثورة مسلحة طويلة الأمد تفضي لبناء ديمقراطية كفيلة بالقضاء على هيمنة ملاك الأراضي الاقطاعيين. فاعتبر الحزب هاتان المهمتان، رغم اختلافهما، متلازمتان وغير منفصلتين.
اما اهداف الثورة فتكمن في مرحلة أولى في إرساء ديمقراطية من طراز جديد تختلف عن الثورات الديمقراطية التي شهدها الغرب الامبريالي لان هدفها هو تأسيس دكتاتورية الجبهة المتحدة بقيادة البروليتاريا. فتم تشييد الجيش الأحمر تحت قيادة الحزب الدي عمل على تطويره وتهيئه لمرحلة الثورة الديمقراطية الجديدة والاعتماد عليه وعلى دعم أوسع الجماهير الشعبية لتحرير مجموع التراب الوطني وخلق الشروط الضرورية لولادة الجمهورية الديمقراطية الشعبية الصينية.
الثورة الفيتنامية هي التجربة الاخرى المهمة لبناء الاشتراكية في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية، أقيمت في بلد يعرف وضعا استعماريا شبه اقطاعي. فقد أدرك القائد ‘’هوشي منه’’ مبكرا وهو المطلع على التجارب الثورية العالمية والمساهم في تأسيس الحزب الشيوعي الفرنسي بمدينة ‘’تور‘’، إن الطريق لتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي هي الثورة البروليتارية، فساهم مع وطنيين اخرين في خلق تنظيم دو طابع انتقالي هو ‘’ رابطة شبيبة فيتنام الثورية’’ كان الشيوعيون دعامتها الاساسية.
مع احتدام الصراع من اجل التحرر الوطني عرفت ‘’الرابطة‘’ تطورا كبيرا، وما ان عرفت النضالات الجماهيرية مدا كبيرا حتى أصبح تأسيس الحزب البروليتاري مطلبا ملحا فتولد من داخل الرابطة حزبان شيوعيان انصهرا فيما بعد في تنظيم واحد صادق في مؤتمره التأسيسي على برنامج لقيادة الثورة، بما في دلك الثورة الزراعية، وعلى خلق منظمات جماهيرية. وثيقة المؤتمر اكدت أيضا ان الثورة في فيتنام هي ثورة في عصر الامبريالية والثورات البروليتارية وبدلك فهي جزء من الثورة البروليتاريا العالمية.
لقد خاض الشعب الفيتنامي بقيادة الحزب الشيوعي معارك ضارية ضد المستعمر الفرنسي وحلفائه المحليين توجت بالانتصار في معركة ‘’ديان بيان فو’’ الا ان القوى الثورية الفيتنامية في تلك المرحلة لم تكن قوية بما يكفي للقيام بالتحرير الشامل للبلاد، فاستقل الشمال بينما ظل الجنوب تحت السيطرة الامريكية وأصبح للحزب الشيوعي مهمتان، معركة بناء الشمال وتحويل هدا الأخير الى قاعدة خلفية للثورة بالجنوب من اجل دحر الامبريالية الامريكية. وقد تحقق كل ذلك بفضل تضحيات جسام للشعب الفيتنامي والحزب الشيوعي الذي استرخص كل شيء من اجل بناء وطن ديمقراطي واشتراكي مستقل.