حول ثورة أكتوبر 1917 البلشفية
○ الرفيق على فقير
حول ثورة أكتوبر 1917 البلشفية*
رغم فشلها، فقد أبرزت ثورة يناير 1905 الطبقة العاملة (رغم ضعفها التنظيمي) كأهم طبقة اجتماعية في مقاومة الاستبداد عبر “سوفياتاتها”، وأعطت دفعة قوية لانتشار الفكر الثوري، وتقوية البلاشفة بقيادة لينين. لقد برهنت أحداث 1905 على صحة طروحات لينين حول التنظيم، حول قيادة الطبقة العاملة لسيرورة الثورة، حول ضرورة تحالف الطبقة العاملة مع الطبقات الشعبية الأخرى، في مقدمتها الفلاحين الفقراء…فرغم عفويتها، أعطت الطبقة العاملة دروسا جد مهمة للمثقفين الثوريين.
وللتذكير فان حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي كان يتكون منذ 1903 من تياران: تيار البلاشفة الشيوعي الثوري، وتيار المناشفة الاشتراكي الإصلاحي.
ومنذ ثورة 1905 إلى ثورة أكتوبر 1917، لا يمكن الحديث عن الصراع الطبقي داخل روسيا القيصرية خارج الدور الطليعي للطبقة العاملة المنظمة بقيادة السوفياتات وهي مدعمة في ذلك من طرف المناضلين الماركسيين في مقدمتهم البلاشفة. أما دور النقابات المتعارف عليها كان شبه منعدما.
لقد انتشر “السوفيات” كشكل تنظيمي قاعدي ليس فقط وسط العمال بل كذلك وسط الفلاحين الفقراء والجنود.
يمكن تفسير فشل ثورة 1905 بضعف الأشكال التنظيمية لدى الطبقة العاملة؛ “فالسوفيات” برزت خلال الثورة، وكذلك بضعف القوى الثورية. يجيب ألا ننسى أن تنظيم البلاشفة لم تمضي على تأسيسه 3 سنوات.
ثورة فبراير 1917: ثورة العمال والعاملات الغير المكتملة.
يمكن تحديد أسباب ثورة فبراير 1917 البرجوازية في النقط الآتية:
– استمرار الاستبداد القيصري: اعتقال ونفي نحو سيبريا (5 من أصل 7 برلماني البلاشفة كمثل)، واغتيالات…
– منع العمل النقابي، ومختلف الأشكال التنظيمية التي تبدعها الجماهير الشعبية عامة، والطبقة العاملة خاصة.
– منع التنظيمات السياسية المعارضة
– منع صدور جرائد المعارضة (الشرارة كانت تصدر في الخارج وتدخل سريا إلى روسيا)
– تدهور وضعية الكادحين
– الانعكاسات الكارثية للحرب العالمية التي حشر النظام الروسي نفسه فيها على حساب مصالح شعوب روسيا.
وتبقى الإشارة إلى الحقيقة الآتية:
فرغم الطبيعة البرجوازية لثورة فبراير من ناحية برامجها وأهدافها، فان الطبقة العاملة هي التي لعبت الدور الأساسي في اسقاط نظام “نكولا الثاني”.
– إضراب عمال “بوتيلوف/Poutilov “، أكبر مصنع في مدينة “بتروغراد” (سانت بترسبورغ سابقا)، مما أدى إلى اصطدامات مع قوى القمع.
– بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، خرجت في “بتروغراد” (عاصمة روسيا أتذك) آلاف من عاملات النسيج، والطالبات، ومختلف المأجورات، في مسيرات ضخمة مطالبة ب”السلم و الخبز”، “العمل، الخبز” (23 فبراير 1917). التحق بمسيرة النساء حوالي 150000 عامل مضرب، وتحولت مسيرة “العمل، والخبز والسلم” إلى مسيرة سياسية رفعت فيها شعرات ثورية في مقدمتها «عاشت الجمهورية!». اتسعت رقعت الانتفاضة، والعصيان، مصحوبة بإضرابات عمالية (إضراب عام في موسكو…)، مما أدى إلى انهيار النظام الملكي وتم إعلان ميلاد الجمهورية البرجوازية.
لقد صنع العمال والعاملات ملحمة فبراير 1917، لكن السلطة رجعت للبرجوازية بمشاركة الجناح اليميني الاشتراكي: تنظيم المناشفة.
ففي مقابل سلطة البرجوازية، أسس عمال وجنود “بتروغراد” سوفيات مختلط كنواة سلطة معارضة.
ثورة أكتوبر 1917: الثورة السوفياتية العظيمة.
بعد ثورة فبراير 1917، التي حسمت الصراع بين مختلف قوى شعوب روسيا من جهة، والنظام القيصري ومختلف الفئات الاجتماعية المدعمة له (ملاكي الأراضي الكبار، الارستقراطية، النبلاء، كبار موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين…)، تحول الصراع إلى صراع طبقي من نوع جديد: بين الطبقة العاملة وحلفائها (الفلاحون الفقراء ومختف الفئات المضطهدة)، من جهة، والبرجوازية الرأسمالية وحلفائها (منهم من كان يساند النظام البائد) من جهة ثانية.
بشكل عام، اصطف مختلف السوفيات (العمال، الفلاحون الفقراء، الجنود) في خندق الثورة المنشودة، مدعمين في ذلك بالبلاشفة الذين رفعوا شعار “كل السلطة للسوفيات”، فالوقت الذي اصطفت فيه جل التيارات الاشتراكية الأخرى (المناشفة…) بجانب البرجوازية مناهضة للثورة البروليتارية.
وفيما يلي بعض الأحداث التي تبرهن على أن الطبقة العاملة كانت صاحبة الكلمة الأخيرة: من الناحية الحسم الميداني بواسطة السوفيات، ومن الناحية السياسية عبر البلاشفة كمعبر أمين عن مصالح الكادحين عامة، وعن مصالح الطبقة العاملة خاصة.
فمن فبراير 1917 إلى أكتوبر 1917 نمى عدد أعضاء التنظيم البلشفي من حوالي 8000 عضو إلى حوالي 000 500 أغلبهم جاؤوا من صفوف “السوفيات”.
– تظاهر خلال أيام 1-4 يوليوز 1917 حوالي 000 100 من العمال والجنود في بترسبورغ، تبعتهم مظاهرات في مدن أخرى، وجلها بقيادة البلاشفة الشيوعيين. نظمت تلك المظاهرات تحت لافتات كتب عليها “تسقط الحرب” و”كل السلطة للسوفيات”.
– يوم فاتح يولوز، تظاهر حوالي 000 500 من العمال والجنود في العاصمة “سانت بترسبوغ” (التي استرجعت اسمها) رافعين شعارات “كل السلطة للسوفيات”، “فلتسقط الحرب” و” فليسقط عشرة وزراء الرأسمالية.”
– خلال الأسبوع الثالث من غشت 1917، واستجابة لنداء البلاشفة، قام حوالي 400000 عامل بإضراب عن العمل في سانت بترسبورغ. وقد امتدت الإضرابات إلى مختلف المدن الأخرى (موسكو…)
– في الأسبوع الأخير من غشت 1917، وبقيادة اليميني “كورنيلوف”، بدأ تمرد عسكري بهدف إعادة النظام القيصري. قام الحزب البلشفي بتعبئة وتنظيم الشعب لهزم التمرد واتجه “الحرس الأحمر” إلي العاصمة، والتي بلغ عدد قواته حوالي25000 مقاتل بالإضافة إلي حامية للمدينة. لقد هب لمساندة العمال كل من بحارة أسطول بحر البلطيق، وعمال السكك الحديدية، والعمال في موسكو، ودونباس، جبال الأورال، والجنود في جبهة الحرب. تمت هزيمة الانقلابيين على أيادي العمال (رغم ضعفهم التنظيمي). ونظرا لضعف الحكومة البرجوازية، فقد التجأت إلى البلاشفة والسوفيات لردع الانقلابيين.
– في يوم31 أغسطس اكتسح البلاشفة انتخابات اتحاد العمال (السوفيات).
– في يوم فاتح شتنبر 1917، تلقت اللجنة التنفيذية المركزية للسوفيات طلبات من 126 من مجالس السوفيات المحلية تحثها على الاستيلاء على السلطة.
– خلال شتنبر وبداية أكتوبر 1917، عرفت روسيا إضرابات عمالية ضخمة (موسكو، سانت بترسبورغ، المناجم، النفط، الغزل والنسيج، السكك الحديدية….). قام العمال في عدة مناطق بالسيطرة على الإنتاج في عديد من المصانع وتوزيعه.
– في يوم 10 أكتوبر 1917 صوتت اللجنة المركزية للبلاشفة بأغلبية 10 ضد 2، لقرار: “الانتفاضة المسلحة أمر لا مفر منه، وبأن الوقت قد حان لذلك تماما”.
– يوم 23 أكتوبر 1917، انطلقت الانتفاضة من تالين عاصمة استونيا.
– في يوم 25 أكتوبر 1917، قاد البلاشفة الانتفاضة في سانت بترسبورغ، عاصمة روسيا، تمكنوا من خلالها على الاستيلاء على المرافق الحكومية الرئيسية
– في ليلة 26/25 أكتوبر تم تنفيذ الهجوم على القصر الشتوي للقيصر. تشكلت الحكومة الجديدة، حكومة الثورة الشيوعية، ثورة السوفيات، ثورة الطبقة العاملة بقيادة حزبها، الحزب البلشفي. أعلنت الحكومة الجديدة خروج روسيا من الحرب العالمية، كما أصدرت مراسيم تقضي بمصادرة أراضي كبار الإقطاعيين ومعامل الرأسماليين بالإضافة إلى إعلان حق شعوب الإمبراطورية الروسية بالانفصال عنها.
الخلاصة
نجحت ثورة أكتوبر 1917 العظيمة بفضل انخراط الطبقة العاملة في سيرورة الكفاح ضد الاستبداد القيصري، ثم ضد جمهورية فبراير البرجوازية. فرغم حداثتها، تمكنت الطبقة العاملة الروسية من تنظيم نفسها في سوفيات، من تبني في غالب الأحيان مواقف البلاشفة، في بناء تحالف طبقي مع الفلاحين الفقراء، مع الجنود، مع الطلبة، ومع مختلف الشرائح التي كانت تعاني من الاستبداد والاستغلال. فهي صانعة أول ثورة شيوعية في تاريخ الإنسانية، ثورة أكتوبر العظيمة…الخ.